د. منال سخري
البيئة ليست مساحات خضراء ممتدة ولا أنهار جارية ولا أقطاب متجمدة فحسب، بل هي موروثنا المشترك وحضارتنا وثقافتنا وموردنا الاقتصادي وبقاءنا الاجتماعي منذ بدء الخليقة الاولى .
إن وعي الإنسان بأهمية بيئته و التي تبلورت بانعقاد أول مؤتمر عني بالبيئة سنة 1972 بستكهولم
وبداية سلسلة المؤتمرات و الدبلوماسيات الخضراء، والجهود تتباين في تحديد خطوات مواجهة الأخطار
المحدقة بكوكبنا الأزرق فكان مفتاح الاستدامة الذي طرح لأول مرة عالميا سنة 1987
من طرف رئيسة الوزراء النرويجية آنذاك السيدة غراهام برونتلاند
وضرورة تفكير الأجيال الحالية في ضمان مستقبل الموارد بشكل عادل ومتساوي للأجيال المستقبلية.
تعتبر الاستدامة الحل الأكثر كفاءة ونجاعة لضمان ديمومة الاستفادة من خيرات موارد الطبيعة
واشباع الحاجيات الأساسية وتحقيق جودة ورفاهية حياة الشعوب الحالية والمستقبلية على حد سواء.
إن الاهداف 17 للتنمية المستدامةSDGs للأمم المتحدة (2015-2030)تشترك في كون منطلقها
وعوائدها هو البيئة ،هذه الأخيرة التي لا يمكن لأي قطاع من قطاعات الدولة أن ينهض من دونها
بل أن سياساتها تؤثر وتتأثر تبعا للبيئة المتواجدة بها لأنها مصدر مواردها ورأس مالها الحقيقى
فلا يمكن الحديث عن محاربة
الجوع دون تحقيق أمن غذائي هذا الاخير مصدره البيئة، ولا يمكن الحديث عن محاربة الفقر
(سياسة اجتماعية ) وضمان صحة المجتمعات (السياسة الصحية) في ظل بيئة غير صحية
بل لنذهب لأبعد من ذلك لا يمكننا الحديث عن أمننا الانساني في غياب أمننا البيئي !
إن تحقيق الاستدامة يتطلب إخراجها من مقاربة نظرية إلى رؤية استراتيجية عملية عقلانية
بعيدا عن الشكلية في التعاطي معها لأنها حق المجتمعات المحلية في حماية مواردها وصيانة واستثمار مقدراتها
فلا يمكن أن ننادي باستدامة بيئية في ظل سياسات اقتصادية قائمة على استنزاف المقدرات المحلية والوطنية
للدول وهذا ما اشار اليه المبدأ الرابع من مؤتمر ري ودي جانيروبأنه” لا يمكن التفكير بالتنمية بمعزل عن البيئة”
كما لا يمكن أن نرفع شعار الاستدامة على سياسات اجتماعية تساهم في زيادة الفقر
ولا تضمن الحياة الكريمة للمواطنين، لأن الفقر يعتبر العدو اللدود للبيئة، فلا يمكن أن تقنع شخصا لا يجد ما يسد
رمقه ولا سكن يأويه بالإمتناع عن الصيد أو الاحتطاب أو منعه من تلويث محيطه ; وهذا ليس بتشجيع
على هذه السلوكيات غير الصديقة للبيئة وإنما هي أولويات في سلم احتياجاته كإنسان حسب وضعيته.
لايمكن الحديث عن استدامة بيئية في ظل غياب الثقافة المجتمعية أو على الاقل مستوى معين يساهم
في بناء الوعي المجتمعي لدى أفراده ،فسلوكيات الفرد اتجاه بيئته من تترجم وعيه وانتماؤه لمحيطه
وهي منظومة شاملة ومتكاملة انطلاقا من التنشئة إلى بلورة المواطنة الخضراء.
إذا فنجاح الاستدامة البيئية من خلال سياسات خضراء فعالة توظف مختلف الميكانيزمات التي تعمل كشبكة
تتأثر وتؤثر في علاقتها مع بعضها البعض فيها انطلاقا من المنظومة الاجتماعية ، المؤسسية ،التشريعية
وصولا للأدوات الاقتصادية وبإشراك مختلف الفاعلين على المستويين الرسمي وغير الرسمي .