عرض :
كمال زاخر الثلاثاء ٩ إبريل ٢٠٢٤
1 ـ اطلالة على الدراسة:
قراءات السنة الليتورجية يضمها مجموعة كتب تسمى قطمارسات ومفردها “قطمارس”
وهو الكتاب الذى يحوى فصول القراءات المختارة من الكتاب المقدس التى تقرأ بامتداد السنة الليتورجية يوماً بيوم فى قداس الكلمة.
الدراسة تبحث فى المعانى والتعاليم اللاهوتية والإنسانية والكنسية التى رتب بموجبها الآباء المصريين هذه القراءات، والتى تكشف قدر استنارتهم بالنعمة الالهية، فصاروا حكماء، وصارت لهم معرفة عميقة بالكتب
بحسب تعبير القديس كيرلس عمود الدين.الدراسة تنتهى إلى “الإيقان بأن الإيمان الرسولى المسلم لنا
بالتقليد من الآباء ـ والذى ينتقل من جيل إلى جيل ـ هو محفوظ فى القداسات وغيرها من ليتورجيات ونصوص محققة وموثوقة وكتابات وتعاليم الآباء وحياتهم، ومحفوظ أيضاً فى ترتيب كتب القطمارس بعمق.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد نكون بحاجة إلى التعرف على معنى كلمة “ليتورجيا” فى كنيسة العهد الجديد، دعونا نقرأ التعريف
الذى ورد فى كتاب “معجم المصطلحات الكنسية” للراهب القس أثناسيوس المقارى؛ يقول:
” كلمة “ليتورجيا” تتكون من مقطعين هما (ليئوس) أى شعب، و (إرغون) أى عمل، فيكون معنى الكلمة
“عمل شعبى” … ويستخدم كتاب العهد الجديد كلمة “ليتورجيا” مرتين كمرادف للعبادة المسيحية (لوقا 23:1)
و ( أعمال الرسل 2:13) … وفى كنيسة العهد الجديد انحصر استخدام الكلمة أساساً لتشير إلى صلاة الإفخارستيا باعتبارها العمل الشعبى الأساسى فى الكنيسة، فصارت الكلمة “قدَّاس”، أو “أنافورا”.
كما يمكن أت نستخدم الكلمة أيضاً لتشير إلى الصلوات الطقسية فى الكنيسة بكافة Hنواعها.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان سعى الدراسة بحسب الكاتب “اكتشاف ذلك العمق والوقوف على اسرار هذا الترتيب”، ويستطرد “
علينا ان نكتشف تلك الأسرار لما لها من صلة وطيدة بتقليد تربية الأجيال الأولى بكلمة الله، لكى نشرب معاً
من ذات الينبوع الذى شرب منه قديسو وشهداء كنيستنا، ونسير جميعنا على نفس الدرب الذى سار فيه قبلنا قديسون، معترفين وشهداء، حفظوا الإيمان وأتموا السعى ونالوا إكليل البر”.
وتكشف لنا الدراسة بحسب الباحث “الارتباط الوثيق بين كتب القطمارس وبين الليتورجيا والأسرار الإلهية التى تُقرأ الكلمة الإلهية خلالها.
وتؤكد على “أن كلمة الله” و”الإفخارستيا” لا ينفصلان أحدهما عن الأخر، ويكونان معاً سراً واحداً وعطية واحدة نابعة من ينبوع واحد، أى الرب يسوع نفسه، الذى هو المذبح الحى الناطق، وهو الكاهن الحقيقى الذى يخدم كلمة وأسرار العهد الجديد، وأيضاً هو الذبيحة الناطقة السماوية الذى نتناوله فى الأسرار الإلهية.
“ويكشف لنا الكاتب أن القطمارس السنوى الحالى ينتمى إلى قطمارسات وجه بحرى، فقد كان لكل منطقة فى مصر أو كنيسة أو دير كتاب دًلَّال قراءات خاص بها، تم ترتيبها بحسب طبيعتها واحتياجاتها، الأمر الذى يفرض على الباحث فى دراسة “مخطوط أى قطمارس” أن تتم داخل النطاق المكانى والزمانى الذى نشأ فيه، ومقارنته مع غيره من المخطوطات السابقة أو اللاحقة له.
وهو أمر يلفت نظرنا لحاجتنا الى تأسيس معاهد متخصصة فى دراسات “القراءات الليتورجية”، وفق قواعد ومناهج علمية رصينة.
ولا ندع الأمر أسير انطباعات شخصية.وفى هذا يقول القديس كيرلس الاسكندرى فى شرحه لإنجيل يوحنا:”فأظن أننا لا ينبغى بالمرة أن نَعبُر بسرعة على كلمات (حكمة) معلمينا، حتى إن كانت واضحة تماماً، لمجرد أن نظهر أننا
فاهمون، وذووا ذكاء حاد، بل بالحرى نبحث عن المعنى ونفحص بكل حكمة، التعليم المقدم لنا لأجل منفعتنا، لأن
معرفة ما هو نافع هو أسمى جداً من التظاهر الكاذب بالحكمة، وأن نتعلم شيئاً ما على حقيقته هو أفضل جداً من مجرد أن نظهر وكأننا نعرف كل شئ عنه”.
(كتاب شرح انجيل يوحنا، المجلد الثانى، القديس كيرلس الأسكندرى ـ ترجمة د. نصحى عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية 2021) يعرض لنا الكاتب منهجه فى هذه الدراسة، وهو منهج تفسيرى “سعياً لاستكشاف مضمون التعاليم اللاهوتية التى يقصدها ترتيب القطمارس دون ارغامه على أن يقول غير ما يريد أن يقوله.
وحتى تجود القراءات بمدلولاتها التى قصد مُرتبوها أن تصل لمستمعيها”.
ويصف من رتبوا هذه القراءات بأنهم “كانوا أعضاء فاعلين فى مجتمعهم الحى يثقافته ولغته وطبيعته ومعيشته، أى كانوا شعبيين ولاهوتيين، علمانيين وكنسيين بآن واحد”، ويرصد الباحث انعكاس هذا على منتجهم المكتوب
“لذلك فإن القطمارس المصرى قد تشرب حتماً ونضج بالمزيج الثقافى والاجتماعى والشعبى المصرى آنذاك راسماً
ملامح شخصية مصر وكنيستها على صفحاته، ويرد الباحث “هذا الترتيب الكنسى الذى راعى روح وبيئة الحياة التى ينتمى اليها المستمعون” إلى منهج الرب يسوع نفسه الذى شرح أسرار الملكوت بأمثال مقتبسة من الحياة اليومية فى بيئة زراعية ورعوية.
ويؤكد الباحث على “أن مجيء الرب يسوع إلينا وتعليمه وعطايا أسراره الإلهية، لا تعرف فصلاً لما هو سمائى عما هو أرضى.
“ويضع الكاتب أمامنا نموذجاً تطبيقياً لهذا التأثر فى ترتيب قراءات القطمارس بمنهج الرب يسوع فى قراءة “مَثَل الزارع” ؛ والذى يقرأ “فى ثلاثٍ من قراءات أناجيل الأحدين الأول والثانى من شهر هاتور أى فى بدء موسم الزراعة المصرية، ومن ثم يقرأ ويستمع و(يفهم) المصرى تلك القراءات فى القداس كفلاح يمارس فلاحته فى نفس الوقت من السنة، أو كإنسان يعيش فى مجتمع يحتفل شعبياً بهذا الموسم”.
ويوضح أن “هذه الإنثروبولوجية الإنجيلية والكنسية المصرية جديرة بدراستها وتقديرها لنتعلم كيف تعايش وتفاعل الآباء القديسون حُكماء القطمارس وجيلهم مع الحياة والعالم بطريقة إنجيلية ليتورجية إنسانية سوية.
“سنلتقى فى مقال تالd لنعرض محاور هذه الدراسة الدسمة والتى تقع فى عشرة كتب، تم طبع ثلاثة منها،
بعناوين:ـ
مقدمات (238 صفحة).
معالم (632 صفحة).
المدخل إلى قطمارس السبوت والآحاد (944 صفحة).