الأحد , ديسمبر 22 2024
والدة ماجد عزت إسرائيل

أمي الحبيبة الطيبة… لَعَلَّ اللهَ يَعْمَلُ مَعَنَا!

د.ماجد عزت إسرائيل

في يوم الجمعة الموافق(23 فبراير2023م) تحل علينا الذكرى الخامسة عشرة لرحيل أمي الحبيبة الطيبة (1931-2009م)، ففي كل عام من شهر فبرايـر تحل ذكـراها العطرة،حيث تنيحت (توفيت) في(23 فبراير 2009م)، فى ليلة بدء الصوم المقدس.

واليوم تحل الذكرى قبل ثلاثة أيام من بدء صوم يونان النبي(صوم نينوى) الذي يستمر لمدة ثلاثة أيام حيث يبدأ في 26 فبراير 2024م، ويرجع هذا الاختلاف ما بين معاد الذكرى السنوية لأمي الحبيبة الطيبة أو المناسبات الدينية المسيحية إلى طبيعة التقويم القبطي الذي تعتمد عليه كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في تحديد الأصوام والأعياد والمناسبات والاحتفالات.

  ومن يتأمل حياة يُوسُف الصِّدِّيق يجد بها دروسًا لعمل الله.فحسدوه إِخْوَتُهُ على قميصه الملون، ولحبَّ أبيه له”فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ.” (تك37: 4)، لدرجة وصلت أنهم باعوه يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتي الإسماعيليون به إلي مصر،كما ورد بالكتاب المقدس

قائلاً: “تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا»…..” (تك 37: 27). فقال يوسف لإِخْوَتُهُ “أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا.” (تك 50: 20). والخلاصة أن يوسف لخص بهذه الآية أحداث وتاريخ حياته، بِدَاية من بيعه على يد إِخْوَتُهُ ونهاية بقول الكتاب:”وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ.” (تك 15: 15).

أن كل ذلك كان جزءاً من خطة لعمل الله لإنقاذ شعب عهده.فيوسف الصديق كان في السجن، ولكن الله كان يعمل من أجله.

وفي الوقت المناسب أَخَرَّجه من السجن إلى اِرْفَع مناصب الدولة، دون أن يطلب يوسف ذلك. فدائماً وأبداً الله يعمل لأجلنا في كل ضيقاتنا وتجاربنا..إنه يقول لكل منا “…لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ.” (يش1: 5). وأيضًا “تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ! لاَ تَرْهَبْ وَلاَ تَرْتَعِبْ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ».” (يش1: 9).وقال لإرميا النبي”لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ».”(إر1: 8).

وكذلك قال القديس بولس الرسول“لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ..».” (أع 18: 10).  فـ «لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ،” (أع 18: 9).

  وقد عرف عن أمي الحبيبة الطيبة إيمانها القوى بإن الله دائم العمل. لـ”إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ …” (مز121: 4). ولكن علينا كـ«..عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي…».” (نح 2: 20).

فعلمت أولادها قيمة وجود الله ودوره في حياتهم، لأنه دائما ما يعمل مع أولاده، وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يفعل شىء “…لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا.”(يو15: 5).

 وكانت أمي الحبية الطيبة في حاجات واحتياجات أولادها تذكرهم بما ورد بالكتاب قائلاً: «..لَعَلَّ اللهَ يَعْمَلُ مَعَنَا..».”(1صم14: 6). وأيضًا”أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا.” (مت6: 32).

إن كان الله يعطى طعامًا للعصافير دون أن تطلب، وإن كان يمنح ألوانًا جميلة تكتسى بها زنابق الحقل دون أن تطلب، فكم بالأولى البشر الذين اُعْتُبِرهم الله أبناءه..؟.

كما دون الكتاب قائلاً:”اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟” (مت 6: 26).

فعليكم يا أولادي أن تضعوا الله أمامكم في كل إحتياجاتكم الشخصية.

وأعلموا أن الله لا يعطى الناس العطايا المادية فقط، وإنما يعطيهم أيضًا المشاعر الطيبة ويعطى التوبة كذلك للبشر.

فاللهَ يَعْمَلُ مَعَنَا وأيضًا”نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.” (رو8: 28).

 وفي ذات السياق كانت أمي الحبيبة الطيبة تعلم أولادها الإيمان بإن كل عطية صالحة، هي نازلة من فوق، من عند الله نفسه كما في رسالة يعقوب قائلاً:”كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ.”(يع1: 17).

لذلك يجب عليكم يا أولادي أن تضعوا الله أمامكم باستمرار، وثقوا في محبته وعمله. لقد عمل الله الكثيرة قديمًا ولا يزال حتى يومنا هذا يعمل. فما أجمل قول يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».” (يو 5: 17)

 وهكذا فالتجارب والخبرات الكثيرة التي مرت بها أمي الحبيبة الطيبة حاولت نقلها إلى أولادها فدائما ما تقول لهم الله يعمل دائما.

ولكن طريقته أن يعمل في هدوء. ولتوصيل هذه الهدوء لأولادها بدأت في ذكر بعض الأمثله التي دونها لنا الكتاب المقدس نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، حينما كلم الله إيليا النبى، لم يكلمه في العاصفة ولا فِي الزَّلْزَلَةِ ولا فِي النَّارِ،وإنما في “… صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ” (1مل 19: 11، 12).

في هدوء وبنفس الهدوء أَنقَذَ الله يوسف،”..اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هذَا الْيَوْمِ،” (تك 48: 15).

وبذات الهدوء وأَنقَذَ المجوس من بطش هيرودس. “ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ.” (مت 2: 12).

وبنفس الهدوء قام الرب بعمل التجسد وعمل الفداء. “عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ. ..” (1 تي 3: 16). وحينما أعد الله خدامه،أعدهم في هدوء البرية، كما أعد موسى النبى بعيدًا عن صخب قصر فرعون.

وقد جاء موسى بالشعب إلى سفح جبل سيناء حيث تسلم الناموس وتأسس العهد القديم بين الله والأمة الإسرائيلية التي حديثة التشكيل في ذلك الوقت (خروج 19-24). وأيضًا أعد دواد النبى في رعي الغنم، في الهدوء ، في ظل المزمار والعود والقيثار “فَلْيَأْمُرْ سَيِّدُنَا عَبِيدَهُ قُدَّامَهُ أَنْ يُفَتِّشُوا عَلَى رَجُل يُحْسِنُ الضَّرْبَ بِالْعُودِ. وَيَكُونُ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ الرُّوحُ الرَّدِيءُ مِنْ قِبَلِ اللهِ، أَنَّهُ يَضْرِبُ بِيَدِهِ فَتَطِيبُ».” (1 صم 16: 16).

 لقد رحلت أمي الحبيبة الطيبة وبقيت ذكراها الجميلة، وكلماتها العذبة،بإن اللهَ دائمًا يَعْمَلُ مَعَنَا لن ننساها في قوة إيمانها وقولها الصدق والحق والعدالة، وكلمات المحبة والسلام«الْيَوْمَ،إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ..».

(عب3: 15).

وأيضًا لم ننسى هدوئها في اتخاذ القرارات في الأزمات ومد يد العون للمحتاج فجميعها فضائل في تعاليم السيد المسيح.

رحلت أمي الطيبة منذ خمسة عشر عامًا، ولكنها تركت لنا تعزيات وومضات من حياتها اليومية ما زالت تعيش في داخلنا، لا يمكن أن تمحى من الذاكرة… نياحاً لروحك الطاهرة… يا أمي الحبيبة الطيبة!

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.