يمتلك أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور أيمن منصور ندا ناصية اللغة العربية، ويُحكم قبضته عليها، ويُطوِّعها كيف ومتى يشاء. أساليب معظم الأكاديميين في الكتابة تبدو خشنة ثقيلة الظل غالبًا، ولا تستجيب اللغة لأمرهم.
منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي تكشف عوارهم اللغوي، ومقالاتهم في الصحف تعكس خواءهم الفكري.
الدرجة العلمية الرفيعة لا تمنح صاحبها صكًا مفتوحًا للكتابة والتفكير والطرح.
معلوم جدًا كيف يتم التعيين في السلك الجامعي والترقي في الوظائف العليا وصولاً إلى منصب رئيس الجامعة، وغيرها من المناصب والوظائف الرفيعة.
يبدو “ندا” كاتبًا احترافيًا بامتياز، قلَّ نظيره في الصحف المصرية بتنويعاتها المختلفة، هو امتداد لجيل عظيم من الكتاب الموسوعيين الراحلين.
في منشوره الأخير على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يقدم “ندا” سيمفونية فريدة من العزف على أوتار الكلمات والألفاظ..والأوجاع. وكعادته دومًا..لا تخلو كتابات “ندا” من الرسائل المبطنة والظاهرة.
يقترب الأكاديمي الغاضب من شخصية الدكتور “حسن” التي جسَّدها الممثل الراحل “خالد صالح” في فيلم “فبراير الأسود” الذي أنتجته السينما المصرية العام 2013.
تتجلى المقاربة واضحة جدًا فيما يكتبه “ندا” وآخرون على شاكلته، وبين ما يرصده الفيلم المذكور من تردي الأوضاع والأحوال وغياب العدالة الاجتماعية في أبسط صورها أو تغييبها قسرًا.
يدين “ندا” بجزء أصيل من شهرته في الفترة الأخيرة لأحمد موسى ونشأت الديهي؛ فالأخيران لا يتطاولان على أحد ولا يشتمانه ولا “يشرشحانه” ولا “يردحان” له إلا إذا كان طاهر اليد، نقي الضمير، عظيم الوطنية.
دعك من أزمته الممتدة والمعقدة مع رئيس جامعة القاهرة؛ فلا شأن لنا بها، وهي معركته الخاصة، ولها أبعادها التي قد نجهلها، ولكن نتوقف في منشور “ندا” الأخير عند بضع كلمات، لسن كالكلمات، ولكنهن لكماتٌ موجعاتٌ، وصفعاتٌ مؤلماتٌ.
يقول “ندا”: “إن الحنجلة هي الفائزة في مجتمعنا المعاصر، وأنَّ الهجَّاصين هم المؤهلَّون لتولي المناصب القيادية في هذا البلد الكريم”.
بهذه الكلمات قطع الأستاذ الأكاديمي قول كل خطيب.
تشخيص سليم ودقيق لأعراض سرطانية ظاهرة للعيان، لا يُخطئها سوى أعمى أو مستفيد أو مرتزق أو مأجور.
العبارة الجامعة المانعة تشبه عبارة خالد صالح في الفيلم المذكور: “أي كلام عن الأمل هو نوع من الوقاحة”، وكذلك عبارته الموجعة بعدما استطرد في حديثه عن الفئات الآمنة في هذا المجتمع: “ولكن الأشخاص البسيطة مثلنا كالعلماء والأطباء، المدرسين، فهم مرشحين في أي لحظة للإهانة، فلا قيمة لنا في هذا الوطن”! “الهجَّاص”:
لفظة عاميَّة يستخدمها المصريون لوصف الشخص الذى يتكلم كثيرًا، ويكون كلامه فارغًا لا معنى له، ولا سبيل إلى تطبيقه أو تحويله إلى إنجاز ملموس على أرض الواقع.
وللكلمة أصل فى التراث المصرى يعود إلى اللغة المصرية القديمة، ولها مرادف فى اللغة الإنجليزية “Hoax”، أي: الخدعة أو الكذب المضحك أو الساذج.
“الشخص الهجاص” قاسم مشترك في المؤسسات والقطاعات الرسمية والخاصة، يستطيع لفت الأنظار دون عمل جاد وحقيقي، ويترقى إلى الدرجات الرفيعة بطرق غير شرعية وأساليب ملتوية.
“الهجاصين” موجودون أيضًا في البرامج المسائية مذيعين أو ضيوفًا ومن يصفون أنفسهم بـ”الخبراء” الذين يفقهون في أي شيء، رغم أن الواقع يثبت في كل مرة أنهم ليسوا أكثر من جوقة من المطبلاتية الذين يؤمرون فيأتمرون.
وفي الرياضة.. لا يُنبئك عن “الهجاصين” مثل رضا عبد العال!! ولتتضح الصورة التي يرسمها “ندا” في منشوره الميلودرامي، يمكن الاطلاع أيضًا على منشور متزامن آخر لأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور مصطفى السيد الذي استعد لاستقبال فريق عمل أحد البرامج المسائية في منزله، ولكن أحدًا لم يذهب له في الموعد المحدد سلفًا، أو يعتذر له؛ فمثله غير مرغوب في ظهوره ولا حديثه.
ثم يمكنك أن تفتح القوس إلى نهايته؛ لتطالع منشورًا مؤلمًا آخر للسيد يحيى حسين عبد الهادي بعنوان: “تجويع الكرام”، حيث يتقاطع مضمونه تمامًا مع محتوى فيلم “فبراير الأسود” أيضًا، عندما لجأ شقيق “خالد صالح”، وهو الممثل طارق عبد العزيز، الذي جسَّد شخصية العالم الكيميائي “صلاح” –رغمًا عنه- إلى العمل في “معمل طرشي”.
أما “الهجاصين” فهم دومًا وأبدًا في مأمن من غدر الزمن والتحولات الحادة، والطريق أمامهم وأمام ذويهم ممهدة ومُعبدة؛ لأنهم يقيمون إقامة ” full board” على جميع الموائد والمداود، في كل زمان ومكان..
أهلاً بكم في زمن الهجَّاصين!