كمال زاخر
السبت ٢٤ اغسطس ٢٠٢٤
تأتى الخبرة متلازمة مع تقدم العمر، ويأتى تقدم العمر متلازماً مع تراجع القدرة على الفعل، وقد هرم الجسد، وصار المرء رقما فى عيادات الأطباء تتقاذفه فيما بينها وبين معامل التحاليل والأشعة، وفيما تستغرقة هذه الجولات المكوكية، ينتبه فجأة لتسارع الأحداث حوله، وتصبح قناعاته مفارقة لطبيعة العصر
وتتساقط أوراق شجر الأصدقاء ورفقاء الطريق الممتد، حتى يكاد يجد نفسه وحيداً.
يجتر ذكرياته البعيدة كأنها احداث بنت الأمس القريب، اللافت أنه يتذكر تفاصيلها الصغيرة
ولا يفهم كيف فلتت من تصلب الشرايين فيما وقعت فى ضفيرتها احداث الأمس القريب.
وحين يرحل عن هذا العالم، تتباين تفاصيل مشهد الوداع بحسب ما زرعت يداه
وربما بحسب موقع ذويه من إرثه المادى والمعنوى، وتتحول قاعة العزاء إلى مسرح مفتوح
يكتب المعزون روايته، ولو قدر له ان يتابعه لمات مرات ومرات.
ينفض العزاء ويتحول الابناء إلى ورثة؛ ويقفز فيهم الانسان العتيق الذى يخلع رداء القيم
التى لطالما تغنوا بها، ليرتدوا ثياب المصلحة.
التى قد تصل الى القطيعة والبغضة
ويزداد الأمر عتامة بفعل أزواج البنات، وزوجات الأبناء، فالأمر عندهم ارقام وحسابات وأملاك انتقلت اليهم
ويتحصنون بالشرع، والحى أولى من الميت.
“حقنا وحق ولادنا”.
ويتحول المرء بعد رحيله الى صورة على جدار حائط بيوت الأبناء، وفى مدخل محل عمله لو كان تاجراً.
لكنها لا تبقى مكانها طويلاً؛ فقد يراها الأحفاد غير ملائمة لرونق البيت أو احتياجات محل العمل.
أين تذهب خبرة السنين ولماذا لا يودعها الاباء فى خزينة ذهنية الأبناء، يضيفون اليها ويأخذون منها
ويعلو جدار الخبرة ويوسعون تخومهم.
كم يحتاج مجتمعنا المرتبك إلى تعميق قيم المحبة والخير والوفاء والترابط
بعيدا عن شو التدين المتهافت والمصنوع، كم نحتاج الى تحصين مداخلنا ومخارجنا ضد المياه الغريبة