الجمعة , مارس 28 2025
والدة ماجد عزت إسرائيل

أمي الحبيبة الطيبة – عاشت وفق قانون الكتاب المقدس قبل القانون المدني!

د.ماجد عزت إسرائيل

 اليوم الأحد الموافق 23 فبراير 2025م تحل الذكرى السادسة عشرة لرحيل أمي الحبيبة الطيبة (1931-2009م).

وكما في كل عام من شهر فبراير، نستذكر سيرتها العطرة، إذ رحلت عن عالمنا في 23 فبراير 2009م، في ليلة بدء الصوم المقدس.

وتصادف ذكراها اليوم مع اليوم الأول من الصوم المقدس، وفقًا للتقويم القبطي الذي تعتمده كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في تحديد الأصوام والأعياد والمناسبات.

كانت أمي الحبيبة الطيبة امرأة عظيمة، حملت راية الجهاد في تربية أولادها بعد رحيل والدي في نوفمبر 1972م، وعاشت قبل تعديل قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين.

ومع ذلك، كانت تؤمن بأن إثبات الحق لا يحتاج دائمًا إلى مستندات أو وثائق مكتوبة، على الرغم

من إيمانها بقيمتها، إذ رأت أن الحق ينبع من الضمير الإنساني، ذلك الميراث الأخلاقي الذي تعلمته داخل الكنيسة

وفي محيط الأسرة.

العدل الإلهي في حياتها

كانت أمي مثالًا حيًا للعدل، فقد اتبعت القوانين الإلهية في جميع جوانب حياتها، دون أن تتأثر بالقوانين المدنية التي قد تتعارض مع المبادئ الكتابية.

لم تتدخل يومًا في قرارات زواج أبنائها، بل تركت لبناتها حرية اختيار شريك حياتهن، كما أعطت أولادها الذكور الحق ذاته، إيمانًا منها بأن الزواج هو رابطة مقدسة تُبنى على القناعة الشخصية والإرادة الحرة، وليس على العادات أو الاعتبارات المجتمعية.

كما جاء في الكتاب المقدس: : “لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.” (تك 2: 24). أما فيما يخص الميراث، فقد نظرت إليه من خلال عدالة الكتاب المقدس، فكانت تؤمن بما ورد في سفر التكوين: : “«أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟” (مت 19: 4).

فلم تفرق بين أولادها في الحقوق، بل التزمت بالمبدأ الإلهي، حيث رأت في ذلك العدل الإلهي

الذي يوازن بين المسؤوليات والتكاليف الملقاة على عاتق كل من الرجل والمرأة في المجتمع.

إيمانها بالحق فوق القوانين المدنية

لم تكن القوانين المدنية أو العادات الاجتماعية هي التي تحدد مواقفها، بل كان ضميرها المستنير بالكتاب المقدس هو مرجعها الأول والأخير.

عاشت حياتها وفق العدل الإلهي، فلم تفرق بين أبنائها في الحقوق،بل منحتهم جميعًا حرية الاختيار

في قراراتهم، وخاصة في الزواج، فلم تتدخل في اختيار شريك الحياة لأي من بناتها أو أبنائها الذكور.

لم تكن ترى في القوانين المدنية أساسًا للعدل المطلق، بل كان الإيمان هو الذي يحكمها، كما جاء في الكتاب المقدس: “لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ.” (2 كو 5: 7).

وفي معاملتها للناس، لم تكن تحابي أحدًا أو تنظر إلى الفروقات الاجتماعية، بل كانت تؤمن بأن الجميع

متساوون أمام الله، كما جاء في: “لاَ تَنْظُرُوا إِلَى الْوُجُوهِ فِي الْقَضَاءِ. لِلصَّغِيرِ كَالْكَبِيرِ تَسْمَعُونَ. لاَ تَهَابُوا وَجْهَ إِنْسَانٍ لأَنَّ الْقَضَاءَ للهِ. وَالأَمْرُ الَّذِي يَعْسُرُ عَلَيْكُمْ تُقَدِّمُونَهُ إِلَيَّ لأَسْمَعَهُ.” (تث 1: 17) “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (غل 3: 28).

إيمانها العميق بالحق

هكذا عاشت أمي الحبيبة، نموذجًا للعدل الإلهي، مسترشدة بتعاليم المسيح، منفذة وصاياه في حياتها اليومية

دون أن تخضع لتأثير القوانين الوضعية التي قد تخالف روح العدالة الكتابية.

فكان هذا إيمانها العميق الذي رسم لها طريق الصدق والحق في حياتها.

ميراث من القيم: عاشت وفق الحق الإلهي لا القوانين البشرية

لم تكن أمي الحبيبة الطيبة مجرد أم عطوفة، بل كانت معلمة وقائدة روحية، غرست في أبنائها

وأحفادها حب يسوع والكنيسة، لأنها كانت تؤمن بأنها مصدر الحنان والأمان لكل إنسان.

لم تكن تعلّمنا الإيمان فقط، بل غرست فينا أيضًا قيمة قول الحق والتصدي للظلم، ونصرة المظلوم، كما أوصى الكتاب المقدس: “«لاَ تَقْبَلْ خَبَرًا كَاذِبًا، وَلاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ.” (خر 23: 1).

وأيضًا  كما جاء أيضًا في الكتاب المقدس : “وَلاَ تَحَابُوا فِي الْقَضَاءِ.”(سفر التثنية 1: 17)

رحلت أمي الحبيبة الطيبة يوم الأحد الموافق 23 فبراير 2009م، لكنها تركت لنا ميراثًا من القيم والمبادئ

التي لا تُمحى من الذاكرة.

علمتنا أن العدل لا يُوزن بميزان البشر وحدهم، بل هو انعكاس لإرادة الله، وأن الصدق

ومقاومة الظلم هما من ركائز الإيمان الحق، كما قال المسيح: “وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ».” (يو 8: 32).

لم تكن حياتها قائمة على القوانين المدنية أو العادات المجتمعية، بل كانت تستمد قراراتها

من تعاليم الكتاب المقدس فكانت ترى أن الميراث يُنظَر إليه من خلال عدالة الله، والزواج

يجب أن يكون مبنيًا على المحبة وليس الأعراف، وأن الإنسان يُحكم بأعماله وليس بمكانته الاجتماعية.

فقد رحلت أمي، لكنها لم تترك فراغًا، بل تركت نورًا يضيء دروبنا، وذكريات تعكس صدقها ووفاءها لقيمها الروحية.

عزاؤنا أنها عاشت بأمانة وفق إرادة الله، لا وفق قوانين وضعها البشر. حقًا “ذِكْرُ الصِّدِّيقِ لِلْبَرَكَةِ..” (أم 10: 7). نياحًا لروحك الطاهرة، يا أمي الحبيبة الطيبة! كل عام وأنتم بخير بمناسبة الصوم المقدس.

شاهد أيضاً

جمعية التوفيق القبطية

قراءة فى دفتر زيارات حرف Z

د. رضا عبد الرحيم تأسست جمعية التوفيق القبطية سنة 1891م، بواسطة رفله جرجس مؤسسها الأول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.