إغاني وإعلانات الراديو ومسلسلاته الإذاعيّة سواء في رمضان والأعياد أو حتى في الأيام العادية طوال أيام السنة ، كانت هي الونيس والجليس لكل أفراد الأسرة المصرية في البيت أو القطار أو السيارة أو حتى في رحلة علي مركب للقناطر الخيرية يوم شم النسيم مع نغمات الربيع لفريد الأطرش علي موجة إذاعة الشرق الأوسط
أنا لسه فاكر فوازير أمال فهمي والمسلسل الاذاعي الوحيد لعبد الحليم حافظ وعادل امام ونجلاء فتحي” ارجوك لا تفهمني بسرعة ” والذي اذيع في رمضان 1973 ثم توقف بسبب الحرب وتم إستكماله بعد ذلك
الإذاعة كانت فارس الإعلام بجدارة وكثير من المسلسلات بدأت إذاعية وعندما نجحت نجاحاً ساحقاً تم تحويلها الي أفلام بنفس الأسم ومنها – ليلة القبض علي فاطمة – وسمارة وشنبو في المصيدة- وأنت اللي قتلت بابايا – وعماشة في الادغال والقائمه تطول وتتسع بإتساع رحله العمر وفرحة أول نجاح حقيقي في عمري – وكنت الأول علي محافظة الشرقية في الثانوية العامة
كانت مع صوت الراديو بالاذاعة المصرية وأغنية وحياة قلبي وافراحه لعبد الحليم حافظ بإذاعة الشعب بعد إعلان نتيجه الثانوية العامة بأسماء الطلاب الناجحين في السبعينات.
الفرحة لم تكن تكتمل الا بتوزيع أمي أكواب الشربات علي الأهل والحبايب والجيران شربات ” ورد وفراولة قها ”
اللي كنت تلاقيهم في كل بيت مصري بيفرح في أي مناسبة جميلة سواء نجاح أو زواج أو حتي مولود جديد ،
وهاتلاقيه ايضا في فيلم أم العروسة ، كان منتج مصري بحق وحقيقي وصناعة مصرية خالصة.. وقبل غزو المشروبات المشهورة – زي بيبسي وكوكاكولا- مع الانفتاح كنا كلنا بنشرب سبيروسباتس “ماركه الدبانة”
وكمان سي كولا والمشروب الخرافي زومبا كولا وعصير ادفينا اللي لسه منتجاتها موجودة بس للأسف بلا دعاية.
فرحتنا في العيد كانت مع شيكولاته كورونا بالنداغه أو بالبسكويت أو بالفواكة وكمان ملبس ونعناع نادلر في العلبة الصفيح ولبان إيكا وكانوا كلهم بطعم السعادة اللي في قلوبنا وبلون الدهشة وفرحه العيد واروع 100 مرة من
كادبوري أو تشيكلتس .
أما “باتا ” فقد كان هو الحذاء الرسمي في كل المناسبات ، كان الوالد ياخدنا أنا واخواتي لمحل باتا في بداية العام الدراسي وفي الأعياد .. كاوتش للألعاب في المدرسة بثمن خرافي 99 قرش
وحذاء جلد في العيد الصغير وصندل في العيد الكبير لزوم الخروجات العائلية – اللي انتهت تماما -ودول مش فاكر أسعارهم.
الافطار الصباحي كوب لبن من زجاجة مصر للألبان بغطاء معدن أزرق أو كوب شاي مع بسكويت ماري وسندوتش المدرسة بيض أو جبنة نستو أو ديمكس وكلها من مصر الألبان بمنتجاتها المتنوعة والمميزة جدا
أما جهاز فرح اخواتي البنات فكان من عمر أفندي وهانو وشملا وشيكوريل وصيدناوي اللي تلاقي فيهم أحدث موديلات تضاهي مثيلاتها بلندن وباريس. حُمايَة ” حمام ” العيد كان لازم بصابونة نابلسي شاهين أو صابونة شم النسيم أو صابونة جلسرين وما تقوليش لوكس أو كامي أو غيرهم من صابون الانفتاح، وغسيل الملابس بسافو أو رابسو ونظافتهم مع شوية زهرة وبوتاس تفوق إيريال أو برسيل .
أول مولود في العيلة كان هديته ببرونه هناء وشيرين -مش شيكو – واول طعامه كان” ريري ” بكل عناصره الغذائية مش سيريلاك زي اليومين دول… وكان إعلانه مشهور جدا لدرجه إننا كنا نردده كأغنية : هات لنا ريري هات لنا ريري” حلم امتلاك عربية نصر ، فخر الصناعة المصرية كان أمل كل مصري باحجامها المختلفه 1100
او 1300 ثم السيات وبالمناسبة دي كانت عربيات الاسعاف والشرطة والنجدة والحكومة والوزراء مش الرانج روفر والشيروكي زي اليومين دول !؟ لم يكن اليوم يكتمل الا بشرب شاي الشيخ الشريب بالنعناع أو شاي مبروكه
بتاع التموين في ساعة العصاري وسيجارة بلمونت بقرش صاغ من ورا ابويا طبعا.
ولا تكتمل الصورة الا بصينيه قلل فيها قلتين وابريق بغطاء بلاستيكي ملون في حديقة منزلنا بالشرقية مع صوت أم كلثوم – من راديو خشب لمبات بكسوه قماش للحفاظ عليه – من إذاعة أم كلثوم علي موجة AM في تمام الخامسة
وتمتد حتي العاشرة مساءاً ومش عارف الإذاعة دي مازالت موجودة أم اختفت وحل محلها إذاعه الأغاني .
في المساء والسهرة فكنا نلتف كلنا حول تليفزيون “نصر ” المعدني أبو بكره ضخمه ولمبات – وايريال خارجي له اذرع تمتد يمين وشمال ويحتاج الي ضبط مستمر لأن الارسال كان ضعيف -كنا نلف البكره للتنقل بين القناه الأولي
أو الثانية فقط ولم يكن هناك غيرهم ثم جاءت القناة الثالثة في اوائل الثمانينات ثم الدش وتغيرت الأحوال تماماً.
أنا عشت الأيام دي بحلوها ومرها متونس بصوت الراديو رفيق رحله العمر ..كان عندنا إنتاج محلي محترم واكتفاء ذاتي في كل شىء وبأسعار مناسبة لكل الاسر المصرية ولم نكن نعاني كل هذه المعاناة
كنا مستورين ومعظمنا سعداء بالقليل المتاح . إيه اللي حصل !؟ وازاي حصل وكل ده راح فين !؟ لست ادري!
علاقتي بالراديو تحولت من علاقة حب الي علاقة مهنية فقد التحقت بكليه الإعلام جامعه القاهرة بقسم الإذاعة والتليفزيون “شعبه راديو ” حباً وعشقاً وغراماً في رفيق مشوار العمر “الراديو” ثم تحولت الي الإخراج التلفزيوني مهنياً فقط ولكن قلبي مازال متعلق بالراديو تعلقاً مستمراً من أيام إذاعة أم كلثوم
وصولاً إلي إذاعة الاغاني ومحطات ال اف ام ومازال جهاز الراديو الذي يشاركني غرفة نومي ومكتبي وسيارتي وموبايلي ولم افقد شغفي به كما فقدنا انتاجنا وهويتنا ورموزنا وقوانا الناعمة وتحولنا الي مسخ في كل حاجه
إلا الراديو .
هنا القاهرة