ماجد سوس
كان بينديكت أرنولد جنرالًا في جيش الثوار الأمريكي خلال حرب الاستقلال، وكان صديقا موثوقًا به للرئيس جورج واشنطن.
لكنه كان يبطن خيانته لصديقه، محاولًا تسليم حصن ويست بوينت إليهم. عندما اكتُشفت خيانته، أصبح رمزًا للخيانة في التاريخ الأمريكي، ولقبه الناس بـ”الخائن الأعظم”.
كان الكونت ميرابو في البداية أحد قادة الثورة الفرنسية، وأظهر أمام الشعب الفرنسي أنه من قادة الثوار لكنه في الخفاء كان يتواصل مع الملك لويس السادس عشر، ويزوده بمعلومات حول تحركات الثوار
وعندما اكتُشفت خيانته بعد وفاته، تحطمت سمعته، واعتُبر خائنًا لرفاقه.
الخيانة ليست مجرد كلمة عابرة، بل هي طعنة في القلب، تأتي ممن لم تتوقع يومًا أن يكون خنجره هو الذي يمزقك.
إنها الجرح الذي لا يلتئم، لأنها لا تأتي من عدو، بل من صديق شاركك الخبز والملح، من حبيب كنت تعتقد أنه سندك في الحياة، فإذا به يهدم كل ما بنيته معه بيديه، وكأنه لم يكن يومًا رفيق الدرب.
في القانون الجنائي احدى الحالات المستوجبة الإعدام هي القتل بالسم لأنه جريمة غادرة، لأنه ما أقسى أن يكون قاتلك هو من جلس بجانبك، اقتسم معك الخبز، ثم دس السم بابتسامة مطمئنة.
هل هناك أشد ألمًا من أن تأمن لشخص، تفتح له أبواب قلبك، وتمنحه من حبك واهتمامك بلا حساب
ثم تكتشف أنه كان يخطط لقتلك معنويًا في اللحظة التي تدير فيها ظهرك؟ إن الخيانة لا تأتي من غريب
بل من أقرب الناس إليك، أولئك الذين ظننت أنهم درعك الحامي، فإذا بهم سهمك القاتل.
يذكرني ذلك بيهوذا، الذي أكل مع سيده من ذات الطبق، ثم باعه بثلاثين من الفضة!
أليس هذا حال بعض الأصدقاء اليوم؟ يأكلون معك، يجلسون إلى مائدتك، يضحكون معك
ثم يبيعونك بثمن بخس، وربما بلا ثمن، فقط لأنهم امتلأوا بالحقد والحسد، لأن نورك أعمى قلوبهم
ولأنهم أرادوا سقوطك ليشعروا بارتفاعهم.
كم مرة وقفتُ مع ذلك الصديق، سندته في ضعفه، احتضنته في حزنه، مددتُ له يدي حين كان الجميع ضده
ولكنه حين اشتد ساعده، رماني بسهم غدره كأنني عدوه اللدود! علمته الرماية، فلما أصبح فارسًا، صوب سهمه نحو صدري بلا رحمة.
أين الوفاء؟ أين الود القديم؟ أين الأيام التي كنا فيها قلبًا واحدًا؟ كيف نسي كل شيء؟
وكيف تحول الحب إلى كراهية بلا سبب؟ لكنني أدركت بعد كل هذا أن الخائن يخون لأنه خائن بطبعه
وليس لأنني كنت سيئًا معه.
ليس ذنبي أنني أحببت بإخلاص، ووهبت الوفاء لمن لا يستحق، وفتحتُ أبوابي لمن كان يجدر بي أن أبقيهم
في الخارج.
إلى ذلك الصديق الزائف الذي يخذل صديقه، وإلى ذلك الحبيب الغاش الذي يطعن حبيبه، أقول:
لم تخن من يستحق الخيانة، بل خنت نفسك التي لم تعرف صفاء النفس، وخنت روحك التي لم تختبر نقاء الروح.
أنت لم تعرف الوفاء أما أنا سأظل وفيًا، لأنني لا أخون، وسأظل مخلصًا، لأنني لا أغدر
وسأظل أعطي، لأنني لا أعرف الجحود. وضعت الله بيني وبينك ليحكم بيننا
وجوده أجبرني للغفران والصلاة من أجلك وبالرغم من أنك مجرد ذكريات مؤلمة في صفحات العمر
لكني أدعو لك لا عليك بحسن الختام.