بقلم/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 8 كيهك من الشهر القبطي الموافق 17 ديسمبر ( سوف نحتفل به هذا العام فى 18 ديسمبر حيث أنها سنة كبيسة ) بتذكار استشهاد الشهيدة بربارة وصديقتها يوليانة
ميلادها
ولدت في قرية جامس بنيقوديمية “ما يقابل مدينة أزمير التركية الآن علي أرجح الأراء ” وكان ذلك حوالي عام 220 م تقريبا من أب ثري يدعي ديفوروس ؛ وهو رجلا وثنيا شديد الكراهية للمسيحيين ؛ وعندما رأي والدها جمال ابنته خاف عليها من الفتنة ؛ فبني لها قصرا ضخما وأحاطه بحرس ؛ وفتح لها نافذتين للتهوية في الحمام الخاص بها ؛ ولقد كانت بربارة محبة للقراءة والتأمل ؛ فشدها فكرة وجود خالق لهذا الكون العظيم
وأخذت تبحث عنه في كتب الفلاسفة ؛ وعندما سمعت بزيارة العلامة السكندري الشهير “اوريجانوس ” ( 185- 254 م ) للمدينة ؛ طلبت مقابلته ؛ فقام بتبشيرها بالعقيدة المسيحية حتي آمنت وأعتمدت دون أن تخبر والدها بهذه التحولات الكبري في حياتها ؛ ثم قامت بقتح نافذة ثالثة في حمام منزلها حتي يصبح علي مثال الثاوث القدوس
كما قامت بوضع علامة الصليب علي حوض الماء الموجود بالحمام الخاص بها ؛ وعندما زارها والدها في القصر ذهل لهذه التغيرات ؛ فسأل عن معناها ؛ وعندما علم أنها آمنت بالمسيحية جن جنونه
فقام بضربها وشدها من شعرها ؛ وعندما أستل سيفه ليقتلها ؛ هربت من وجهه ؛ وتقول الرواية أنه أعترض طريقها حجرا كبيرا ؛ فأنشق أمامها بطريقة معجزية حتي عبرت وسطه ؛ ثم عاد الحجر إلي طبيعته ؛ أما والده فالتف حول الحجر وقبض عليها ؛وفي ثاني يوم سلمها إلي الوالي ويدعي “مرقيان ”
فقام بملاطفتها في البداية محاولا إقناعها بالرجوع عن المسيحية ؛ فلما رأي إصرارها علي إيمانها ؛ فقام بجلدها بالسياط حتي سالت منها الدماء ؛ ثم مشط جسدها بأمشاط حديدية ؛ ثم أمر الوالي أن يعري جسدها وتسحل في شوارع المدينة ؛ فأرتاعت القديسة من الأمر
وصرخت إلي الله أن يستر عليها جسدها ؛ فكساها الرب بثوب نوراني ستر جسدها ؛ وعندما رأت صديقتها ” يوليانة” حالتها هكذا ؛ بكت من أجلها كثيرا ؛ وعندما شاهدها الوالي وهي تبكي ؛ أمر أن يقبض عليها هي أيضا
وألقاهما معا في السجن ؛ وفي الصباح خرجت الفتاتان إلي خارج المدينة لقطع رأسهما ؛ وبلغت قساوة القلب والتجبر عند الأب أن يطلب هو نفسه أن يقطع رأسها بيده ؛ وبالفعل تجرد الأب من الحنان الأبوي الطبيعي
وقام بقطع رأسها بنفسه ؛ وقام السياف بقطع رأس صديقتها يوليانة ؛ ولكن الله أنتقم من والدها ؛فهبت عليه صاعقة سحقته وهو في طريق رجوعه من الجبل إلي المدينة ؛ ونالت الفتاتان أكليل الاستشهاد في يوم 8 كيهك كما ذكرنا في المقدمة .
كنيستها الأثرية بمصر القديمة
أما عن كنيستها الأثرية بمصر القديمة ؛ فهي أحدى الكنائس الموجودة داخل حصن بابليون ؛ ولقد تأسست في القرن الرابع الميلادي وأوائل القرن الخامس الميلادي ؛ وتبلغ مساحتها 26 x 14,5 م وأرتفاعها 15 مترا ؛ ويغطي صحن الكنيسة والهيكل الأوسط سقف خشبي جمالوني الشكل
وتحتوي الكنيسة علي أنبل رخامي يتكون من مقصورة مستطيلة الشكل محمولة علي 10 أعمدة رخامية .
وتتميز الأحجبة الخشبية بتطعيمها بزخارف هندسية جميلة ترجع للقرن الثالث عشر الميلادي .
ما كتبوه عن الشهيدة بربارة وكنيستها الأثرية بمصر القديمة
ولقد كتب عنها العلامة المقريزي في موسوعته فقال تحت أسم “كنيسة بربارة ” (كنيسة كبيرة جليلة عندهم ؛ وهي تنسب إلي القديسة بربارة الراهبة وكان في زمانها راهبتان بكران . وهما إيسي وتكلة .
ويعمل لهن عيد عظيم بهذه الكنيسة يحضره البطريق “يقصد البطريرك ” ).
كما ذكر ضمن أديرة النساء تحت عنوان “دير بربارة ؛ فقال عنه “ويقول انه دير للنساء بجوار كنيسة بربارة ؛عامر بالبنات المترهبات” .
ولست أدري حقيقة هل هو يقصد دير مارجرجس للراهبات الموجود حتي الان داخل حصن بابليون ؛ وأختلط الأمر علي المقريزي فظن أنه علي أسم القديسة بربارة ؟! ؛ أم كان يوجد دير آخر للبنات علي أسم بربارة وقد أندثر الآن؟! .
كما ذكرها الرحالة الفرنسي فانسليب (1635- 1679 ) قال عنها (ثم هناك أيضا كنيسة القديسة بربارة ؛ وبعد ذلك قمت بزيارة كنيسة الست بربارة وقيل لي أن جسدها موجود علي يسار الهيكل .
والكنيسة كبيرة ومضيئة ولذلك فهي تظهر وكأنها أجملهم ) .
كما كتب عنها العالم المؤرخ الانجليزي الشهير ألفريد بتلر (1850- 1936 ) في كتابه عن تاريخ الكنائس القبطية القديمة في مصر .
ولقد قام بتلر بزيارة تلك الكنيسة عام 1882 م ؛ وشاهد فيها أفريز خشبي ويظهر به مناظر حيوانات وغزلان وأرانب وحيوانت مفترسة كالأسد ثم أشكال لطيور جارحة كالنسر .
كما كشف أيضا عن رسوم جصية علي الجدران عليها رسوم صلبان ودوائر وأغصان ؛وبعض الرسوم لمارجرجس وأبو سيفين ؛وتحت الرسوم وجد نصوص قبطية غير مكتملة .
وعندما زارها مرة أخري عام 1884 ؛ وجد أن جميع جميع تلك الرسوم والفريسكات قد تهدمت وأزيلت !.
أما عن النصوص القبطية التي وجدها ؛فلقد قام الدكتور مونييه أمين مكتبة المتحف المصري في ذلك الوقت بقراءتها وترجمتها ؛ وكانت تحتوي علي ثلاث تواريخ هامة هم 840 للشهداء ؛874 للشهداء ؛ أما التاريخ الثالث فهو غير واضح غير أنه أقرب إلي التاريخين السابقين .
أما السنين بالتاريخ الميلادي فهي 1124 م ؛ 1158 ؛والتاريخ الثالث يحتمل أن يكون 1114م .
“بالحساب يكون التاريخ الثالث الغير الواضح هو 380 ؛وذلك بطرح 1114 – 284 ؛ وهذا قطعا بالتقريب لأنه طالما التاريخ المكتوب غير واضح فمن الصعب التخمين بدقة ” .
وعن تاريخ الكنيسة يذكر الدكتور رؤوف حبيب ( 1902- 1979 ) المدير الأسبق للمتحف القبطي في كتابه عن الكنائس القبطية القديمة بالقاهرة .
فيقول عنها أنها تعرضت للهدم والتدمير في القرن العاشر الميلادي ؛ ثم أعيد بنائها مرة أخري علي يد أحد وزراء القبط في الدولة الفاطمية ويدعي “يوحنا الأبح ” وكانت له منزلة كبيرة عند الخليفة ؛فغار منه كبار رجال الدولة
وحقدوا عليه ظلما وعدوانا فأتهموه بالخيانة العظمي ؛ وعندما تحقق الخليفة من براءته وأراد أن يصالحه ؛طلب منه الأبح التصريح له بإعادة بناء أبو سرجة ؛ فسمح له ؛وعندما أنتهي من بناؤها وجد أنه مازال معه بعض المونة ما يكفي لبناء كنيسة أخري ؛ فأعاد بناء كنيسة القديسة بربارة بدون تصريح من الخليفة ؛فشكاه حساده إلي الخليفة
الذي طلب منه سرعة هدم أحدي الكنيستين ؛ فأحتار الأبح أي من الكنيستين يمكن أن تهدم ؛فأخذ يجري بينهما في رعب وخوف وحيرة ؛وعندما أعياه التعب سقط ميتا بين الكنيستين ؛ فلما علم الخليفة بتلك القصة حزن عليه جدا ؛وتكريما له أمر بالبقاء علي الكنيستين
وقال “أنني أمرت ببناء الواحدة وقد وهبت الثانية دية له ” ولعل هذا هو السر في التطابق التام الذي يراه المشاهد بين كنيستي أبي سرجة والقديسة بربارة .
ومن أجمل الأثار التي عثر عليها باب خشبي مكون من دلفتين عوارضهما من خشب الجميز ويرجع تاريخه للقرن الرابع /الخامس الميلادي ؛ أما حشواته فهي من خشب الجوز غالبا؛ لقد عثر عليه مرقس باشا سميكة مؤسس المتحف القبطي ( 1864- 1944 ) إذ وجده محفوظا بين الجدران أثناء قيامه بعملية ترميم للكنيسة
ومازال هذا الباب محفوظا في المتحف القبطي حتي الآن وهو يحمل رقم 778 .