الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
الكنيسة القبطية
الدكتور رضا عبد الرحيم

مسار العائلة المقدسة اللامادى بكفر الخير!

جاءت زيارتي لكنيسة مارجرجس بمحافظة كفر الشيخ ؛بهدف تسليط الضوء على أيقونات الرسام والكاتب الرومى المقدسى “أنسطاسى”-القرن التاسع عشر-هناك..فإذا بنا رغم بساطة الكنيسة نقع  أسرى للراحة النفسية التى تبثها فى نفوسنا، ونكتشف مسارا جديدا لا ماديا لرحلة العائلة المقدسة بإحدى بقاع مصر المباركة

ويرجع الفضل فى هذا الكشف إلى جناب القمص” يونان لبيب” كاهن كنيسة مارجرجس بكفر الخير الذى رغم

حالته الصحية المُعتلة، تحامل على نفسه،وكان فى استقبالنا بمحبة وكرم شديدين.

ببشاشة الوجه -رغم تحمل الآلام المرض- بادرنا بالترحاب قائلا : الكنيسة بيتى،قضيت فيها عمرى كله

فى عبادة الله،وفى الملكوت أيضا استكمل عبادته.. أهلا بكم فى كفر الخير .. الخير هو الله بكل نعمة

وعطاياه ..وهذه القرية (كفر الخير) مرت بها العائلة المقدسة أثناء رحلتها المباركة فى مصر

فلكى تأت العائلة المقدسة من  مدينة “سخا” اتجهت غربا  فى طريقها إلى وادى النظرون

فلابد من المرور على قرى: موقع شباس الشهداء ثم كفر الخير ومحلة دياى ومنية جناج

ثم عبور النيل نحو جنوب” دمنهور” حيث وادى النطرون.

كما أن مصور أيقونات الكنيسة هو”أنسطاسى”الرومى ،الذى اشتهر بتصوير الأيقونات فى القرن التاسع عشر للعديد من الكنائس والأديرة ،ومنها الكثير من المواقع التى اقامت بها أو مرت عليها العائلة المقدسة

ومنها على سبيل المثال لا الحصر: دير المُحرق بأسيوط ، كنيسة العذراء بحارة زويلة،وكنيسة العذراء بقصر الشمع،وكنيسة أبو سفين وغيرها.

انتقل الحديث بدوره من جناب القمص بشوش الوجه إلى الدكتور محمد غراب مفتش آثار إسلامية بدسوق فحدثنا عن  تاريخ بناء الكنيسة قائلا : تقع كنيسة مارجرجس بقرية كفر الخير، مركز دسوق،محافظة كفر الشيخ ، وهى قرية مجاورة لقرية تحمل اسم  شباس الشهداء.

يرجع تاريخ بناء الكنيسة إلى عام(1582شهداء /1865ميلادى) تقريبا،وربما لما قبل ذلك؛ وفقا للتاريخ الموجود على الأيقونات،وهو 1582ش، أما حامل الأيقونات فمسجل عليه تاريخ 1587ش/1870م تقريبا

وبذلك فإن الكنيسة تعود لعهد الخديوى إسماعيل؛ مما يؤكد عودة الكنيسة إلى هذا التاريخ عقد تنازل أحد

المواطنين عن قطعة أرض كائنة بحرم الكنيسة،يعود هذا العقد لـ 6 يناير 1892م

وجاء به ما يؤكد وجود مبنى الكنيسة بالكامل فى هذا التاريخ.

أما عن المخطط العام للكنيسة  فحدثتنا عنه الدكتورة “حنان ميخائيل نصر” 

وهي تعمل مفتش آثار بمنطقة آثار وسط الدلتا حيث ذكرت قائلة: تتبع الكنيسة التخطيط البازيليكى البسيط

الذى يتميز بتقسيمه الثلاثى إلى ثلاثة أجنحة ، بواسطة صفين من العقود المحمولة على أعمدة أو دعامات.. بمساحة تمتد طوليا من الشرق إلى الغرب وتبلغ أبعادها من الداخل 14 م *13 م تقريبا

عدا الجهة الجنوبية حيث يبلغ الجناح الجنوبى بالكامل حتى نهاية السلم للصعود للطابق الثانى حوالى 16م تقريبا،وتنقسم منطقة صحن الكنيسة إلى ثلاثة أجنحة بواسطة صفين من الدعامات المربعة

وهذه الدعامات مجلده بالخشب من أسفل ، ويحمل كل صف من الدعامات ثلاثة عقود نصف دائرية

وأوسع الأجنحة وأكبرها أيضا الجناح الأوسط، حيث يبلغ أتساع الجناح الأوسط 6م تقريبا

بينما الجناحان الجانبان 4 م تقريبا، وينتهى كل جناح من جهة الشرق بقبة ،ويتوسط الجدار الشرقى حنية

( تعتبر الحنية من العناصر المعمارية الهامة والثابتة فى هيكل الكنيسة المصرية )

نصف دائرة  داخل قدس الأقداس ،وهى أشبه بمحراب صغير .

الكنيسة القبطية

كما يتقدم هذه الحنية مدرج رخامى ،يتقدمه مذبح الهيكل ،ويغطى هذا الهيكل قبه لها مميزات خاصة،إذ أنها تترك عارية من الملاط من الخارج.

ويرتفع سقف الجناح الأوسط عن باقى الأجنحة ،حيث إنه يحتوى على عدد من النوافذ الزجاجية؛ وذلك للإضاءة والتهوية مستخدما طريقة” كالستورى ويندوز” المستخدمة فى المعابد المصرية.

وللكنيسة أربع جهات حرة، وهى واجهات ذات اتجاهات صريحة وهى الشمالية والغربية والجنوبية والشرقية، وهذه الواجهات بسيطة وخالية من الزخرفة، وترتفع جميع الواجهات عن سطح الأرض بمقدار 6 م تقريبا.

وقد اصطحبنا الدكتور محمد غراب إلى برج الكنيسة ، الذى يقع بالزاوية الشمالية الشرقية

وهو عبارة عن قاعدة مربعة 2*2م تقريبا ، ويعلوها جوسق مثمنا محمولا على ثمانى دعامات صغيرة، ويعلو الجوسق قبة ملساء صغيرة يعلوها من أعلى صليب، ويوجد داخل البرج جرسا حديدىا مثبتا من أعلى بعروق خشبية،وهو نفسه مزخرف بأشرطة زخرفية منفذه بالحفر البارز، وعلى الجرس زخارف ونقوش

وكتابات فرنسية مؤرخة عام 1914م- كما أخبرنا د.غراب- لكن  للأسف لم نتمكن من رؤيتها بسبب ضيق فتحات حبال (عبارة عن عودين من الحديد) جذب الجرس اليدوى القديم.

ونستكمل رحلة اكتشاف جمال هذه الكنيسة  الروحية مع د.غراب الذى توقف كثيرا أمام تفاصيل حامل الأيقونات

( حجاب خشبى) ،يقع بالجهة الشرقية من صحن الكنيسة، ويفصل بين القدس وقدس الأقداس( الهياكل)

وهذا الحامل مقسم إلى ثلاثة أقسام، بواقع قسم بكل جناح من أجنحة الصحن، والقسمان الجانبيان متشابهان تماما.

 نكتفى هنا بوصف حامل الأيقونات الأوسط وهوغاية فى الدقة والإتقان حيث إنه نفذ بأسلوب التجميع

والتعشيق فى صناعته، وجميع حشواته مطعمة بالعاج، ويتكون من مجموعة من الحشوات التى تأخذ شكل المربع ، كل حشوة تحتوى على شكل صليب مثلث( القبطى )، متعدد الرؤوس ، وهو مطعم بالعاج ، وهى جميعا تشير إلى الأثنى عشر حوارى تلاميذ السيد المسيح(عليه السلام).

وتحصر الحشوات المربعة فيما بينها أشكال مسدسة الشكل نجمية ، وكذلك تحصر المربعات أشكال صلبان أخرى ذات ثمانى رؤوس (الصليب الملطى)،وهى مطعمة كذلك ،وبداخلها صليب على شكل السمكة.

وعلى جانبى الحامل الأوسط نافذتان صغيرتان مربعتان من الخارج، كل نافذة منهما معقودة بعقد نصف دائرى ، زخرف إطاره الخارجى بأشكال مثلثات من العاج وبكل كوشة من كوشتى العقد صليب ذو أطراف تأخذ شكل الورقة النباتية الثلاثية، صليب بوتنت أذرعه مقوسة وتنتشر مشعة من المركز.

ويتوسط الحامل باب الوصول إلى الهيكل الأوسط ،وهو عبارة عن فتحة مستطيلة متوجة بعقد نصف دائرى، ويغلق عليها ضلفتان كل ضلفة منهما مقسمة إلى أربع حشوات رأسية مطعمة بالعاج .

الحشوتان العلوية والسفلية شغلت بشكل   

صليب  متساوى الأضلاع ،وبالزوايا أربع حشوات مربعة،أما الحشوتان الثانية والثالثة فكل منهما شغلت

بالمنتصف بشكل نجمة سداسية ،ويحيط بها ست حشوات سداسية الأضلاع ،شغلت بداخلها بأشكال نجمية بالتطعيم، وزوايا الحشوة تأخذ شكل بيت غراب زخرف الإطار الخارجى  لعقد الباب بالتطعيم  الذى يأخذ شكل الصلبان التى تأخذ أطرافها شكل الورقة النباتية الثلاثية،وبكوشتى العقد يوجد زخرف بكل كوشة تشبه الزهرية

التى يخرج منها فرع نباتى تتفرع منه بعض الوريقات ويخرج من هذا النوع فرع آخر يتفرع  

بدوره الى ورقات نباتية يتقدمها شكل حمامه.

وبأعلى كوشتى عقد الباب يوجد كتابات عربية وقبطية ،منفذة بالتطعيم بالعاج جاخل خمس مناطق مستطيلة

بواقع ثلاثة علوية واثنتان سفليتان ..ونص هذه الكتابات هو: السلام للشهيد العظيم مارى جرجس / سنة 1587قبطية/(كتابات قبطية )، هذا هو باب الرب/وفيه تدخل الابرار.

ويعلو الباب منطقة مستطيلة عرضية مقسمة إلى ثلاث حشوات أكبرها الوسطى، وهى حشوة مستطيلة مقسمة

إلى ستة بحور كتابية،أما الحشوتان الجانبيتان فهما مربعتان ومقسمة إلى ثلاثة بحور كتابية أفقية ،تعلو بعضها البعض ،وجاءت كتابتها كالتالى: الحشوة الوسطى : كتابة قبطية/كتابة قبطيةالسلام لهيكل/الله الاب،برسم هيكل الشهيد/العظيم مارى جرجس.

وكتب على الحشوة اليمنى: أذكر يارب عبدك، المهتم بعمل هذا،….فى ملكوتك.والحشوة اليسرى سطر عليها:عوض يارب من،له تعب فى.

وعلى جانبى الباب يوجد منطقتنا مستطيلتان بطول الباب والحشوات الكتابية التى تعلوه، شغلت بحشوات مطعمة تأخذ شكل الصليب متساوى الأضلاع ،ويعلو حامل الأيقونات سبع أيقونات للمصور الرسام أنسطاسى.

وإذ كانت الجريدة قد ارتأت أن تقوم بتوثيق مُبسط  لكنيسة مار جرجس بكفر الخير، والتى رغم تاريخها وما تحوى من مقتنيات آثرية غير مسجلة بسجلات قيد الأثار،فقد آن الأوان لتسجيلها، والمحافظة عليها ،حتى لا تقع  فريسة الإهمال، وتضمن حفظ  هذه الوثيقة الحية  المسجلة  فى أضابير الزمن.

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.