كمال زاخر
على هامش اشتباكى مع الهم القبطى، لثلاثة عقود ويزيد، كنت اتابع ما يصيب رموز الاصلاح العلمانيين من صدمات عندما تنفتح أمامهم دهاليز وتشابكات الشوارع الخلفية لمدينة الفساد المنبتة الصلة بالأصول المعرفية اللاهوتية والتزامات الخدمة الباذلة والمنكرة للذات
المدينة المتدثرة فى غطاءات التقوى وحماية الإيمان.
بعض من رموز الاصلاح استمر فى معاركه التنويرية محتميا بتراث الآباء ولاهوت الفرح، وأسس للاهوت التنوير والمقاومة الفكرية لأساطين الكراسى، فحصدوا قطعاً وحرماناً وتشويهاً.
وبعض منهم آثر السلامة وأمامه دماء رأس الذئب الطائر لم تجف بعد، ومازالت السكين التى ذبحته مشهرة بيد قاتليه، فكان قراره الخروج من حلبة المواجهة، حماية لتاريخه، وزوداً عن بيته وسمعته أمام مريديه وتلاميذه
وهذا البعض منهم من يحمل رتبة كهنوتية لها ثقلها، وقد تحصن بدراسات مدنية حجزت له مكاناً فى تخصصه،
ودعم وعيه بدراسات لاهوتية فتحت امامه آقاقاً تجاوزت ثقافة النقل، وانطلق يفك أسر العقل الجمعى
ويضع أمامه اسرار الكلمة المكتوبة والمتجسد، فقامت قيامة حراس المعبد، وكادوا يقتلعوه من موقعه، ليلحق بتجارب سابقة، تنعى حظها بين جدران قلاليهم.
فما كان منه الا الانسحاب والانحناء للعاصفة المتصحرة.
وبعض ثالث ظل يقاوم بسلامة نية، مرجعاً ما يراه من تقلبات لضغوط المسئولية، ولم يسمح للشك ان يخدش الصورة الطوباوية لصاحب السلطة، رغم ان مراوغاته كانت واضحة كالشمس، وتقلباته التى تمر على كل فصول
السنة، حتى انه كان يمكنه فى يوم واحد أن يعيش معه طقوس الفصول الأربعة مجتمعة.
لكنه أخيراً استفاق مأزوماً وتحصن بالإنسحاب حتى يحفظ سلامه النفسى وسلامته الروحية.
ولا يمكن فى هذا السياق أن ننسى مأساة دير ابو مقار، الذى ظل موقعه على يسار السلطة الكنسية، وحين رحل الأب الروحى للدير، دفعت السلطة برهط من طالبى الرهبنة، سرعان ما اصطفوا فى صفوف الرهبنة وراحوا يسعون
لتفكيك اواصر ووشائج الوحدة داخل الدير، بتعليمات وتوجيهات من زج بهم هناك.
وعندما اقيم الأنبا ابيفانيوس اسقفا لتدبير الدير، راح يسعى لتقريب المسافات بين الكنائس والمذاهب، مدعوماً بخلفية لاهوتية عصية على الدحض، ويقين جاذب وداعم لتوجه البابا تواصروس، حتى حسبه حرس المعبد
الحصن الفكرى والداعم الاستراتيجى له فى مواجهات مجمع الأساقفة، فكان قرارهم التخلص منه وجوبياً، وترجم القرار الى فعل على يد بعض ممن دُفع بهم لصفوف رهبان الدير بعد رحيل الأب الروحى للدير.
ورغم ان التفاؤل هو اختيارى إلا اننى لم اقدر على طرد موجات التشاؤم التى تتدافع أمامى والتى تجد من يدعمها هناك عند رأس الهرم.
رغم هذا استعير تعبير “ربنا موجود” الذى نحته واطلقه البابا الراحل لأواجه به موجات التشاؤم والتصحر، حتى تنقشع، بحكم دورة الزمن.
والذى عبر عنه قداسته بشعاره الأثير “مسيرها تنتهى”.