للكاتبة : إيناس المغربي
إليك يا خلي الوفي إليك يا صوت مازال يسري في مسامعي.. أبكيك حد البكاء ،أبكيك حتى اللقاء كنت أنيسي الوحيد ،كنت جليسي الوفي .. يقولون أتبكين قطاً أبكم ليس له لسان ناطق ولا عقل راشد ..؟!!
أتبكين حيوانا أعجميا عابراً أم تبكين على فلذات أكباد إنسية راحلة وقد قض موتهم وفراقهم المضاجع ؟!!
فالتفت إليهم قائلة: وهل خلق الله قلوبا لبني البشر باكية وقلوبا لغيرها متحجرة ..؟!!
فوالله ما خُلقت القلوب إلا لتكون لجميع المخلوقات سواسية على الضعيف حانية و للمفقود باكية .
فما بالكم برسول كريم وقد وصانا بالرفق واللين والرحمة المتناهية، وقد وجدت قلبي فُطر على هذه الخلال الطيبة التي أحمد الله عليها حمد أمة شاكرة .. !! ثم أردفت بالكلام قائلة :- فما بالكم” بقط” جميل الهيئة
حسن المنظر ، جاءني “قطيطا” صغيراً فأوليته عنايتي واهتمامي، دللته دلال الطفل الرضيع
الذي حُرم حنان أمه إذا إنه حُرم أيضا حنان أمه، أعتنيت بنظافته وصحته كي أجعله صحيح البدن قويا
كبر أمام عيني يوما بعد يوم وكأنه أحد أفراد أسرتي ،شب قوي البنية جميل المظهر والمنظر
تنظر إليه كأنه الملك المتوج على عرشه
وهو جالس على أريكته، وقد وشاه الله بجمال وإبداع ما بعده إبداع، فكساه بحلة من الشعر الأبيض الطويل
كبياض الثلج ، ولبدة من الشعر الكثيف حول وجه فتراه في الصباح كأنه أسدا صغير في شموخه يقف مزهوا،
وتراه ليلاً كالقمرالساطع المنير من شدة بياضه ,وله عينان هادئتان يشع منهما بريق الألفة والسلام.
كان يجد من حناني ما يقر نفسه وخاطره، فإذا أصبح الصبح وشعر باستيقاظي جاء ناحية باب حجرتي
يموء بصوت هادئ كي أفتح له بابي، وما إن يفتح الباب حتي أجده يقفز بجانبي مُداعبا سعيدا
ينطح رأسه برأسي ويزيح الوسادة عن وجهي ويقف برجليه على كتفي يلف ويدور حولي كأنه
يعرب عن سعادته باستيقاظي ، ثم ينظر إليا مندفعا تجاه المطبخ كي إعد له فطوره الخاص به
الذي يناسب نوع فصيلته ،فيأكل منه مغتبطا سعيدا شاكرا
ثم يقفز مرة أخرى بجانبي يهز ذيله وينظر إليً كنوع من العرفان والشكران .
فأتركه لأقوم بأعمالي المنزلية وبينما أنا كذلك إذ يتحرك معي في جميع اتجاهاتي، وعند الإنتهاء من أعمالي أذهب لأسترخي على أريكتي من عناء مجهودي اليومي لأجده يأتي بجواري كالطفل الذي يلاحق أمه ويغزو راحتها
لينطح رأسه برأسها ويقفز ويدور حولها كالمعتاد،، ويظل هكذا يلاحقني ويشاغبني حتى أنهره وأبعده عني من تطفله الدائم لي حيث لا يتركني لأسترخي الإسترخاء التام وأهنأ قليلا بالراحة والسكون
وما إن أنتهي من نهره وأظهر له غضبي إلا ويسكن وينظر إلي نظرة المعاتب المخذول فيخرج مسرعا محزونا
ولا يأتي إلي مرة أخرى إلا إذا لاحقته وصالحته ، فأحمله بلطف وأهدهده بين يدي وأرفعه إلى السماء
كطفل وجبت مصالحته بعد عقابه، فإذا أطمأننت لرضاه ومسامحته ضممته إلي معتذرة برفق وحنان .
وفي ذات صباح صحوت على صوته كالمعتاد ولكن صوته كان يسكنه المرض والتلوي يموء مواء المألوم
وكلما اقتربت منه نفر في وجهي نفرة كلها تحذير بألا ألمسه وإلا سأنال منه مالا يحمد عقباه ،إنزعجت منه
وتركته حتى يهدأ وإذا بي أجده يمشي على الرجلين الأماميتن ويجر رجلاه الخلفيتين وراءه دون حركة
نظرت إليه وأنا مضطربة ثم عرضته على الطبيب البيطري فإذا به قد أصابته “جلطة ”
شلت نصفه الخلفي وأعاقته عن الحركة تماما، وقد قمت على الفور بتقديم كل ما يلزمه من العلاج
الذي استمر عددة أيام حتى تماثل للشفاء تماما
وكانت الفرحة للبيت جميعا عامرة، وقد عادت السعادة كسابق عهدها بنا ومرت شهور وهو بخير حال وعافية .
وفي يوم من الأيام سافرت لظروف طارئة وتركته مع احد أفراد أسرتي ليتولى أمره ويرعاه لحين عودتي وإذ بصباح حزين دق هاتفي أن خلي وصديقي الوفي قد عاوده المرض للمرة الثانية
وبدأ في التدهور السريع رغم تقديم العلاج له حتى أتوا به إلي في مقامي .. وقبل أن يصل إلي فارقت روحه الحياة لم أستطع أن أراه وما أحببت أن أشاهده في شبح الأموات .
وددت أن يكون أخر عهدي به وقفة الشموخ والكبرياء والألفة والوئام.
جلست مع نفسي لأجد قلبي يكاد ينفجر وأجهشت عيني بالبكاء ،وظل شريط الذكريات
يلاحقني في لعبه وأكله وحبه وملاصقته بي ونومه الهادئ بين يدي حتى كدت أهلك من فرط حزني عليه .
لقد فقدت شيئا كبيرا، وثوابا عظيما فقدت الأنيس والجليس وأصبح البيت كئيبا واليوم طويلا .
وفي النهاية يقولون هل تبكين كل هذا على حيوان ؟!! نعم أبكي نعم أبكي فهو حيوان بألف إنسان !!
وداعا خلي الوفي وداعا صديقي الحبيب قد كنت لي روحا و قلبا ولسانا يحدثني دوما بدون كلام ..!!