الثلاثاء , نوفمبر 19 2024

رسائل لن تصل .

ماجد سمير
ماجد سمير

ماجد سمير
كأنها رسائل آتية من البحر، تكرار لنفس السيناريو السينمائي المتعارف عليه في الأفلام: مجرد ورقة ملفوفة بعناية أو دون اكتراث بداخل زجاجة القاها شخص ما في البحر، ربما كان على متن سفينه كبيرة أو مركب صغير أو ربما كانت بمثابة القشة التي تنقذه من الغرق، ومن المؤكد أنه لا يعرف هل ستصل رسالته لشخص يقرأها أم لا؟ وان وصلت هل سيهتم بها، وان اهتم هل لديه حل لمشكلة كاتب الرسالة، وربما لا يهدف من كتابتها الوصول لأي شىء مجرد ” فضفضة” أو تنقيث عن غضب اختار البحر لأنه بلا صاحب وأمواجه قد تحمل الرسالة لشاطىء في مكان ما بعيد أو قريب تستريح فيه وتنهتي الآلام على رماله أو فوق صخوره، حتى لو ظل صاحبها بلا شاطىء وبلا هدف.
ماجد عزيزة عراقي من الموصل، لملم أشلاءه ورحل مع الراحلين عن الوطن، كتب بقلم بل قل بدم يسيل حزنا على سنوات عمره وعلى فراق أرضه وأرض أجداده، لأ أعلم أين نشر ما كتبه لكنه وصلني عبر موقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك” انتقل من مشاركة لمشاركة تماما كرسائل البحر من موجة لموجة ومن تيار لتيار حتى وصل ماكتبه إلى شاطىء صفحتي عبر مشاركة أحد الأصدقاء.
قال ماجد في رسالته بالنص :
” ونحن نغادر مدينتنا الموصل مطرودين وقد أذلنا حاملو راية الإسلام الجديد، نغادرها لأول مرة في التاريخ، لابد لنا في هذا الموقف ان نقدم شكرنا لأهلنا فيها، أهلنا الذين كنا نعتقد بأنهم سيحمونا كما كانوا يفعلون، وسيقفون بوجه عتاة مجرمي القرن الحادي والعشرين، ويقولون لهم ان هؤلاء هم الأصلاء وهم الذين اسسوا هذه المدينة، كنا نطمئن النفس بأن لنا جارا عزيزا، وابن محلة شهم، وإخوانا تبرز اخلاقهم يوم الشدة ..لكننا خذلنا ونحن نغادر، خذلنا ونحن نسحب أجسادنا سحبا نحو المجهول، خذلنا ونحن نترك كل تاريخنا وقبور آبائنا وأجدادنا ورموزنا وآثارنا وكل شيء عزيز علينا.

وداعا نقولها، لمحلات الساعة والجولاق والدندان وباب لكش وباب الجديد وباب الطوب، وداعا لجامع النبي يونس والني شيت و(جيمع الكبيغ)، وداعا للسرجخانه وسوق العتمي والقناطر وجسر العتيق وعبدو خوب ..، وداعا لقصر المطران وكنيسة مسكنته وعين كبريت .. وداعا لشارع الفاروق وشارع نينوى والدواسة .. وداعا لعبد الباسط ابو السندويج، وطرشي الشفاء وشارع النجفي .. وداعا لكم جميعا فستفتقدونا في الأعياد والمناسبات، ستفتقونا في الأفراح والأحزان ..
وداعا، قبور أهلنا ونحن نغادركم مطرودين من مدينتنا، واعذرونا إن لم نعايدكم صباح العيد ..
وداعا رفاة جدي إلياس، وعمي القس ميخائيل ونانا حياة وخالي يوسف، وداعا أخوالي إبراهيم وميخائيل حداد الذين امتدت لي الصحافة منهما، وداعا عمي اسطيفان عزيزة شهيد العائلة الأول ..
وداعا رفاة الشيخ بشير الصقال .. وداعا حضيرة السادة والجماسة ودير مار كوركيس، وداعا جسور مدينتي وجدرانها وملاعبها، وداعا جامعة الموصل والمجموعة الثقافية ومحلات اللحم بعجين والجرزات.
وعذرا أصدقائي وإخوتي القدامي المتجددين، عذرا د. سمير حديد، د. سيار الجميل، د. ابراهيم العلاف، أبا الطيب سعد البزاز، وكل صحبتنا واولاد محلتنا ومدينتنا النجباء .. واعذرونا عن التقصير، إن كنا قد قصرنا في حقكم وحق أخوّتنا وأهلنا ومدينتنا ..فقد مرت مئات بل آلاف السنين ونحن نعيش سوية نقدم عرقنا وجهدنا لمدينتنا ..
وبالتالي، وكما ترون نطرد منها ونذل أمام الجميع .. هكذا أخرجنا عتاة داعش القتلة من بيوتنا ومحلاتنا ( وعوجاتنا) ومن مدينتنا ..
نعم .. وداعا لكم وشكرا، ونحن نرحل بذل مطرودين من الأرض التي رويناها بدمنا!!!”
البحر حمل رسالة ماجد لكثيرين، لكن لم يقرأها حتى اللحظة الأزهز الذي يمثل وسطية الإسلام.
تحت عنوان “فكر وتأمل واستوعب وأفهم وقارن ثم بعد ذلك حدد موقفك”، كتب صحافي: “كم مفكر ومصلح إسلامى تم تكفيرهم؟ كم مبدع وكاتب تم تكفيرهم وسحبهم للمحاكم؟،كم مفكر ومصلح تم إغتيالهم بعد تكفيرهم؟…….فى المقابل لم تصدر فتوى إسلامية واحدة من شيخ أو مؤسسة إسلامية بتكفير أسامة بن لادن والظواهرى وأبو مصعب الزرقاوى والبغدادى وداعش وجبهة النصرة؟”
الأزهر الذى كفر المفكرين عبر تاريخه صامت على داعش واخوتها… علام يدل ذلك؟، هل يرى الأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامى ورابطة العالم الإسلامى والاتحادى العالمى لعلماء المسلمين أن هذه الاشكال إسلامها صحيح والمفكرين كفرة؟، هل يرى شيوخ الإسلام أن فرج فودة وطه حسين وسعيد العشماوى واحمد صبحى منصور وسيد القمنى كفارا فى حين أن داعش واخوتها إسلامهم صحيح؟!
البحر حمل الرسالة لجامعة الدول العربية فانتفضت مبانيها واشرأبت أعناق ورؤوس أعضائها وكتبت منزعجة مكفهرة، تشجب مايحدث لمسيحي الموصل ووصفت إياه بأنه عارا علىنا جميعا وناشدت الأطراف بالوئام والسلام والمعيشة معا في “تبات ونبات” فربما يشاء العليم القدير أن يخلفوا صبيان وبنات.
عبرت رسالة ماجد المحيط الأطلسي، حملتها أمواج البحر العباب إلى مقر الأمم المتحدة بجوار تمثال الحرية في نيويورك، فأبدى قلقه الشديد للمعلومات حول تعرض المسيحيين لتهديدات في الموصل، واعتبر أن اضطهاد المسيحيين في الموصل شمال العراق من قبل (داعش)، يمكن أن يعتبر جريمة ضد الإنسانية.
وكرر الأمين العام للأمم المتحدة القول بأن “هذه الهجمات المنهجية ضد المدنيين بسبب أصولهم العرقية أو انتماءاتهم الدينية، يمكن أن تشكل جريمة ضد الإنسانية لا بد من المسؤولين عنها أن يلقوا العقاب”.
واذا كان رد فعل أولي الأمر في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة مجرد الشجب، منطقي جدا أن يكون رد فعل الدول الشقيقة والصديقة والرقيقة حكومة وشعبا “غض البصر” فما يحدث في البصرة بعيد عنهم ولايضر أي منهم بشىء بل قد يكون هناك من يراه نصرة للإسلام أو على أقل الفروض أثر السلامة اتقاءا لشرور “داعش واخوتها ومؤيديها ومموليها”.
أما مصر، فلم نر لها أي رد فعل ربما لأنه بات طبيعيا في بلد لا يرى تهجير مواطنيه المسيحين من ديارهم، ويدعي في الوقت ذاته أن الجميع أمام القانون سواسية، ففي سيناء على سبيل المثال لا الحصر، تلقى المسيحيون تهديدات بتعرضهم للإيذاء، في حالة اصرارهم على الإقامة في رفح، وهجر المسيحيون المدينة خوفا من انتقام الجماعات الإرهابية منهم، وخرج علينا الأمن مؤكدا أن الوضع آمن في سيناء، وان المسيحين هم من طلبوا الرحيل.

ويعيش اقباط مركز” دير مواس ” بمحافظة المنيا بصعيد مصر حالة من الرعب والخوف، بعد تعرضهم لعمليات تهجير قسري، أدت الي تهجير أكثر من سبع أسر. وصفت الأسر القبطية حالات التهجير بالمسلسل الذي يتكرر دائما، وتبدأ حلقاته باختيار الضحية التي تمتلك من الأراضي الزراعية والمال الوفير، ويقوم احد البلطجية بإرسال احد رجالة الي الضحية، لتهديده، ومطالبته بمبالغ مالية تصل الي مليون جنية، وأكثر في بعض الاحيان، وذلك بعد وضع العديد من البلوكات الحجرية بأرضة، وبناء غرفة بها والإقامة بداخلها، لحين السداد وطرد من بها، بالإضافة الي تهديد الضحية بالقتل او خطف احد ابنائه في حالة عدم السداد، بالإضافة الي الاستيلاء علي قطعة الارض .
وأكد الاهالي الحالة السيئة التي يعيشون بها، وهم في غاية الخوف والفزع من ان ممارسات هذا البلطجي، ضد أقباط المركز، تكون بمرأى ومسمع من الأمن، وعندما يحاول أي قبطي اللجوء إلي الأمن يحاول المسؤولون انهاء الأمر بالتصالح بين الطرفين، وبالتبعية التصالح يكون بدفع مبالغ فدية، ومن لا يستطيع يضطر الي ترك منزلة وأراضيه، والتوجه الي مكان غير معلوم .
وهناك بعض الأسر المسيحية التي تم اجبارها على ترك منازلها واعمالها بحجة وجود علاقة بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة، بل وأشرف نائب من برلمان مرسي يتبع حزب النور السلفى على بيع وتصفية ممتلكات المسيحيين بالقرية .
مجرد أمثلة فقط لعدد من الرسائل المتسقة تماما مع رسائل ماجد من العراق لم تصل، وربما لن تصل.
في 16 نوفمبر 1941 قدم مسرح الريحاني مسرحية “حسن ومرقص وكوهين”، تأليف بديع خيري على مسرح دار أوبرا القاهرة، في اشارة إلى تنوع المجتمع في الشرق، وفي أغسطس ٢٠٠٨، قدمت السينما المصرية فيلم “حسن ومرقص”.
ويخشى البعض من استمرار سياسة عدم وصول الرسائل وتكون رسالة ماجد أول خطوة في إنتاج الفيلم الثالث “حسن فقط”، لتنجح خطة شرق أوسط خال من غير المسلمين.
وأمامنا جميعا اختياران: إما أن نفهم جيدا رسالة ماجد، أو نصل بمنطقتنا جميعا إلى مجموعة من الدويلات المنتاحرة دينيا واثنيا وعرقيا، ولنا في الصومال وأفغانستان نموذج واضح، نحن فقط من نقرر ونقيم هويته.

 

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.