لا تصدِّقْ أنَّ زمنَ الرقِّ قد ولَّى، وأنَّ عصرَ العبودية قد أدبرَ؛ فلكلِّ عهدٍ رقيقُه، ولكلِّ زمنٍ عبيدُه.
يقول الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود:
“إننا نَتخلَّقُ بأخلاق العبيد، مهما بدا علينا من علائم الحرية وسماتِ السيادة، سأقولُ ذلك وأعيدُه “…”؛ لعلهُ يطِنُّ في الآذان، فَيرنُّ صداهُ في الرؤوس، فتقرُّ آثارُه في النفوس”.
وفي العبيد حذَّر “المتنبي” قائلاً: لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ/ إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ.
ومن قبله قال “سقراط” قولته الحكيمة: “لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات”.
فيما كتب “أدونيس”: “العبيدُ إذا وصلوا إلى السلطة حوَّلوا كل شيء إلى عبودية واستعباد وعبيد”، مشددًا على أن “رجل السلطة الحقيقي هو الرجل الحر، والحر لا يُستعبد، الحر يحرر”.
أمَّا “تشارلز بوكوفسكى” فيري أن العبودية لم تُلغَ أبدًا، ولكن تمت توسعتها فقط لتشمل جميع الأعراق!
قد يكون العبد في صورته المُعدلة ذا منصب وجاه ومال، كأن يكون مسؤولاً بارزًا أو وزيرًا مُعممًا، ولكن جينات العبودية متوغلة فيه ومسيطرة عليه، فيُظهر دونية في معاملاته وتصرفاته وسائر سلوكياته مع غيره من الناس.
طائفة العبيد الجدد.. تحملُ الشرَّ إلى الناس وتلاحقهم به، وتكرهُ لهم الخيرَ وتمنعه عنهم إنْ تمكنتْ، قلوبُهم تعجُّ بالضغائن والأحقاد، قد بدتْ البغضاءُ من أفواههم، وما تخفي صدورُهم أكبرُ، يحيطون ضمائرهم بأحزمةٍ ناسفةٍ مُتأهبةٍ للانفجار والتفجير فى أى وقتٍ.
العبيدُ الجُددُ ذوو نفوس موبوءة، يكذبون على كل الناس، حتى على أنفسهم، يُحبَّون الأوكارَ والطرقَ المُلتوية والأبوابَ الخلفية، يُحسنُون الصمتَ وعدمَ النسيان والانتظارَ، حتى يحققَوا أهدافَهم الشيطانية
لا تحكمُهم فضيلةٌ ولا تسكنُهم مكرُمةٌ.
يبقى كلُّ شئ على ما يُرامُ، حتى يأتىَ العبيدُ.
جيناتُ العبودية تحتاج “كونسلتو” طبيًا عالميًا رفيع المستوى لاستئصالها من تلك الطائفةِ ذات طبائع الثعابين والأفاعي السامَّة، وغالبًا سوف يفشل فشلًا ذريعًا.
العبودية والطغيان وجهان لعُملةٍ واحدةٍ.
الطاغية يخلق عبيدًا، والعبيد يصنعون الطاغية، لا وجودَ لأحدهما دونَ الآخر، وكلاهما عبءٌ ثقيلٌ على الحياة بشكل عام، والإنسانية بشكل خاص.
العبيد الجدد يركعون أمام كبارهم وأسيادهم ومَن يحوزون المال والنفوذ خوفًا وطمعًا، وفى الوقت ذاته.. يتحولون وحوشًا كاسرة على الضعاف ومن لا يملكون من أمرهم شيئًا.
يجسدون الشئ وضدَّه فى آنٍ واحدٍ.
إذا وجدتَ شخصًا شديدَ التعجرف مع الغلابة والبسطاء والضعفاء، كثيرَ الانبطاح أمام من هم أكبر منه منصبًا وجاهًا ونفوذًا، فاعلمْ أنه عضوٌ ناشطٌ فى منتخب العبيد الجدد.
هذه الحالة من العبودية المُتجذرة فى صدور وأفئدة الطبقة الناشئة من العبيد الجُدد وراءَ كل إخفاق، وصاحبة كل نكسة، لم تحقق يومًا إنجازًا على أى صعيد.
إنجازُها الوحيدُ والمُتكرر – من وجهة نظرها القاصرة- هو صناعة الأذى وصياغة الضرر وتنفيذ المؤامرة من الألف إلى الياء على الآخرين، وتحقيق أكبر قدرٍ من الاستفادة الشخصية، مهما كانت الوسيلة قذرة، فالغايةُ عندَهم تبررُ الوسيلة.
العبيدُ الجُددُ يستمرئون ضربَ المخالب، ويستلذون بوقع الأنياب، يتبادلون التهاني والتبريكات كلما حلَّتْ بأحدٍ مصيبة، أو وقع فى فخٍ، أو أصابه ابتلاءُ، أو وقعَ فى ساحته بلاءُ، هم العدوُ فاحذرهم، قاتلهم اللهُ.