إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 12 كيهك من الشهر القبطي الموافق 21 ديسمبر( سوف ياتي هذا العام فى 22 ديسمبر نظرا للفروق بين السنة البسيطة والسنة الكبيسة ) .
الميلادي بتذكار نياحة القديس الأنبا هدرا ( سمعان الأسواني ) أما عن القديس الانبا هدرا نفسه ؛ فأسمه الحقيقي هو سمعان (يستمع) ومع ذلك أشتهر اسمه بين الناس باسم “هدرا”
ولعل السبب في ذلك كما يذكر لنا المتنيح الأنبا غريغوريوس ( 1919- 2001 ) في كتابه عن القديس أن الرجل وقد كان راهبا ؛كان الناس يشاهدونه يحمل جرته مملؤة ماءا من نهر النيل ثم يعود بها إلي قلايته ؛ فكانوا يقولون عليه “أبو جرة” والجرة باليونانية والقبطية معناها “هدرا”
ومن هنا جاء الأسم “أبو هدرا” ولم تذكر لنا جميع المراجع المتاحة لي لا تاريخ ميلاده ولا تاريخ نياحته ؛غير ان المذكور عنه في كتب السيرة
مولده
أنه ولد في أسوان من ـأبوين مسيحين تقيين ؛ربياه تربية مسيحية حقيقية ؛ فنشأ محبا للكنيسة وعقائدها ؛وعندما بلغ من العمر 18 سنة أراد والداه أن يزوجاه ؛غير انه رفض باصرار ؛وفي الصباح استمع إلي الصلوات الكنيسة ورأي أنها جميعها موجهة إليه تحثه علي المضي قدما في طريق الرهبنة ؛وعندما
خرج من الكنيسة شاهد جنازة رجل ميت ؛فعلم أنها إرادة الله أن يترهبن ويموت عن العالم بإرادته أسوة بالقديس العظيم الأنبا بولا ؛ فأصر علي الرهبنة ومكث في الدير متعبدا في صلوات وأصوام كثيرة ؛وبعد ثماني سنوات من الرهبنة طلب من رئيس الدير الأنبا بيمن أن يسمح له بالتوحد في مغارة في الجبل .
وسمع الناس بسيرته ؛فتوافدوا إليه طالبين بركة صلواته ؛كما سمع عنه رهبان من الشام ؛فقاموا بزيارته في مغارته وطلبوا منه تفسير بعض آيات الكتاب المقدس ؛ فلما قام بتفسيرها بهتوا جدا من تعلميه ؛ ورجعوا إلي بلادهم قائلين “لقد طفنا جبالا وديارات كثيرة ؛وزرنا معلمين وفلاسفة ؛فلم نجد من يفسر لنا هذه المسائل كما فسرها لنا هذا القديس سمعان ” .
وعندما ازداد توافد الناس عليه زهد في الشهرة وأراد الانتقال إلي مكان آخر ؛ وفي المكان الجديد دبر له الرب تدبيرا عجيبا ؛إذ شاهد رؤيا إنسانا في زي الأسقفية جالسا علي كرسي ؛ويخاطبه بضرورة الحفاظ علي الإيمان المستقيم ؛وفجأة نهض الرجل من علي كرسيه وخاطبه قائلا” لقد وهبتك هذا الكرسي لتجلس عليه “قال هذا ثم
أختفي عن الأنظار ؛ فأخذ الانبا هدرا يفكر في معني ومغزي هذه الرؤيا ؛ وحدث بعدها أن تنيح أسقف أسوان ؛فسعي شعب أسوان الي البحث عن خليفة له ؛ فبحثوا عن الانبا هدرا حتي تمكنوا من الوصول إليه ؛ وأخذوه عنوة حتي أوصلوه إلي البابا ثيؤفيلس البابا رقم 23 ( 385- 412 م)
وطلبوا منه رسامته اسقفا علي أسوان ؛فوافق البابا ثاؤفيلس وبالفعل تمت رسامته أسقفا علي أسوان
أعماله
ومن أعماله في الاسقفية أنه عكف علي الصلاة ووعظ شعبه وتعلميمهم طريق الحياة الأبدية ؛ وكان يحضهم علي مخافة الله وتقواه ؛وعلي العمل بتعاليم الكتب المقدسة .
كما أهتم برعاية الفقراء والمساكين ؛وإيواء الغرباء ؛ وافتقاد المحبوسين ؛وشفاء المرضي وإخراج الشياطين ؛ وعندما بلغ مرحلة الشيخوخة مرض قليلا ؛ فاجتمع الكهنة والشعب حوله ؛فثبتهم وعزاهم وقال لهم ” اعلموا يا أولادي أننا عندما نقف في الكنيسة ؛نمثل قائمين أمام الله .
فلبكن وقوفنا امامه بورع وتقوي وادب يليق بحضرته المقدسة ؛ حتي نستحق الرحمة في يوم الدين عندما نقف امام كرسيه للقضاء.
ولتكن سيرتنا بلا لوم أحبوا بعضكم بعضا بقلب سليم ؛أعطوا كل إنسان حقه؛ لا تظلموا أحدا ولا تحابوا بالوجوه ؛ ومجدوا الله في حياتكم وكونوا دائما ساهرين ومستيقظين ومستعدين للموت ؛فأنكم لا تعلمون في أية ساعة تنتهي حياتكم …… لا تتوانوا عن افعال الخير والرحمة ؛ولا تتهاونوا في عمل الصالحات ؛فتنالوا الجزاء المبارك في الحياة الابدية ” .
ثم باركهم واسلم الروح في يدي الرب في اليوم الثاني عشر من شهر كيهك ؛ في عهد الامبراطور ثيؤدوسيوس الأول (379- 395 م ) .
فصلي عليه الكهنة والشعب ودقنوه بكل إكرام في ديره الأثري بأسوان .
ديره
أما عن ديره الأثري بأسوان ؛ فلقد كتب عنه العديد من المؤرخين ؛ نذكر منهم أبو المكارم في كتابه “تاريخ الكنائس والأديرة ؛ فتحت عنوان كنيسة ودير أنبا هدرا كتب يقول ” بيعة علي أسم القديس ابو هدري وجسده بها
وهي خراب في جزيرة أسوان ودير يجاور هذه البيعة وفي ذلك الدير كان ثلمائة قلابة خراب ” ( الكتاب السابق ذكره :_ إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر ؛ الجزء الثاني ؛صفحة 136 ).
أما الرحالة الالماني فانسليب
( 1635- 1679 ) فلقد ذكر عنه سطر واحد في كتاب “تقرير الحالة الحاضرة 1671 قال فيه “بعد إسنا دير آبا هرمينا } الأنبا هدرا { في الشرق .
( المرجع السابق ذكره ؛ترجمة وديع عوض ؛تقديم محمد عفيفي ؛المشروع القومي للترجة ؛ الكتاب رقم 1005 ؛ صفحة 160 ).
كما ذكره القمص عبد المسيح المسعودي الصغير( 1848- 1935 ) في كتابه “تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين ” تحت أسم “دير انبا هدري عند أسوان “حيث قال ” بالجبل الغربي غربي أسوان .
بمديرية أسوان وفي كرسي أسنا .وهو قديم وخراب .
ومتروك من الصلاة .
إذ ليس فيه كنيسة عامرة الآن ( وقت كتابة القمص عبد المسيح للكتاب) مع أنه كان قديما كان دير رهبان كبيرا جدا .
خبرنا عنه جاورجي باخوم . ……. ويذكر أبو هدرا الأسواني في سنكسار 12 كيهك ( المرج الساق ذكره صقحتي 154 ؛ 155 ).
ولقد ذكره أيضا الدكتور رؤوف حبيب مدير المتحف القبطي الأسبق ( 1902- 1979 ) في كتاب “تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارها الإنسانية علي العالم ” حيث قال تحت أسم دير سمعان في جبل أسوان ” دير الانبا سمعان ويسمي أيضا بدير الأنبا هدرا ؛وقد بني في القرن السابع أو قبله وموقعه بالصحراء غرب أسوان ؛ وقد ظل
عامرا بالرهبان حتي القرن الثاني عشر الميلادي ؛وقد طرأت عليه تغييرات في بنائه ؛ويتكون من طابقين ومازال محتفظا بأغلب مبانيه ؛ومنها الكنيسة الرئيسة فيه ؛كذلك يحتوي علي الكثير من البقايا الاثرية
وشواهد القبور المحفورة عليها الكثير من النصوص القبطية والقلالي وبقايا لعدد من الرسوم الجصية
ويلاحظ تشويه أغلب وجوه تلك الصور نتيجة البحث والتخريب خصوصا في ايام الفوضي والاضطهادات والحروب .
( الكتاب السابق ذكره ؛صفحة 202 ).
كما ذكره ايضا المتنيح الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر في كتابه ” الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي اسوان ” تحت رقم 192″ حيث قال “يقع هذا الدير في الضفة الغربية من نيل اسوان خلف قبر اغاخان ويبعد عنه حوالي كيلو متر شمالا .
ومباني الدير شبه متكاملة عدا معظم أسقف الكنيسة وبعض الحجرات .
والكنيسة الرئيسية للدير تتكون من هيكل تتوسطه قبة وفي أركانها حنيات ركنية وغرب الهيكل الصحن الذي يتكون من أكتاف من المباني كانت تحمل قبتين متماثلتين في منتصف الصحن وقبوات وقباب منخفضة تغطي الرواقين وقد اضيفت حجرات شرق الهياكل .
شمال هذه الكنيسة يوجد مبتني آخر شبه كنيسة صغيرة به مغطس غالبا ما كان يستعمل في عيد الغطاس .
أما الحصن فيتكون من طرقة عريضة وعلي جانبيها حجرات الرهبان وحجرات الخدمة .
ويلاحظ وجود أكثر من سرير في الحجرة الواحدة . وترجع معظم مباني الدير الحالية لما بعد الفتح العربي لمصر “
( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 79 ؛80 ).
ومن أحدث المراجع التي صدرت عن تاريخ الكنائس في مصر ؛كتاب “الكنائس في مصر منذ الفتح العربي لمصر إلي اليوم ” للدكتور جودت جبرة ؛ جيرتورد ج .فان لوون ؛ ترجمة أمل راغب ” حيث يذكر عنه فيقول ” ربما كان الدير موجودا في القرن الخامس الميلادي وهجره الرهبان في القرن الثالث عشر ؛ويتكون الدير من مستويين يصل بينهما سلم .
ويضم المستوي السفلي كنيسة بها معمودية وبيوت للضيافة .
ويعلو هذه المنطقة حصن كبير (بني ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادين)
ولقد بنيت الكنيسة في القرن الحادي عشر الميلادي علي شكل مستطيل تعلوه قباب ……. وترجع الجداريات ؛من حيث التقليد إلي القرنين الحادي عشر واالثاني عشر الميلادين .
ويوجد في أقصي غرب الكنيسة مدخل لمغارة في الصخر ( ربما كانت جزءا من محجر) كانت تستغل مقرا لإقامة أحد النساك .
وترجع المغارة إلي القرون الأولي للمسيحية ؛ولا تزال تحتفظ ببعض الرسومات التي ترجع للقرنين السادس والسابع الميلاديين .
وجدران المغارة مزينة بصف من القديسين ؛بينما السقف عليه أشكال هندسية بها صور نصفية لقديسن .
ومن المحتمل أن يكون الأنبا هدرا قد سكن هذه المغارة ” ( المرجع السابق ؛ الركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1488 ؛ صفحة 308 ).
كما صدر ايضا كتاب “تاريخ المسيحية وآثارها في أسوان والنوبة ” للاستاذ نبيه كامل داود ؛ والدكتور عاطف نجيب عن مؤسسة القديس مارمرقس لدراسات التاريخ القبطي ؛ حيث قدما دراسة شبه متكاملة عن دير الأنبا هدرا بغرب أسوان قالا فيه ” يقع هذا الدير علي تل مرتفع بالجهة الغربية من النيل امام مدينة أسوان ؛ وعلي بعد 1200 متر عن الشاطيء وإلي الشمال قليلا من مقبرة اغاخان . …… وكنيسة الدير أيضا تبلغ مساحتها 28 مترا طولا و18 مترا عرضا ؛ ويتكون صحنها من قبتين متجاورتين تمتدان من الشرق إلي الغرب ….. والهيكل علي شكل رأس الصليب ؛تعلوه قبة نصف كروية …… ومن خلال دراسة شواهد القبور التي وجدت بارضية الكنيسة ؛وجد أنها يرجع بناؤها إلي حوالي القرن التاسع أو العاشر الميلادي .
أما عن الرسوم الجدارية بالدير فهي تمتليء بكم هائل من الرسوم الجدارية ما زال باقيا حتي اليوم ؛ففي اعلي الحنية الرئيسية للهيكل يوجد رسم للسيد المسيح ضابط الكل ؛وحول العرش يوجد يقف وكان واحد عن يمينه وآخر عن يساره .
وفي الهيكل توجد تصويرة تضم الاربعة والعشرين قسيسا وهم جلوس متجاورين بعضهم البعض؛ ورسوم للسيدة العذراء مريم تتوسط ملاكين بالجانب الغربي للهيكل .
ثم السيد المسيح وحوله التلاميذ .
وما يذكره أيضا دي مورجان في أواخر القرن التاسع عشر أنه رأي تصويرة تضم الأثنين وسبعين رسولا في الناحية الغربية من الجناح الشمالي للكنيسة” ( المرجع السابق ذكره ؛ مقاطع مختارة من الصفحات 176 – 168 ) .
ولعل أحدث كتاب ظهر كتب عن الدير – في حدود معلوماتي – هو كتاب “المسيحية القبطية في ألفي عام للمؤرخ الالماني “أوتو مينارديس ” ( 1925- 2005 ) ؛ وقام بترجمة الكتاب الدكتور “مجدي جرجس “
ولقد صدر الكتاب عن المركز القومي للترجمة تحت رقم ( 2353 ) حيث قال عنه “بني هذا الدير في القرن السابع ؛وأعيد بناؤه في القرن العاشر ؛ ولكنه تخرب عام 1173 م .
وفي القرن الثالث عشر كان الدير عبارة عن أطلال ؛ وعلي الرغم من تخرب الدير فأنه مهم من الناحية المعمارية ؛ حيث لا زالت عناصره الرئيسية بحالة جيدة ؛ والدير محاط بسور ارتفاعه ستة أمتار ؛الجزء السفلي منه مبني من الحجارة ؛والعلوي من الطوب اللبن ؛ ويتم الدخول إلي الدير عبر بواية ذات برج صغير من ناحية الشرق ؛ وداخل فناء الدير توجد مجموعتان رئيسيتان من المباني .
علي المستوي المنخفض توجد الكنيسة ؛والتي تتكون من صحن وأروقة وخورس ؛ وغرف أوان مقدسة ؛ وكانت قبة الخورس مزينة بصور الاربع وعشرين شيخا المذكورين في سفر الرؤيا ؛ وفي مواجهة الخورس رسم آخر يصور السيد المسيح مع ملاكين ساجدين له ؛وتوجد نقوش قبطية عديدة في غرف حفظ الأواني ….. ( راجع الفقرة عن الدير بالكامل في الكتاب المذكور ؛ صفحة264 ) .
بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1- الأنبا غريغوريوس : القديس الأنبا سمعان الشهير بالانبا هدرا الأصواني والدير المنسوب لأسمه ؛ منشورات اسقفية الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي ؛ سلسلة التاريخ الكنسي وسير الآباء رقم 11 ؛ يونية 1986 الموافق بؤونة 1702 للشهداء.
2- الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها : تاريخ أبو المكارم ؛ 2000 .
3- نيافة الأنبا صموئيل وآخرون :- الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي أسوان ؛ بدون سنة نشر
4- جودت جبرا ؛جيروتود ج .م .فان لوون :- الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1844 .
5- نبيه كامل داود ؛ عاطف نجيب :- تاريخ المسيحية وآثارها في أسوان والنوبة ؛ مؤسسة مامرقس لدراسات التاريخ القبطي ؛ سلسة تاريخ المسيحية وآثارها في أسوان والنوبة ؛
6- بعض المواقع المتناثرة علي شبكة الأنترنت .
7- أوتو مينارديس :- المسيحية القبطية في ألفي عاام ؛ترجمة مجدي جرجس ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم ( 2353 ) ؛ 2019 ؛ صفحة 264 .