كمال زاخر
كما فى السياسة كذلك فى القيادات الدينية، تتحدد المواقف حسب خريطة الولاءات، ومنها تتشكل خريطة الموالاة والمعارضة.
على غير تمهيد وفى هجوم تكتيكى مباغت خرجت علينا بعض القيادات الكنسية القبطية الارثوذكسية
ببيان يرفضون فيه بعض اسماء لمحاضرين فى لقاء نقاشى دورى، سوف يعقد فى مناسبة الاحتفاء
بذكرى جلوس البابا البطريرك الأنبا تواضروس.
واصحاب الهجوم يزعمون ان هدفهم حماية الايمان، فيما هم يسعون لنشر السجس فى الشارع القبطى
لينالوا من بقاء قداسة البابا فى موقعه.
وهم مجموعة تجمع نوعين؛ منهم من لم يحالفهم الحظ فى الوصول للكرسى البابوى
ومنهم من يؤمن بأن البابا شنودة أخر البطاركة الكبار
وكان على من يخلفه أن يكون صورة مستنسخة منه.
وكلاهما يضمر رفضا للأنبا تواضروس ولكلٍ دوافعه!لأنه جلس حيث كانوا يمنون انفسهم به
عند الفريق الأول وكانوا يتهيئون له، ولأنه قفز على ما استقر فى عهد سابق، وبحكم خلفياته العلمية
والجيلية انتهج نهج مأسسة الكنيسة وسعى للانتقال من الفرد للمؤسسة، ورد الاعتبار لمبدأ مجمعية الكنيسة.
ولم تعد القرارات تصدر بالتمرير كما كان قبلا بيد سكرتير مجمع الفترة السابقة رجل البابا الحديدى.
ولما كانت المعرفة الاكاديمية هى اساس اية نهضة مرتجاة فقد استن البابا تواضروس سُنّة جديدة
فى مناسبة الاحتفال بذكرى تجليسه وهى عقد سيمينار (مؤتمر بحثى نقاشى) لآباء المجمع
يحاضر فيها متخصصون من الأكاديميين اللاهوتيين والتاريخيين.بدلاً من كونها مهرجاناً تقريظياً
وممالأة لشخص البابا.
تأتى الاعتراضات، بحسب ما نشره بعض هؤلاء المعترضين، مبنية على زعم ان بعض المتكلمين
فى سيمينار هذا العام يطرحون تعاليم مخالفة لما تقول به الكنيسة، بدرجة تصل الى الهرطقة.
وهو ما ينفيه تسجيلات لحلقات تليفزيونية كان المحاور فيها من رتب للحملات الأخيرة
وكان المستضاف فيها الاستاذ الدكتور چوزيف موريس فلتس استاذ اللاهوت فى المعاهد القبطية
وهو الإسم الأول المعترض عليه، فيما كان محل تقدير عند مقدم البرنامج لكونه لاهوتى ارثوذكسى
رصين له اسهاماته العميقة، فى اثراء الفكر القبطى والمكتبة القبطية.
وهو أحد أعلام الترجمة لكتب اباء الكنيسة الكبار فى القرن الرابع وما بعده، عن لغتها الأصلية، اليونانية
واشهر أعماله هذه كتاب (تجسد الكلمة) للقديس البابا اثناسيوس الرسولى، العمدة فى كتب اللاهوت الكريستولوجى.
ولم ينتبه اصحاب تجريدة تشويه السيمينار ان المتكلم الثانى الذى يرفضونه، د. سينوت دلوار شنودة
يغلب على انتاجه الفكرى الكنسى البعد التاريخى، فأين الهرطقة فى تحليل الوقائع والأحداث التاريخية؟.
ومن يقترب من المستقر فى دوائر القيادات الكنسية انهم يعتبرون انفسهم اصحاب الحق حصريا فى التعليم
وانهم لا يتعلمون من بشر، فهم مسوقون ومتعلمون من الروح القدس مباشرة
فكيف يسمحون لمن هم دونهم من العلمانيين ان يجلسوا فى موقع المعلم لهم؟.
الصدام الأخير هو محك اختبار للكنيسة، إما أن تكمل مسيرتها للخروج الى النهار، أو ترتد الى مراحل الانقطاع المعرفى وتنكفئ على ذاتها فى كهف تغلق منافذه بفعل اصولييها بحسب رؤيتهم المكذوبة لأنفسهم.