الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
المسيح

القِيَامَةِ الْمُفْرِحَة : الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِين!

د. ماجد عزت إسرائيل

تشير أحد الوثائق التاريخية التي عثر عليها علماء الآثار إلى أن وَالِي يهودا (بالعبرية: יהודה) بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ أصدر حكمًا تاريخيًا على يسوع الناصري بالموت صلبًا.

وكان ذلك في السنة السابعة عشرة من حكم الإمْبرَاطُور طيباريوس كلاوديوس نيرو(18سبتمبر14–16مارس 37م).

وأيضًا في عهد الحبرين حنان أو حَنانيا وقَيافا.وقد أصدر بِيلاَطُسَ الذي يمثل المحكمة الرومانية (المدنية) حكمه بِنَاء على قَرَار الْمُحَكِّمَة العليا للأمة

اليهودية ( الدينية ) التي كان يمثلها مجمع السنهدريم-يتكون هذا المجمع من وَاحِدٌ وسبعين عضوًا، سبعين منهم مثل عدد الشُّيُوخ الذين عاونوا موسى، والحادي والسبعون هو رئيس الكهنة- أمام الرومان(مرقس 14: 43؛ متى 26: 59).

وحقًا جمع شيوخ هذا المجمع الشهادات الكثيرة من الشعب ضد يسوع الناصري بأنه مُضِلّ يسوق الناس إلى الضلال، ويحرض بعض الناس على الشغب والهياج،وعدو الناموس، وأيضًا يدعو نفسه ابن الله، وملكًا لإسرائيل. وكذلك أنه دخل الهيكل ومعه جمع غفير من الشعب حاملين سعف النخل.

وقد أمر بِيلاَطُسَ قائد المئة الأولى كونيتيوس كرينليوس أن يأتي بيسوع إلى المكان المعد لصلبه، وعليه أيضًا أن يمنع كل من يتصدى لتنفيذ هذا الحكم من اِتِّبَاعه فقيرًا كان أم غنيًا.

 وبعد هذا القرار التاريخي بصلب السيد المسيح، قال الرب لصالبيه: “إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَلكِنَّ هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ».” (لو 22: 53).”اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا.”(يو 12: 31).

فكانت هي الساعة الأخيرة في عمر العالم العتيق والإنسان الأول أي الظُّلْمَةِ. “وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ.”(1 كو15: 20).

وبذلك عرف الإنسان أنه يوجد حياة أخرى بعد الموت إي ملكوت سماوي، المسيح هو نفسه ملكاً عليه، وإليه ينقل الإنسان الذي يلده بروحه، مجدِّداً كل مَن يعتمد ويؤمن باسم ابنه؛ ينقله الآب من الظلمة الأولى وسلطان الشيطان إلى ملكوته الأبدي ونوره العجيب.

وقد أكد معلمنا بولس الرسول على هذا قائلاً: “الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ،وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ”(كو1: 13).

وهذا أيضًا ما تنبأ به إشعياء عندما ذكر قائلاً: “اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا.الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.”(إش 9: 2). وكذلك أكده مخلصنا الصالح قائلاً:”…وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.” (يو 10: 10).

وبالقيامة عرف العالم إن الصليب ﻫﻮ الطَّرِيق الوحيد ﺇﻟﻰ تحقيقها.

والصليب صار كسيفِ لهيب النار المتقلِّب لحراسة الطريق المؤدِّي إلى ملكوت الله حتى لا يدخله أحد ولا شيء ما من الخليقة العتيقة! أي أن الرب يسوع المسيح هو الطريق الوحيد لنقل الإنسان من الأرض إلى السماء.

والقيامة هي الباب الجديد الذي اِفتَتَحَ به الرب أزمنة الخلاص وبهجة الملكوت وأنار طريق الخلود.

وبقيامة يسوع المسيح من بين الأموات تحوُّل تلاميذه ومريديه ومحبيه إلى مبشرين لكل بقاع المسكونة بعد أن كادوا يتركوا كل شيء وراءهم راجعين إلى الجليل،هؤلاء الرعاة والفلاحين وصائدو السمك، والصيارفة

وغيرهم الذين خانوا وأنكروا سيدهم بشكل مؤسف بين عامة اليهود، تحولوا خلال ثلاث أيام إلى مجتمع

أورشليمي متحمس من المبشرين مقتنعين بالخلاص وقادرين على شق طريقهم بكل جسارة ونجاح بعد قيامة المسيح.

وكان لسان حالهم يقول: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.” (غل 2:20).

وأيضًا “لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ.” (رو 6: 5).وحقًا صار كل اِتِّبَاعه ملحًا للأرض، ونورًا للعالم. وأيضًا تذكروا موعظته وتعاليمه على الجبل عندما قال لهم يسوع: «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ…، أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ..” (مت 5 :13-  14).

وكانت قيامة السيد المسيح أمرًا هامًا جدًا للمجتمع المسيحي بمدينة أورشليم حيث أعاد هيبة ومكانة اتباعه (الرسل) بين المجتمع اليهودي الذي اِنزَعَجَ بقيامة مخلصنا الصالح فـ”بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ،” (أع 4: 33).

لأن المناداة بقيامة المسيح تثبت لاهوته وبره، وتدل علي أن اليهود شَّعْبُ سَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ لأنهم صلبوه ظلمًا، وأنهم مطالبون بدمه.

لذلك استدعوا اليهود الرسل وقالوا لهم:«أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَانِ».”(أع5: 28).ولكن قوة القيامة جعلت الرسل يردون عليهم ويوبخونهم قائلين:”وَلكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ.وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ،الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ.”(أع 3: 14-15).

الكنيسة القبطية

وهكذا، بقيامة السيد المسيح من بين الأموات ذهب الشهود الزور إلى مزبلة التاريخ ولا يعاد لهم صوت بين أركان المجتمع حيث عرف عن اِلْمَحَاكُم اليهودية عبر تاريخها كانت تعتمد على وجود أكثر من شاهد”«لاَ يَقُومُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِنْسَانٍ فِي ذَنْبٍ مَّا أَوْ خَطِيَّةٍ مَّا مِنْ جَمِيعِ الْخَطَايَا الَّتِي يُخْطِئُ بِهَا. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ عَلَى فَمِ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَقُومُ الأَمْرُ.” (تث 19: 15).

فقد جمعوا اليهود عند محاكمة يسوع شهود زور. كما جاء بالكتاب المقدس قائلاً: “وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ،..” (مت 26: 59).

وأيضًا”.. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ”وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ».” (مت 26: 60-61). “فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ!” وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ، فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! (1 كو 15: 13-20).

بقيامة المسيح من بين الأموات حدثت تحوّلات تاريخية في بلاط الحكام فبيلاطس البنطي (26-36م) نمؤذجًا- الذي ذهب إليه يَسُوعَ لمحاكمته تحت ضغظ اليهود وصدر لنا هذا المشهد التاريخي الذي دونه معلمنا متى قائلاً: “فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلًا: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!».”مت 27: 24).

أكد على إيمانه بقيامة الْمَسِيحَ وأيضًا زوجته وبكل تأكيد كل حاشيته وبلاطه حيث كتب بيلاطس في رسالته إلى هيرودس،رئيس الربع قائلاً:”سلام: أعلم وتأكد، بأنّه في اليومِ أسلّمتَ يسوع لي،أَشفقت على نفسي

وأُكّدتُ بغسل يداي بأنني بريءَ من دم من قام منْ القبرِ بعد ثلاثة أيامِ وقد تحقق سرورَكَ فيه، لأنك أردَتني أَنْ

أُشترك معك في صلبِه، لَكنِّي علّمُت مِنْ المنفذين ومِنْ الجنود الذين حَرسوا قبرَه، أنه قام من الموت

ولقد تأَكّدتُ مما قيل لي:

فأنّه ظهر جسديا في الجليل،في نفس الشكلِ،وبنفس الصوتِ، وبنفس التعاليم،ومَع نفس التلاميذ،لَمْ يُتغيّرْ في أيّ شئِ، سوي التَبشير بقيامته بجراءة وبمملكةِ أبديةِ، وانْظرُ، إن السماء والأرض فْرحتا؛ وبروكلا  زوجتي تُؤمنُ بالرُؤى التي ظَهرتْ لها، عندما أرسلتَ لى الرجل،وقالت بأنّني لا يَجِبُ،أَنْ أُسلّمَ يسوع لشعب إسرائيلِ، بسبب نواياهم الشريرة،وعندما سمعت زوجتي بروكلا، بأنّ يسوع قد قام وظُهِرَ في الجليل، ذهبت مَع لونجينوس، القائد الروماني واثنا عشرَ جندي…”. 

 إن قيامة السيد المسيح من بين الأموات كانت السبب الرئيسي في تأسيس الكنيسة وبالتالي حدثت تحولات

تاريخية في شتى العلوم والمعارف كعلم التاريخ والأديان واللاهوت والآبائيات والطقوس والفنون وغيرها من العلوم.

نؤكد هنا أن مرحلة التغير المجتمعي في أورشليم أو في المسكونة كلها قد أخذ قرونًا ولاننكر تاريخنًا أن المؤمنين الأوائل الذين شهدوا لقيامة السيد الْمَسِيحَ من بين الأموات كانوا في الأصل من اليهود، هؤلاء اليهود يراعون

بكل دقة عاداتهم وموروثاتهم الدينية، مع ذلك فقد دعـى هـؤلاء يوم الرب، وهو يوم ذكرى القيامة من الأموات

بـدلاً مـن يوم السبت.

وأيضًا العماد أو التنصير( المعمودية ) فهي ذكرى للمؤمنين، كأنهـم قد ماتوا فعـلاً معـه ثم قاموا منتصرين “مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ،الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (كو 2: 12).

إن السيد الْمَسِيحَ كان يخبر تلاميذه دائما بالقيامة وينبأ بذلك عن التغير والتحولات التاريخية والروحية حيث َقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ،وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ”(لو 24: 46).

وهذا ما أكده الملاك قائلا:”فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ: «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ.لَيْسَ هُوَ ههُنَا،لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ.وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ.هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا». “(مت 28:  5-7)”.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الرديكالية القبطية وفن صناعة البدع والازمات

مايكل عزيز ” التركيز على ترسيخ مفهوم ديني جديد ، وإعادة ترديده بشكل دائم على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.