لم تُتح لي الفرصة للقائها، وعندما زارتْ أوسلو ذهبت إلى فندق جراند هوتيل فلم أجدها، لكنني تركت لها عدة أعداد من مجلة طائر الشمال؛ ثم اتصلت بها فجاءني صوتها الدافيء تمتدح فيما أطلقتْ عليه ( لم أكن أعرف أن هناك مصريين مغتربين يكتبون هذا الكلام الجريء)، أما توكل كرمان فقد فعلت العكس عندما تركتُ لها طائر الشمال
فرفضت أن تتسلمها رغم أن بها رسالة تهنئة مساء يوم تسلمها جائزة نوبل للسلام.
تختلف أو تتفق مع الدكتورة نوال السعداوي فستظل هي المناضلة، والثورية، والطبيبة التي أنارت الوعي
في القرىَ والنجوع، والمعارضة التي انتقدت السادات لأنه تأخر عن موعده ساعتين حيث صمت المثقفون
عند وصوله مجلس الأمة.
وهي الروائية التي فضحت نفاق وضعف الرجل.
وهي التي حافظت على اللغة العربية وكانت محامية المرأة في كل مكان.
وهي التي عرّت المجتمع في قضية غشاء البكارة فعرف المصريون أن هناك مئات من الأطباء يجرون العملية للحفاظ على العفة الكاذبة.
وهي الشُجاعة التي كشفت سوءات الأمن في كتابها عن مذكراتها في السجن.
وهي التي صفعت أباطيل المجتمع في ( فردوس ) فجعلتنا نخجل من أنفسنا.
وهي التي قاومت إرهاب الجماعات الدينية وكانت بمفردها كتيبة مقاتلة.
وهي التي علــَّـمَت قارئيها المساواة بين المسلم والقبطي.
وهي التي تحدَّت الزمن والعُمْر وتجاعيد الوجه لتستمر في العطاء الرائع، فهي صاحبة ثورة التنوير.
وكانت ينايرية عندما بلغتْ الثمانين من عُمرها حيث صفق الرعاع والحشاشون للمجرم واعتذروا له ( إحنا آسفين يا ريّس!)واحتفظت بنشاطها الذهني الثوري حتى وهي على مبعدة عقد واحد من نهاية قرنها الأول.
احتفت واحتفلت بها الدنيا إلا في بلدها مصر فالرجعية كانت دائما هي الأقوى، والتيارات الإسلاموية هي الأقبح والأجبن!فقدت مصر قطعة من الهرم الأكبر، وكان الفراغ كبيرا فالراحلة، رحمها الله، أكبر من ملايين من رجال مصر.
كانت العدو الأول لذكور الهوس الجنسي، فالله معها والقصر معهم!بعد مئة عام ستقول المصريات: كنا نتمني أن نعيش عصرها لنقبّل يدها الطاهرة والثورية والعنيدة.
اليوم يصبح عيد الأم مرتبطا برحيل المرأة التي فتّحتْ عيون أمهات مصر، وكرهتْ المزايدة الدينية.
أسكنها الله فسيح جناته.
محمد عبد المجيد طائر الشمال
أوسلو النرويج