د. ماجد عزت إسرائيل
يعد الصليب في المسيحية أحد أعظم الرموز الدينية التي تمثل فداء الإنسان وتعبيرًا عن محبة الله اللامحدودة للبشرية.
فمن خلاله، تحقق النجاة والخلاص من الخطية والموت.
ولكن اكتشاف الصليب الحقيقي يعود تاريخه إلى القديسة هيلانة في القرن الرابع الميلادي
حيث بدأت رحلة البحث عن صليب السيد المسيح في أورشليم، والتي كانت من أهم الأحداث التي غيرت مجرى تاريخ الكنيسة المسيحية.
ففي عام 326م، توجهت الملكة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير(272-337م)، إلى أورشليم
حيث كانت قد نذرت السفر إلى هذه المدينة المقدسة بعد أن قبل ابنها قسطنطين الإيمان المسيحي.
وبتوجيه من ابنها، تم تجهيز كل ما تحتاجه هذه الرحلة المباركة.
وعندما وصلت إلى أورشليم، بدأت تبحث عن مكان الصليب المقدس الذي صلب عليه السيد المسيح، ولكن لم يكن أحد يعلم بمكانه.
فقررت أن تستعين بأحد الشيوخ اليهود، وبتوجيهها له عن طريق الضغط عليه، كشف لها عن مكان يعتقد أنه يحتمل وجود الصليب فيه في جبل الجلجثة.
وعندما بدأوا في تنظيف الجلجثة، عثروا على ثلاثة صلبان، لكن لم يتمكنوا من معرفة أي منها هو الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح.
فقرروا تجربة أحد الصلبان بوضعه على جثة ميت، فحدث أن الجثة لم تقم.
وعند تجربة الصليب الثاني، كانت النتيجة مشابهة، ولكن عندما وضعوا الصليب الثالث على الجثة، قامت الجثة فورًا.
وبذلك تم التأكد من أن هذا هو صليب السيد المسيح.وقد تم الاحتفال بهذا الاكتشاف العظيم
وأرسلت القديسة هيلانة جزءًا من الصليب إلى ابنها قسطنطين مع المسامير المقدسة
وأمرت بتشييد الكنائس تكريمًا لهذا الحدث، وبدأ الاحتفال الأول في اليوم السادس عشر من شهر توت.
إن اكتشاف الصليب يمثل علامة فارقة في تاريخ الكنيسة المسيحية أو في حياتنا. فهو ليس مجرد رمز ديني
بل هو علامة الفداء والخلاص، إذ به تحقق الفداء الإلهي من خلال تضحية المسيح على الصليب من أجل غفران خطايا البشر.
وفي حياتنا اليومية، يعتبر الصليب مصدر قوة وأمل، وهو التذكير المستمر بتضحية المسيح من أجلنا، ويدعونا لاتباعه في المحبة و الصفح و الخدمة.
فعندما ننظر إلى الصليب، نتذكر الآلام التي عانى منها المسيح من أجل تحقيق خلاصنا، وكذلك القيامة التي أعقبت الصلب، والتي هي علامة النصر على الموت.
بالنسبة للمؤمنين، الصليب هو مفتاح الحياة الأبدية والمخلص الذي يقويهم في أوقات الشدة ويمنحهم الأمل في الحياة بعد الموت.
كما ورد بالكتاب قائلاً: “فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ،” (1 كو 1: 18).
وتُعد الكنيسة مكانًا يُحتفل فيه بالصليب ويُكرّم، حيث يُستخدم الصليب في الطقوس الدينية كرمز للترابط الروحي.
ويتم رفع الصليب خلال قداسات الكنيسة وفي الأعياد المسيحية، ويُحتفل بيوم تذكار الصليب في اليوم العاشر من شهر برمهات، الذي يُحيي فيه ذكرى اكتشاف الصليب على يد الإمبراطور هرقل في عام 627م.
والصليب يمثل الوحدة بين المؤمنين، كما يعبّر عن قوة الإيمان في حياة المسيحيين.
ومع مرور الزمن، تحول الصليب إلى رمز عالمي يعبر عن الرسالة المسيحية التي تحمل المغفرة والسلام إلى جميع أنحاء العالم
فنقول مع معلمنا بولس الرسول”حَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 6: 14)
وأخيرًا، يُعد اكتشاف الصليب المقدس تذكيرًا مهمًا بـ الفداء الإلهي و محبة الله التي لا حدود لها.
وكما يقول الكتاب المقدس: “مَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا” (إنجيل لوقا 14: 27)، فإن الصليب يُظهر قوة الإيمان المسيحي ويُذَكِّرنا جميعًا بأن المسيح قد قدّم نفسه فداءً لنا على الصليب.
من خلاله، نبلغ الخلاص و الحياة الأبدية.
