الأحد , فبراير 23 2025
دير الأنبا صموئيل المعترف

في تذكار نياحة الأنبا صموئيل المعترف : رحلة إلى دير برية القلمون!

د. ماجد عزت إسرائيل

 دير الأنبا صموئيل المعترف ببرية القلمون يُعد واحدًا من أقدم وأهم الأديرة القبطية في مصر.

يقع هذا الدير التاريخي في الصحراء الغربية، وتحديدًا في منطقة القلمون بالقرب من مدينة مغاغة بمحافظة المنيا.

واليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024م / 8 كيهك 1741ش، تحتفل الكنيسة القبطية بذكرى نياحة الأنبا صموئيل المعترف.

الأنبا صموئيل المعترف

وُلد الأنبا صموئيل المعترف في أواخر القرن الخامس الميلادي (تقريبًا 597م) في بلدة مليج النصارى التابعة لمركز شبين الكوم في مصر.

وقد انطلق إلى حياة الرهبنة في شبابه ببرية شيهيت بوادي النطرون، حيث تتلمذ على يد الأنبا أغاثون أحد شيوخ البرية وتعمق في حياة الزهد والعبادة.

وخلال فترة الاضطهادات التي تعرضت لها الكنيسة بسبب المقوقس، عُذِّب الأنبا صموئيل حتى فقئت إحدى عينيه.

كانت الدماء تسيل بغزارة، فقال له قائد المقوقس:”اعلم أن فقْأ عينيك هو الذي نجّاك من الموت”.

ومن هنا أُطلق عليه لقب “المعترف” بسبب معاناته الكبيرة وثباته على الإيمان الأرثوذكسي.

ومن الجدير بالذكر أن الأنبا صموئيل انتقل بعد ذلك إلى برية القلمون جنوب الفيوم، وهناك تعرض لتجربة مريرة؛ إذ سُبي مرتين بواسطة البربر.

في المرة الثانية قُدم لرئيس قبيلتهم ويدعى زكردش، حيث التقى هناك بالقديس يحنس قمص شيهيت.

وقد حذره القديس يحنس الأنبا صموئيل من هؤلاء البربر الذين كانوا يعبدون الشمس، وقال له إنه تحمل آلامًا كثيرة بسبب محاولتهم إخضاعه لعبادتهم. بعدها حاولوا تزويجه من جارية، ولكن الله لم يتركه.

فقد أعطاه موهبة شفاء الأمراض، فقام بالآتي:فأقام مُقعدًا.

وشفى طفلًا كانت أصابعه ملتصقة وأبكم.

وشفى أيضًا الجارية التي كانت مريضة بالجذام.وكذلك شفى امرأة رئيس البربر التي كان جسدها مغطى بالقروح، وذلك بكلمة واحدة قال فيها:”ربي يسوع المسيح يشفيكِ من مرضك”.

  وبعدما عاين رئيس البربر هذه المعجزات، خاصة شفاء زوجته، طلب من الأنبا صموئيل أن يسامحه على ما حدث، وعرض عليه مكافأة.

طلب الأنبا صموئيل العودة إلى ديره، فوافق الرئيس وفك أسره.

أرسل معه من أوصله إلى ديره، وهي رحلة استغرقت سبعة عشر يومًا.

وعند وصوله إلى ديره، دخل الكنيسة وقدم الشكر لله. هناك تراءت له السيدة العذراء وشجعته، وكانت معها أشخاص نورانيون.

سألها هؤلاء عن عودة البربر إلى الموضع، فقالت:”لا يكون هذا بعد الآن من أجل الشدائد التي تحمّلها صموئيل الناسك بالحقيقة، فإن ابني الحبيب يحفظه ويثبته”.

وقد فرح الأنبا صموئيل كثيرًا بهذه الرؤيا، واستأنف نشاطه واجتمع حوله تلاميذ كثيرون.

أخيرًا، وبعد جهاد حسن، تنيح الأنبا صموئيل المعترف بسلام في اليوم الثامن من شهر كيهك.

دير الأنبا صموئيل المعترف ببرية القلمون

يقع دير الأنبا صموئيل شمال غرب مدينة مغاغة في برية القلمون بالصحراء الغربية، وهي الامتداد الطبيعي لبرية وادي النطرون وبرية شيهيت أو الأسقيط جنوبًا.

الموقع الجغرافي :

جبل القلمون يقع شمال وادي المويلح أو الوادي المالح غرب مدينة العدوة بمحافظة المنيا.

ويحيط بالدير من الجهة الشرقية والشمالية جبل القلمون، ومن الجهة الغربية جبل الغاليون.

ويمكن الوصول إلى الدير حاليًا عبر طريق القاهرة – أسيوط لمسافة 180 كم، ثم الاتجاه غربًا لمسافة 25 كم في عمق الصحراء الغربية.

تاريخ الدير:

يرجع تاريخ تشييد دير الأنبا صموئيل إلى القرون الأولى الميلادية، التي شهدت نشاطًا رهبانيًا ملحوظًا في برية القلمون.

تعرض الدير للتخريب بين أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس الميلادي، واندثر تحت الرمال.

وأعاد الأنبا صموئيل إحياء الدير في النصف الأول من القرن السابع الميلادي، ليصبح مركزًا للحياة الرهبانية.

تسميات الدير:

أُطلق على الدير عدة أسماء، منها:دير برية القلمون، ودير السيدة العذراء، ودير الأنبا صموئيل المعترف،  وبستان جبل القلمون

مساحة ومعالم الدير:

تبلغ مساحة الدير نحو 16 فدانًا. ويحتوي الدير على عين مياه وبستان به أشجار الزيتون والنخيل، بالإضافة إلى ملاحات يستخرج منها الملح سنويًا.

ويضم الدير مجموعة من الكنائس، منها: كنيسة السيدة العذراء والأنبا صموئيل، وكنيسة الأنبا مصائيل السائح، وكنيسة الشهداء،  ويحتوي الدير أيضًا على مغارة الأنبا صموئيل التي تبعد حوالي 5 كم عن الدير.

الحياة الرهبانية في الدير:

وصل عدد رهبان الدير عام 1178م إلى حوالي 200 راهب.

وقد تخرج من هذا الدير بطريركان: البابا تيموثاوس الثاني (البابا 26) (454 – 477م)، والبابا غبريال الخامس (البابا 88) (1409 – 1427م).

وصف الرحالة والمؤرخين لدير الأنبا صموئيل:

لم يفت الرحالة والمؤرخين ذكر دير الأنبا صموئيل في كتاباتهم، حيث قال المقريزي:”تحت عقبة القلمون يتوصل المسافر منها إلى الفيوم، ويُقال لها عقبة الغريق.

بُني هذا الدير على اسم صمويل الراهب الذي عاش في زمان الفترة بين عيسى ومحمد – صلى الله عليهما وسلم -، وتنيّح في اليوم الثامن من شهر كيهك”.

وأضاف المقريزي:”في هذا الدير نخل كثير، يُصنع من تمره العجوة.

كما يوجد به شجر اللبخ الذي لا يوجد إلا في هذا الموضع. وثمره بقدر الليمون، طعمه حلو مثل طعم الرامخ، ولنواه عدة منافع”.

ونقل عن أبي حنيفة في كتاب النبات:”لا ينبت شجر اللبخ إلا في أنصنا، وهو عود تُنشر منه ألواح السفن، وربما أُرغف نشرها، ويُباع اللوح الواحد بخمسين دينارًا”.

وتابع المقريزي في وصفه:”في الدير قصران مبنيان بالحجارة، وهما عاليان كبيران يلمعان ببياضهما إشراقًا.

كما يوجد داخل الدير عين ماء تجري، وأخرى خارجه.

وفي هذا الوادي عدة معابد قديمة، كما يوجد وادٍ يُدعى ‘الاميلح’، وفيه عين ماء جارية ونخيل مثمرة تأخذ العرب ثمرها.

وخارج الدير ملاحة، يبيع رهبان الدير ملحها فيعم الخير تلك الجهات”.

أما الرحالة يوهان ميشيل فانسليب فوصفه قائلاً:”بعيدًا عن ذلك الشاطئ نفسه يقع دير الطوباوي

أنبا صموئيل على جبل القلمون، حيث صورة عجائبية للسيدة العذراء”.

خراب الدير وإعادة تعميره: 

ظل دير الأنبا صموئيل المعترف عامرًا بالرهبان حتى القرن الخامس عشر الميلادي، ثم تعرض للخراب.

يُرجح أن أسباب الخراب كانت بسبب ضعف الموارد الاقتصادية، وانتشار الأمراض والأوبئة، واعتداءات البربر المستمرة على الأديرة.

وقد ظل الدير في هذا الحال حتى عام 1897م، عندما استطاع الراهب إسحق المنياوي البراموسي ومعه آخرون تعمير كنيسته والقلالي المجاورة.

وواصل القمص عوض ميخائيل القلموني (1876 – 1942م) الحفاظ على الحياة الرهبانية في الدير.

وفي عام 1944م، أسند الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف رئاسة الدير للقمص مينا البراموسي

(فيما بعد البابا كيرلس السادس) ليقوم بتعمير الدير والنهوض برهبانه.

وفي 1948م، توجه يوسف إسكندر (أبونا متى المسكين لاحقًا) إلى الدير طالبًا الرهبنة.

شاهد أيضاً

Naguib Sawiris

سميح ساويرس: إذا لم يتم استغلال موارد مصر من الممكن أن تستنزف أو تُدمر

قال رجل الأعمال سميح ساويرس أن مصر تمتلك كمًا هائلًا من الموارد الطبيعية من الممكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.