الجمعة , أبريل 18 2025
أخبار عاجلة
الكنيسة القبطية
البابا شنودة الثالث

الأنبا شنودة بطريرك المسلمين والأقباط .. محمد مختار يكتب عن طفل اسمه ” نظير “

يسرد كتاب الأنبا شنودة .. بطريرك المسلمين والأقباط تفاصيل حول الحياة المبكرة للأنبا شنودة منذ ولادته، ويسرد محمد مختار، مؤلف الكتاب، ما يعتبره أدلة تعزز اختياره لعنوان الكتاب ” الأنبا شنودة .. بطريرك المسلمين والأقباط، ففي يومٍ من أيام أغسطس الحار، عام ألفٍ وتسعمائةٍ وثلاثةٍ وعشرين

وفي قرية سلام الهادئة بأسيوط، استيقظت الحياة بنبض جديد.

في ذلك اليوم من شهر أغسطس الذي يولد فيه الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية قوية وجريئة

ولديهم طموح كبير لتحقيق النجاح في حياتهم، كما يتسمون بالشجاعة والعزم على التغلب على التحديات

وفي ذلك المكان المتواضع، وفي كنف أسرة مسيحية تتقن صلاة الكنيسة

ولد طفلٌ لم يكن يعلم أن القدر قد اختاره لمهمة سامية.

أسموه “نظير”، اسمٌ بسيطٌ كبداياته، لكنه حمل في طياته معاني عميقة.

عمدوه في دير القديس الأنبا شنوده بسوهاج، المعروف باسم الدير الأبيض. ولمن لا يعرف هذا الدير التاريخي

فهو يقع بالقرب من مدينتي طهطا وسوهاج في صعيد مصر.


أسس الدير القديس بيجول، عام 442م. اشتق اسم الدير من لون الحجر الجيري الأبيض لجدرانه الخارجية.

وفي هذا الدير بدأت رحلة إيمانية ستشكل مستقبل هذا الطفل الصغير

الذي ولد يتيماً ولكنه سوف يحفر سيرته مع التاريخ كما حفر الدير سيرة خاصة به

وبمن مر عليه على مدار التاريخ.


فهناك وفي قلب صعيد مصر، حيث تترامى حقول القطن الذهبي، وتهب نسائم النيل العذبة

ولد في قرية سلام بأسيوط، في يوم حار من أيام أغسطس عام 1923، طفل أُطلق عليه اسم نظير.

كان هذا الطفل، الذي سيصبح فيما بعد البابا شنودة الثالث، ينتمي إلى أسرة عريقة، تمتلك

أراضي شاسعة تمتد إلى حيث تلتقي السماء بالأرض.

فجدّه، شيخ القرية ورئيسها، كان يملك خمسمائة فدان من أخصب أراضي الصعيد

ورث نظير منها قطعة كبيرة، بينما ورثت والدته، التي تنحدر من أسرة عريقة أخرى، قطعة أخرى لا تقل خصوبة.


حُرم نظير من حنان أمه منذ لحظة ولادته، فماتت وهو لا يزال رضيعًا.

البابا شنودة

وحينها، امتدت أيادي الرحمة من سيدات القرية، مسلمات ومسحيات، لتسقيه من حليبهن، فصار طفلاً للجميع.

ومن بينهن، كانت السيدة زينب، التي أرضعته مع ابنها زهران، فوثقت أواصر الرضاعة بينهما.

وكبر الصبيان معاً، وإن اختلفا في الديانة، فكان نظير، كما يروي زهران، شاباً هادئاً، يميل إلى العزلة،

ويجد في حبات البلح لذة خاصة، وكأنها كانت تذكره بحياة بسيطة، وحياة أخرى، ربما كانت أمه فيها.


ففي لحظة ولادته، غرقت شرايين حياته في بحر من الحزن. فبدلاً من أن يستقبل الدنيا بابتسامة أم

استقبلها بدموع فراق. في خضم الحزن، نسيت الأسرة حتى أن تعمد طفلها الجديد.

سُجل اسمه في سجل “السواقط”، وكأنه نجم ضائع في سماء الليل. وجدت يد امرأة مسلمة حنونة

أول من يرضعه، وكأنها ملاحة تقوده في بحر الحياة العاصف. كان وكأنه زهرة نبتت في مقبرة

ثم وجدت طريقها إلى النور بفضل قلب طيب.


كان البابا شنودة يردد دائمًا، بحنو بالغ، قصة تلك السيدة المسلمة التي احتضنته بعد رحيل أمه

وكأنها رسالة سماوية تتردد في أذنه. في تلك الحادثة النبيلة، وجد البابا تجسيدًا حيًا لقيم التسامح

والإخاء التي طالما نادى بها.

فمصر، في نظره، كانت وما زالت أرضًا خصبة لهذه القيم، وقد تجسد ذلك في شخصه هو، بابا الإسكندرية

الذي نشأ وترعرع في أحضان الأسرة المسلمة. يقول البابا شنودة:

“(كنا أيام الدراسة ندرس الإسلام في مقرر التاريخ، وكنت في مدارس الأحد ولم تكن هناك أية تفرقة

بين المسيحي والمسلم.

كنا نستذكر التاريخ الإسلامي كمادة مقررة ولكني قرأت القرآن في هذه الفترة، وقد أثر القرآن على لغتي

وبعد ذلك كنت معجباً بمكرم عبيد كرجل فصاحة ولغة، ومعروف أن مكرم عبيد قرأ القرآن ودرسه وحفظه

وكان من كبار الخطباء البلغاء في عصره، ومازلت أذكر له عبارة يقول فيها:

“الرجل الحق هو الذي يتطور دون أن يتغير، ويكبر دون أن يتكبر، ويحتفظ بثباته في وثباته”.

وفي تهكمه على ديوان المحاسبات أيام أمين عثمان يقول إنه تحول إلى “ديوان محاسيب”

ويقول: “وماذا يضير الحسيب من أن يصير حسيبا، والفرق بينهما شدة تنفع في الشدة” أي في وقت الشدة.

وهكذا قادني إعجابي بمكرم عبيد إلى قراءة القرآن)”.


لم يكن يعلم هذا الطفل، وهو يفتح عينيه على العالم، أن اسمه سيتردد على ألسنة الملايين، وأن حياته ستكون قصةً تروى عبر الأجيال.

في ذلك الوقت، كان مجرد رضيعٍ يتيم في هذا العالم، ولا يدري أن الله قد رسم له طريقاً خاصاً، وأن مستقبله سيكون مليئاً بالأحداث العظيمة.

ومن يفكر في تجربة اليتم التي مر بها كثير من عظام الناس في التاريخ، يجد أن تلك التجربة المؤلمة

التي يفقد فيها الطفل أحد والديه أو كليهما، تحمل في طياتها مجموعة من التحديات النفسية والاجتماعية.

ومع ذلك، وكما هو الحال في العديد من تجارب الحياة الصعبة، يمكن لليتم أن يشكل أيضًا نقطة تحول إيجابية

وأن يساهم في صقل شخصية قوية ومستقلة. فكثيرًا ما نجد في تاريخ البشرية رموزًا

وروادًا واجهوا صعوبات الطفولة، وتحولوا إلى قادة مؤثرين.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قبر جديد في بستان جديد… لآدم الجديد الذي لا يرى فسادًا

 د. ماجد عزت إسرائيل  “وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.