كمال زاخر
السبت 16 نوفمبر 2024
من اخطر ما تسلل الى البعض ربط الزواج والتناسل بالخطية، وأن الجنس كغريزة جاء عقاباً نتيجتها، بينما يخبرنا سفر التكوين فى اصحاحه الأول (وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا.”) (تكوين 1 : 26 ـ 28 و 31).
وفى ذات السياق يحذرنا القديس بولس الرسول من هذا الفكر المختل :(وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ، مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ) (رسالته الأولى الى تيموثاوس 4 : 1 ـ 3).
ويضع القديس بولس الزواج فى سياق أشمل ضمن محددات حياتنا والتى تقودنا للارتباط بالمسيح (لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ.لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ» حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: «الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟» اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ.يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ.لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا.) (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 13)
ولست بحاجة الى التأكيد أنه لا علاقة لهذا التحذير وبين الرهبنة، التى هى اختيار شخصى كطريق يرى صاحبه
أنه ينتهى به الى التعرف على والارتباط بشخص الرب يسوع المسيح، وتعميق الشركة مع الثالوث، وترك الكل لأجل الواحد،ويتضح مضمونها من نذورها التى تشكل حياة الراهب “العفة والبتولية، النسك، العزلة، الفقر الاختيارى، الطاعة”.
الرهبنة حركة بدأت وتشكلت خارج الكنيسة ـ المؤسسة ـ والتى اعتمدتها كواحدة من المسارات الى المسيح.
وفى تعرضه للمفهوم الكنسى لمعنى النسك، يخبرنا كتاب “حياة الصلاة” باكورة كتابات الأب متى المسكين ـ والذى كتب مقدمة طبعته الأولى قداسة البابا شنودة الثالث ـ بأن “هذا الاصطلاح بدأ يأخذ صفته الكنسية ـ قبل تأسيس الرهبنة ـ فى قوانين الرسل فى القانون 51 : ( أيما اسقف أو قس أو شماس أو من كان من زمرة الكهنوت
بالجملة أو أى فرد من الشعب، امتنع عن الزيجة واللحوم والخمر، لا لغرض النسك بل لكونه يشمئز منها على أنها دنسة مرذولة، ناسياً ما قيل بأن كافة الأشياء هى حسنة جداً (1نى 4 : 4) … فإما أن يتقوَّم أو يُقطع ويُطرح من الكنيسة.
ويتوسع الكاتب فى عرض المفهوم الكنسى لكلمة نسك، فيراه يشمل كل ممارسة صادقة لأى وصية انجيلية … ويشير الى أن الصبر على الآلام والتعذيب والسجن حفظاً للإيمان يعتبره يوسابيوس القيصرى نسكاً، كما يعتبره القديس اثناسيوس الرسولى “أعظم نسك”.
ويواصل الكاتب :
* والذى يداوم على الصلاة والطلبة مثل حنة النبية تعتبره الكنيسة “ناسكاً” (القديس كيرلس الأورشليمى : عظة 1 : 19)
* والذى يهب ممتلكاته للفقراء ويختار حياة الفقر لنفسه تعتبره الكنيسة “ناسكاً” (العلامة جيروم : تاريخ الكنيسة 76 : 41),
* والذى يعيش منكراً لذاته تعتبره الكنيسة “ناسكاً” (القديس كيرلس الكبير الإسكندرى: شرح انجيل يوحنا 13 : 35).
* والذى يمارس الفضيلة الإنجيلية هو فى الحقيقة ناسك لأنه يدرب ويضبط نفسه ( القديس يوحنا ذهبى الفم : شرح أعمال الرسل 2 : ب),
*والذى يتخصص فى خدمة الفقراء حباً فى التقوى تعتبره الكنيسة “ناسكاً” (المؤرخ يوسابيوس : شهداء فلسطين : 11).
والذى يتخصص فى دراسة الكتاب المقدس واهباً حياته لهذه الدراسة يعتبره العلامة ترتليان “ناسكاً”.
ويعلق الكاتب على هذه الاستشهادات بقوله:على الرغم من هذا المعنى المتسع لكلمة “ناسك”، فإنها يمكن بكل سهولة اقتصارها على كل مسيحي يجاهد ليحفظ وصية المسيح بإيمان وحب، أيّاً كان وأينما كان وكيفما كان!!.
وفيما يتعلق بالحياة الرهبانية وارتباطها بالنسك فيقول الكاتب:
أما الذين أرادوا أن يتوفروا على تطبيق الحياة النسكية، أى الحياة المسيحية، توفراً دقيقاً كاملاً: فيصبح عليهم أن ينزحوا من الدنيا ويسكنوا القفار والجبال، فيعتبرهم “كليمنضس” أنهم هم الذين يشهدون بأنهم “مختارون أكثر من المختارين” حيث صارت لهم قوانين نسكية خاصة.
ويختتم الكاتب سطوره :أما القوانين النسكية بالنسبة للمسيحى العادى فهى وصايا الإنجيل.
أما القوانين النسكية بالنسبة للرهبان والمتوحدين فهى ضمانات إضافية تكفل ـ لهم ـ تنفيذ وصايا الإنجيل الأساسية.
ويتضح من هذا أنه لا تحسب رهبنة تلك الحياة المنفصلة عن وصايا الإنجيل.