د. ماجد عزت إسرائيل
أبونا الرّاهِبُ أباكير السُّرَيَاني(1957-2002م)؛ اِسْمُهُ العِلمَانيُّ قَبِلَ الرَّهْبَنَةُ صَفَوْت وَلِيم إِسْكَنْدَرُ، وُلِد وفي 7 أُكْتُوبر1975م، لِأَسْرَة تُقْية فَرُبِّياه تَرْبِيَة مَسيحيّة حَقِيقَةُ وَعَلَّمَاه الْعُلُوم الدَّيْنِيَّة والدُّنْيَوِيَّةُ.
فبُعِّد تُخَرِّجه فِي كُلِّيَّةِ الطِّبِّ بِالْقِصَر العَيْنيّ عامَ1981م،وتَأْدِيَة الْخِدْمَةِ الْعَسْكَرِيَّة،وَعَمَّله الدُّؤُوب بِالْعَدِيد مِنْ الْمُسْتَشِفِّيَات، وَأَيْضًا حُصُولَه عَلَى دَرَجَة الْمَاجِسْتِير عامَ1984م، وَإِعْدَاده أُطْروحَته للدُّكْتُورَاه الَّتِي لَم يَسْتَكْمِلهَا مَنَّ أَجِلَ الرَّهْبَنَةُ.
فَقَدَ هَجَرَ مَتَاع الدِّينَا بِمَا تُحَمِّله مَنَّ شُرُور الصِّرَاع وَالتَّنَافُس مَنَّ أَجِلَ الراحة النفسية في عالم”الديرية”، ومَنَّ ثم آثَرَ الْحَيَاةَ فِي سِلاَم وُصَفاءُ دَوَّنَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ فِي نَفْسَهُ كَرَاهِيَةٌ لِأُحِّد أَوّ حَقَدَا على أحدٍ وَتَرّك نَفْسَهُ تتماهي مَعَّ الله طلبًا لِمَزِيد مَنَّ الصَّفَاء النَّفَسِيّ وَالنُّقَاء الرَّوْحِيّ. فتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بالرَّهْبَنَةُ الَّتِي تعنّي التقشّف وَالتَّخَلْي عن أشغال الدُّنيا وترك ملاذّها والزُّهد فيها والعزلة عن أهلها والاستغراق في العبادة. مَنْفَذَا لِقُوِّل السَّيِّدُ الْمَسيحُ «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي».” (مت 19: 21).
وَهَكَذَا تَرَكَ الدُّكْتور صَفَوْت وَلِيم إِسْكَنْدَرُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مَنَّ المالُ والجاهُ، وَالْمَنَاصِب وَالْأَلْقَاب، والأَهلُ وَالأَقْرَبُونَ والأَحبابُ، ايُّ تَرَكَ كلِّ شيءٍ مَنَّ كنوزِ الدُّنْيَا لأَجَلْ دَعْوَةِ الرَّهْبَنَةُ لَكِي يَعِيشُ حَيَاةً الْوَحْدَة مع الله، طَائِعَا ومَنْفَذَا لِتعَاليم السَّيِّدُ الْمَسيحُ حَيَّثَ ورَد بِالْكُتَّاب قَائِلَا:« لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا،لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ، إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولًا،مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. » (مر10: 29-30).
فَقَدَ اِلتَحَقَ بدَير السُّرَيَان بِبَرِّيَّة شيهيت بَوَادي النَّطْرُون فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْمَاضِي، وفِي(31 مارس2001م) تِمَ سيامته رَاهِبَا بِيَد قَدَاسَةُ الأنبا شِنُودَة الثَّالِث الْبَابَا الـ117(1971-2012م)بِاِسْم الرّاهِبُ«أباكير السُّرَيَاني»،وظَلَّ عَطَائِهِ بِهَذا الدَّيْرُ حتَّى نِيَاحَته فِي 26 مارس 2002م.
وفِي حَيَاةً الرّاهِبُ أباكير السُّرَيَاني كَانِت الرَّهْبَنَةُ تَعَنَّى الْوَحْدَة والزُّهد وَالنُّسْك وَالصَّلَاَة وَالتَّسْبِيح، بِجَانِب الْعَمَل اليَدَوِيُّ بِقَصْد التَبتُّل مَعَّ اِختيار الْفَقْرُ طُوِّعَا، لِأَنَهَا فَلْسَفة الدِّيَانَةُ الْمَسِيحِيَّةُ، وَالْجَامِعَة الَّتِي تَخْرُجُ فِيهَا مِئاتٍ الأُباءُ مَنَّ الرُّهْبَان الَّذين قَادُوا الْكَنِيسَة بالْعَقْلِ وَالْحِكْمَةُ.
وبدَّيْرُ السُّرَيَان أَسُنِّد إلَيْهِ أَمِينه(الربيتة)خَدَمة الْقِصَر والعِيَادَة وأيضًا الصَّيْدَلَةُ.
فَعُرِّف عَنّه أَمَانَّته فِي عَمَّلَهُ، وطَاعَته، وَمَحَبَّته لكَبِيرهُم قَبِلَ صَغِيرهُم؛ مُطِيعَا لِقُوِّل الْكُتَّاب”طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ”(رسالة بطرس الرسول الأولى1:22).وحقًا سلّح الرّاهِبُ أباكير ذَأَتَه بُرُوح التَّقْوَى والصَّلَاةِ الْمُسْتَمِرَّة، وحَيَاةً الزُّهد وَالتَّقَشُّف والصَّوم.
وَقَدْ رُوِيَ أَحَدٌ رُهْبَان دَير السُّرَيَان أن قلاية أبونا أباكير كانت تنطق بمدى زُّهده وتقشفه، حَيَّثَ لَمَّ يُكِنّ فيها وَسادة أو مرَتَّبه لِيُنَام عَلِّيهَا، وإنَّما كانَ بَها حَصيرة قديمة، وقُلّة مَصْنُوعَة مَنَّ الفَخَّارُ، وتَرْبِيزٌه بِخَامَات بَسيطه للكتابة، وكل كَتَّبه وأدواته وَطَعَامه القَلِيلُ اليَابِسُ على أَرْضِيَّة القلاية.
أبونا أباكير السرياني أبونا أباكير السرياني
وَقَدْ قَصَّ أَحَدٌ الرُهْبَان مَنَّ المقربين لأَبُّونَا أباكير أَنّ المتنيح نيافة الأنبا إيساك(1937-2022م) الْأُسْقُف العَامُّ والْأَب الرَّوْحِيّ لدَّيْرُ الأنبا مكاريوس السكندري بجَبَلَ القلالي بالبحيرة، فِي أثنَاء وجوده بدَّيْرُ السُّرَيَان أَحْضَرَ لقلاية أَبُّونَا أباكير ثلاجة لم تستخدم مَنَّ قَبِلَ، ولَكَن هذَأ الرّاهِب الْمُتَقَشِّف رَفَضهَا وأصرَّ على رُجُوعهَا إلى الْأُسْقُف، لأنَّهُ كانَ يُرِيد أَنّ يَعِيشُ حَيَاةً الْفَقْرُ الْاِخْتِيَارِيّ.
وأيضًا عَرَفَ عن أَبُّونَا أباكير السُّرَيَاني بصفته كرّاهِبُ وطبيبًا فكانَ مكلف بمتابعة نَحْوِ مَا يُقارب مَنَّ 17شيخًا مَنَّ رُهْبَان دَّيْرُ السُّرَيَان طبيًا. فكانَ بَعِضَ مَنَّ هَؤُلاَءِ الشُّيُوخ يُقَدَّمُون لأبونا أباكير وَاُجْب الضِّيَافَةِ فَيَرْفُض تَناوَلَ أو يُشَرِّب أَيّ شىءِ لأنَّهُ كانَ زاهدًا ومتقشفًا. فَنُصِحّه الأنبا إيساك أن يُجَبِّر بخَاطِرِهم. لِأَنّ الكِتَاب يُقَوِّل:”اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعًا خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِالتَّوَاضُعِ”(رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 5).
وَحَقَا كانَ الرّاهِبُ أباكير السُّرَيَاني مُتعدِّد المواهب، فَقَدَ عَرَفَ عَنّه التَّعَمُّق فِي الدَّرَّاسَات الآبائية والتَّدْقيق والشّرْح للمُفْرَدَات اللغوية.وَأَيْضًا كاتبًا حَيَّثَ تَرَكَ نصًا أَدَبَيَا عُنْوَانه:«مَقَالَة المَوْتُ» قَدَّمهَا للقارىء بطريقة سهلة، صادرًا عن دَّيْرُ السُّرَيَان الْعَامِر فِي عامَ 2002م. بِمُرَاجِعَة وَتَقْديم نيافة الأنبا متاؤس رئيس الدَّيْرُ.
فَضُلَّا عن قَصَائِده الشَّعْرِيَّةُ الَّتي أَصُبِّحْت ترانيم روحية يرددها الشعب. فنذكر منها عَلَى سَبِيلِ الْمِثَال وليس الْحَصْر قَصِيدَة عن المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث باسم «يا شَمعة الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ »، وأيضًا قَصِيدَة لرثاء شقيقته، وقَصِيدَة «سكان السماء»، وكذلك مديحة لِلْقِدِّيس الأنبا يحنس كاما، وأباكير ويوحنا، ولموهبته الشَّعْرِيَّةُ صدرت له ثلاث أَلْبُومَاتٌ على شرائط كاست والسي دي نذكرها: كَوَاكِبُ البَرِيّة لدَّيْرُ البراموس عامَ 1990م،والعمودان النيران لدَّيْرُ الأنبا بولا عامَ 1992م ، والأنبا برسوم العريان عام 1993م.