ماجد سوس
لا أحسب نفسي أضيف شيئا عن تلك الشخصية الآبائية الفريدة التي اقتلعها الرب يسوع من القرن الرابع ليطعم بها شجرة الرهبنة القبطية، بل الرهبنة المسكونية في القرن العشرين.
ولعل من يرى تلاميذه يرى معلمهم فهو أب لأعظم رجال الكنيسة في هذا الزمان، يكفي أن تنظر لحياة أبونا بيشوي كامل وابونا لوقا سيداروس والأنبا إبيفانيوس والعشرة رهبان الذين عاشوا معه في مغارات موحشة في صلوات وتسابيح دائمة وغيرهم من أولاده الكثيرين، لتعرف من معلمهم دون أن يفتح فاه.
على مدار حياته، تعرض أبونا الكبير لكثير من الظلم مع التجريح والإهانة، لكنه اختار الصمت حياة والاتكال على الله منهج دون أن يدافع عن نفسه.
قيل انه اصطدم بالبابا يوساب وهو افتراء فهو أول من نظم الخدمة في الإسكندرية ووضع لأول مرة في تاريخ الكنيسة مرتبات للكهنة وهذا أغضب بعضهم الذين كان يأخذون كما يشاؤون من الصناديق فأهاجوا عليه الدنيا، فالتزم الصمت وعاد إلى مغارته وحين طلب منه البابا العودة، فضل البقاء في البرية.
ثم قيل إنه اختلف مع البابا كيرلس والحقيقة كان خلافا عجيبا يؤخذ له لا عليه، فقد كان أبونا متى يعيش بتقوى ووقار وروحانية عميقة فأسس بيت للتكريس كان مكان للصلاة والدراسات الآبائية العميقة وبداية نهضة آبائية لم تعرفها الكنيسة منذ قرون عدة. يبدو في هذه الفترة أن هناك بعض الرهبان أساءوا للرهبنة
بخروجهم للعالم لذا قرر البابا كيرلس عودة الرهبان إلى البرية ما عدا وكلاء المطرانيات ومدرسي الإكليريكية
فطلب أبونا صليب سوريال من البابا أن يستثني أيضا رهبان بيت التكريس بحلوان لكن البابا خشي أن يفتح باب الاستثناءات فطلب أن يعودوا لدير السريان وبالفعل عادوا إلى دير السريان وهناك تغيرت معاملة الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير معهم فقرر أبونا متي أن يخرج ليلا في هدوء ليعيش في مغارة بمفرده في أي صحراء بعيدة
وهنا يظهر روحانية الرجل وتقواه فهو أراد أن يعيش بمفرده مع المسيح، ولكن فوجئ أبونا
بمجموعة من الرهبان ومن بينهم أبونا أنطونيوس السرياني (البابا شنودة )
قرروا أن يخرجوا من الدير معه، بل أن أبونا أنطويوس قال
لن أترك أبي الروحي يذهب بدوني. وبالفعل ذهبوا معه إلى أرض موحشة قاسية
حفروا بها مغارات وتركهم البابا شنودة ورجع لأن البابا كيرلس طلبه ليكون في السكرتارية
وعاشوا عشرة سنوات في سهر روحي وتسبيح دائم. غضب رئيس دير السريان
وتصرف تصرفاً عجيباً، فقد نشر إعلاناً مدفوع الأجر في جريدة الأهرام
كتب فيه أنه تم تجريد هؤلاء الرهبان من رتبهم، ولكن البابا كيرلس عاد بعد فترة قصيرة
وأرسل خطاب لأبونا متى المسكين كتب في مقدمته القمص متي المسكين وأحبه البابا حتى وهو في وادي الريان
فقد طلب منه أن يرسل له راهبان ليساعداه في السكرتارية، قبل أن يلتقي به ويطلب منه تعمير دير الأنبا مقار
ويتنبأ بأن هذا الدير سيكون له شأن عظيم. لم تتوقف الحرب ضده لكنه ظل صامتاً حتى عندما طُلب منه
الرد على المحاضرات التي أُلقيت ضده في الكلية الإكليريكية، أو التي ألقيت ضده في مؤتمرات تثبيت العقيدة
رفض بشدة وكان يقول: “سأترك الله يدافع عني، سنترك العالم وتبقى الكنيسة من بعدنا تحكم علينا”.
حتى أن أحد الآباء الرهبان الدارسين أصدر كتابا بعنوان الأصول الأرثوذكسية الآبائية لكتابات الأب متي المسكين ليرد على من أتهمه بوجود أخطاء في تعليمه، حين علم أبونا متى بهذا الكتاب انفعل جدا وعاتب الراهب وطلب وقف توزيع الكتاب ومنعه من إكمال الأجزاء الأخرى من الكتاب وقال لن أقسم الكنيسة لتعلن براءتي.
في إحدى المرات أمام مجمع رهبانه، طلب الأب متى من الأب المسؤول عن النشر أن يكتب توضيحًا في مجلة مرقس عن جزء من مقال له أخذه أحدهم من سياقة وراح يهاجمه به، ولكن فتح الأنجيل ليلقي عظته فوجد أمامه:
“ظُلِمَ أما هو فتذلل ولم يفتح فاه”، فنظر لأبونا يوحنا قائلاً: “اسمع يا أبونا، لا تكتب شيئًا، لا توضيحًا ولا دفاعًا، سأعمل مثل سيدي المسيح الذي لم يدافع عن نفسه.” في يوم ٢٤ يوليو ١٩٩٢ أرسل الأنبا إغريغوريوس
أسقف عام الدراسات اللاهوتية للأب متى خطابا هنأه فيه على كتبه، قال له : “أنا في جميع الأحوال مطمئن قلبيًا إلى منهجك الرهباني، ولم يتزعزع إيماني في محبتك أنك طراز الراهب الذي منذ البدء قصد الرهبنة لذاتها
وفي ذاتها، وهو المفهوم الأصيل للرهبنة القبطية الأصيلة لآباء الاسكيم أريدك أن تحيا سعيدًا بما أنت عليه، وأن تُصلى من أجل الرهبنة، ومن أجل كنيسة الله القبطية الأرثوذكسية، ومن أجل شعب الله في الأيام والسنوات القادمة حتى يبقى جميع المسيحيين ثابتين غير متزعزعين متوقعين مجيء المسيح في مجد.
” لولا حكمة هذا الرجل، لولا صبره واحتماله، لولا وضوحه وثبات هدفه، لنجحت مخططات إبليس في تقسيم الكنيسة وتمزيق جسدها، ولما قدم لنا هذه الذخائر الثمينة كتاباته التي تضاهي كتابات اساطين الكنيسة وآباءها العظام.
أكسيوس، مستحق أيها الأب الجليل أن يقال عنك “ذهبي الفكر”، أيوب هذا الزمان.