كمال زاخر
عرضت، عبر سطورى السابقة، رؤيتى فى عديد من القضايا والإشكاليات الكنسية بقدر ما توفر لدى من معرفة ومن خبرات على الأرض، تضمنت تعليقات تطرح سبل تفكيكها وحلها بما يتناسب مع حاجات يومنا وغد أجيال قادمة، بما يسهم فى قيام الكنيسة بمهامها ورسالتها، وفى السطور التالية اوجز ما حملته هذه السطور
وأضعه أمام الكنيسة وتحديداً مجمعها المقدس باعتباره المسئول عن تدبير الكنيسة
وإعمالاً لما تقول به قوانين الكنيسة أن “الشماس هو عين وأذن الأسقف”، سعيا لوضع نقطة
فى نهاية سطر المشاحنات الذى طال واستفحل بين اطياف كنسية وخرج إلى الفضاء العام.
وسعياً لأن تهتدى الكنيسة لسلامها تستعيده وتبنى عليه، لتنتهى إلى وقفة أمينة لوضع حد
للتشاحن على اليات العالم الافتراضى، الذى يهدم ولا يبنى، ويشتت ولا يجمع.
ولعل البداية فى تبنى الكنيسة ( الإكليروس والإراخنة ) وضع دستور جامع مانع يحدد ايمانها وطقوسها
وخدمتها، تأسيساً على التسليم الرسولى الأبائى والذى قننته ووثقته المجامع المسكونية فى قوانينها
وخبرات الكنيسة على الأرض، فى ضوء حاجات العصر وتحدياته ومعوقاته، وهو عمل كنسى اكاديمى
يستوجب تعاون وتكاتف كل مكونات الكنيسة، لننتقل من الفرد إلى المؤسسة، وهو عمل يوفر للكل مرجعاً
يتم الرجوع إليه بين المختلفين، ويحمى الكنيسة من الأراء الشخصية ومن الحكم بالانطباع الذاتى
والذى قد يتشكل بعيداً عن ايمان الكنيسة القويم، وقد سبقتنا كنائس تقليدية رسولية إلى هذا.
وظنى أن هذا العمل الجسور سيسهم بشكل فاعل فى حسم قضية التقارب المسكونى
خارج السياقات البرتوكولية، وبغير تخوف من الابتلاع أو الذوبان، فلكنيستنا ثقلها التاريخى واللاهوتى
ولا ينقصها الحكمة والقدرة على بناء جسور حوار موضوعى جاد ومثمر لحساب وحدة الكنيسة شهوة قلب
رب المجد والذى قال بها فى صلاته
الوداعية فى بستان جثسيمانى (يوحنا 17):أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ.وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا،لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ.ـ بحث إعادة مشاركة الأراخنة فى تدبير الكنيسة فى تكامل مع الإكليروس لتستعيد الكنيسة توازنها، فى ترجمة لمفهوم الكنيسة التى تعتبر الإكليروس والعلمانيين هم معاً “شعب الله”
وتأكيداً على مبدأ الشفافية وتخفيفاً للحمل عن كاهل الأسقف، ولتوفير قدر اكبر من مراقبة
أوجه صرف موارد الإيبارشيات فى شفافية تخضع لقواعد تنظيمية عامة ومجردة وملزمة.
والمشاركة هنا لا على سبيل الإستشارة.
وبطبيعة الحال فإن عودة المجلس الملى باتت ضرورية كما بينا سابقاً، بعد تغيير المسمى المفارق للواقع
والذائقة المعاصرة وكذلك تحديد مهامه المستجدة فى لائحة، والأفضل فى قانون، كما هو الحال
مع هيئة الأوقاف القبطية.
ـ مراجعة وتقييم تجربة الكنيسة فى رسامة الأسقف العام، فى تطوراتها، بين اختيارهم فى حبرية
البابا كيرلس السادس وقد اسندت لهم مهام محددة فى تقليد رسامتهم، وبين اختيارهم فى حبرية البابا شنودة
والبابا توضروس بلا مهام محددة، توطئة لتجليسهم فى ايبارشيات يرحل اسقفها، أو اسناد اشراف الكنائس
لهم فى ايبارشية البابا (القاهرة والإسكندرية).، وقد يكون من المفيد فى هذا السياق دراسة عودة
رتبة الخورى ابسكوبس فى الهرم الإكليروسى، يتولون مهام تدبير اجزاء من الإيبارشيات
تحت قيادة اسقفها بدلاً من تقسيمها.
وفى ذات السياق التوقف عن تقسيم الإيبارشيات، وتجميع الإيبارشيات الصغيرة التى تقع فى نطاق
المحافظة الواحدة، ورسامة مطران لكل محافظة يتبعه ـ فى الوضع الراهن ـ اساقفة تلك الإيبارشيات المجمعة
يكون مقره فى عاصمة المحافظة.
ومثالنا ايبارشية البابا البطريرك التى يترأسها قداسته، ويعاونة اساقفة اسند إلي كل واحد منهم
ادارة مجموعة كنائس يجمعهم نطاق جغرافى واحد داخل الإيبارشية.
ـ مراجعة منظومة الرهبنة المعاصرة، باعتبار الأديرة المخزون الاستراتيجى للكنيسة، شخوصاً
وعقائد وتراث، وفصلها عن التعليم الإكليريكى الخاص بالخدام المكرسين فى دائرة الإكليروس.
ووضع لائحة تنظم قبول طالبى الرهبنة ومناهج اعدادهم ومتابعتهم قبل وبعد الرهبنة، والعودة
لإسناد رئاسة الدير لأحد رهبانه وليس باقامة اسقف للدير، ليحتفظ الدير بسلامه ونموه
وامكانية تغيير رئاسة الدير، دون قيود تغيير الأسقف، ويمكن لتواصل الأديرة مع الكنيسة
رسامة أسقف عام لشئون الأديرة.
ـ إنشاء آلية لإعداد الرهبان المرشحون لتولى مناصب كنسية خارج نطاق الأديرة، تكون ملحقة بالمقر البابوى
يقوم على ادارتها مؤسسات الكنيسة التعليمية، الإكليريكية الأم ومعهد الدراسات القبطية
ومراكز البحث القبطية الأرثوذكسية، وتستعين بالكوادر الأكاديمية ذات الصلة بالجامعت المصرية
عبر بروتوكولات تعاون ثقافية بينها وبين الكنيسة، تغطى جانب العلوم الإنسانية فى اعداد المرشحين للإسقفية.
ـ فك الإرتباط بين الكهنوت والرهبنة داخل الأديرة، ذلك الإرتباط الذى يقف وراء جل مشاكل ومتاعب الرهبنة، والإكتفاء بأقل عدد ممكن من الكهنة الرهبان، داخل كل دير، بقدر احتياجات الدير
ورد الاعتبار لشيوخ الأديرة فى سعى إعادة نسق التلمذة للأديرة كما كانت فى السابق.
فتسترد الأديرة عافيتها وسلامها ونموها.ـ إنشاء آلية مركزية لإدارة المشروعات الإنتاجية الديرية
وتوزيع ريعها على الأديرة الفقيرة أو التى لا تملك مثل هذه المشاريع، وكذلك الإيبارشيات محدودة الدخل
فى تطبيق على الأرض لنذر “عدم القنية ـ الإمتلاك” ولتحقيق التوازن بين الأديرة. وكذلك فى الكنيسة.
فضلاً عن تولى هذه الآلية مسئولية تسويق منتجات تلك الأديرة، لترفع عن الرهبان ثقل الإنشغال
بهذه المهمة الثقيلة وما تجلبه من متاعب على الدير ورهبانه، والتى فى بعضها ترقى الى مستوى الجريمة.
ـ دراسة الحاجة لإنشاء منظومة للتكريس خارج اسوار الإديرة، وبالتوازى معها، ومجال عملها
خدمة المجتمع العام والقبطى فى دوائر التعليم والصحة والرعاية الإجتماعية وهى تتيح توافر باحثين
لاهوتين يعكفون على الدراسة والبحث اللاهوتية والعقائدية والتعامل مع اجيال الشباب وتوعيتهم
وبناء رؤاهم الكنسية على أرضية مسيحية ارثوذكسية نقية.
ولدينا خبرات عملية متوفرة فى مراكز بحثية قبطية قائمة وفاعلة منها على سبيل المثال مؤسسة
القديس انطونيوس ومركزها لدراسات الآباء والتى أسسها الدكتور نصحى عبد الشهيد
وقدمت للكنيسة باحثين ثقاة استعانت بهم فى معاهدها التعليمية.
ـ مراجعة الملابس الخاصة بالاسقف وردها لأصلها المصرى القبطى الذى يتسم بالبساطة بغير تزيد، أو مغالاة
مثل التى نشهدها اليوم والتى تشهد سباقا فى التفرد باضافات، تنتمى للعصور الوسطى
وتشبه الملابس الإمبراطورية، المفارقة للحس القبطى، وهو أمر يحتاج لتوفر قدر كبير من التجرد والمصالحة
مع الحياة الطبيعية، وتسهم فى تأكيد طبيعية العلاقة بين الأسقف والكاهن وبينهم وبين الرعية.
بلا غلو وبلا استعلاء، وهو ما طرحناه تحت عنوان “أنسنة الإكليروس”
وهو ما أكده الرب يسوع المسيح فى تجسده، وهو المثل والقدوة.
– وفى سياق المراجعة على الكنيسة ان تراجع انتشار إقامة مدفن لكل اسقف يتنيح والذى يتحول الى مزار شعبى التماساً لحل مشاكل من يلجأ اليه، فى مخالفة فادحة لما تعلم وتؤمن به الكنيسة
وتلفت الانتباه بعيداً عن طلب وجه المسيح وهى تنويعة على الارتداد للوثنية، ويتفق مع ما قاله الكتاب
“لأَنَّ شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً.” (إر 2: 13).
ـ وضع ضوابط للعلاقة بين الأسقف وكهنة ايبارشيته ترتفع بها من التبعية الى التكامل
والتى تحفظ للكهنة انسانيتهم وتحميهم من الفصل التعسفى وتوفر لهم ضمانات العيش الأمن
ودراسة اقامة هيئة كنسية
توفر لهم معاشاً مناسبا حال تقاعدهم بسبب الشيخوخة أو المرض، وتوفر لبيت الكاهن دخلاً مناسبا
حال رحيله، بشكل يصون انسانيتهم وكرامتهم، ولا يخضع للتقدير الشخصى الذى يراه الأب الأسقف
واعادة النظر فى اشتراك الكاهن فى منظومة التأمينات الاجتماعية بصفته صاحب عمل.
وفيه يتحمل الكاهن كل قيمة الاشتراك التأمينى بما فيه حصة الكنيسة.
التى ترفض التأمين عليه كعامل لديها.
وفق قوانين العمل. وكذلك الأمر مع التأمين الصحى للكاهن واسرته.
ـ وتبقى اشكالية الإعلام الكنسى وحاجته إلى تطبيق معايير الإعلام المهنية والفنية واسناده إلى متخصصين من شباب الكنيسة العاملين فى الإعلام ، بعيداً عن الهيراركية الأكليروسية، بانشاء مركز إعلام مركزى يتبع مكتب البابا البطريرك، يتبعه فروع فى كافة الإيبارشيات، تحكمه المعايير الإعلامية المهنية المجردة، وصالح الكنيسة.
وفى النهاية أشكر القراء الأعزاء الذين تابعوا طرحى واشتبكوا معه اتفاقاً واختلافا ومشاركة باضافات ثرية، وضعتها فى الاعتبار وانا اجمع سلسلة طرحى هذا توطئة لإصداره فى كتاب اتمنى أن يرى النور قريباً.