بدأت في الثالث من ديسمبر السفارات والقنصليات المصرية في الخارج في استقبال المصريين ممن لهم حق التصويت في الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، والتي جرى تبكيرها عن موعدها الدستوري في مارس المقبل لتكون نهاية هذا العام دون مبرر سياسي ملح.
وفي هذا الصدد قرر حزب العيش والحرية بعد مداولات حزبية عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لما شابته المرحلة الأولى من تلك الانتخابات من انتهاكات جسيمة ضد حق المواطنين في تحرير نماذج التأييد الشعبي للمرشح الذي يرغبون تأييده.
ما أدى إلى استبعاد أحد المرشحين وهو النائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي.
لم يكن استبعاد طنطاوي وحده سبب قرار الحزب بعدم المشاركة وإنما يعود كذلك إلى موقف الحزب الذي عبر عنه للمرة الأولى في بيانه بعنوان “الانتخابات الرئاسية فرصة للتعافي والخروج من الأزمة.. أم محطة جديدة لتردي
وتبديد الأمل” أكد من خلاله أن العقبة الحقيقية أمام أي انتخابات جادة يمكنها أن تكون فرصة لتعافي المجتمع وتجربة سياسات أخرى بديلة يمكنها أن تعيد الأمل إلى جموع المواطنين، هو ترشح الرئيس السيسي لدورة انتخابية جديدة، ما يفقد أجهزة الدولة بالضرورة حيادها ويفقد العملية برمتها النزاهة والتعددية، وهو الأمر الذي أكدته المشاهدات التي برزت في المرحلة الأولى من الانتخابات.
فبينما أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات المواعيد الرسمية للعملية الانتخابية فقد جاءت تلك المواعيد مفاجئة ومضغوطة بما لا يفسح المجال لكافة المرشحين وحملاتهم في الحركة والنشاط والوصول إلى جمهور المواطنين.
كما حددت الهيئة عدد ضعيف من مكاتب الشهر العقاري حول الجمهورية مقارنة بالتوزيع الجغرافي والكثافة السكانية، إذ بلغ عددهم 217 مكتبا مخصصا لاستقبال المواطنين الراغبين في تحرير نماذج التأييد للمرشحين المحتملين انتخابات الرئاسة.
وتجاهلت الهيئة عشرات الشكوى من المواطنين وحملات المرشحين حول الانتهاكات التي تعرضوا لها لمنعهم من الوصول إلى مكاتب الشهر العقاري، سواء باستخدام البلطجية المتجمهرين أمام المكاتب أو حتى عن طريق تعنت الموظف المختص بدعوى تعطل النظام المميكن.
وقد تعرضت وكيلة مؤسسي الحزب إلى نفس الانتهاكات أثناء قيامها بتحرير نموذج التأييد الخاصة بها، وجدير بالذكر أن تم حفظ التحقيقات دون استدعائها أو سماع أقوالها.تأتي الانتخابات الرئاسية
في ظل سياق عام خانق ومجال عام مؤمم ومحاصر، وبينما توقع الكثيرين انفراجة سياسية بعد دعوة الرئيس السيسي في أبريل من العام الماضي القوى الحزبية والشبابية إلى حوار سياسي من أجل التوصل إلى اتفاق حول أولويات العمل الوطني في المرحلة المقبلة، وهو ما سبقه وقف العمل بحالة الطوارئ وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي والإفراج عن أكثر من ألف سجين رأي بين محبوسين احتياطيا أو محكومين.
إلا أن كل تلك الخطوات يمكن القول إنها كانت للاستهلاك الشعبي وتهدئة الضغوط الدولية المتزايدة وتشككات الحلفاء الإقليميين والدوليين في قدرة إدارة السيسي على تجاوز أزماتها الهيكلية المزمنة التي راكمتها سنوات من السياسات الفاشلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
كما أن كل تلك الخطوات لم تعكس إرادة سياسية جادة لفتح المجال العام وإحداث انفراجة سياسية حقيقية، إذ تم تفريغ الحوار الوطني من مضمونه، وتحول إلى مجموعة من جلسات الاستماع، وأصبح فقاعة معزولة عن كل ما حولها، وانتهى مشهد الحوار على انسحاب كثير من القوى المشاركة أو تجميد مشاركاتهم نظرا لما رأوا من عدم جدية السلطة السياسية في إجراء تغيرات مهمة في السياسات التي ينتهجها.
ومن جديد يبدو أننا أمام إعادة إنتاج مشهد انتخابات الرئاسة عام 2018 وهو الأمر الذي حذر منه الحزب في أكثر من موقف، لما قد يمثله ذلك من عبئ هائل على البلد والمواطنين، نظرا للأهمية الكبيرة التي يحظى بها منصب رئيس الجمهورية في معادلات الحكم في البلد، وأن فقدان جمهور المواطنين أي أمل في التغيير السلمي، مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى درجات غير مسبوقة، في ظل موجات التضخم المتتالية خلال السنوات العشر الأخيرة والتي انتجت جنبا إلى جنب مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية
مزيدا من الأفقار والعوز، يدفع بالبلد إلى مصير أكثر ظلمة مع تعاظم فاتورة الدين الخارجي واشتراطات مؤسسات التمويل الدولية.
وقد جاءت حرب غزة لتقضي تماما على أي اهتمام شعبي بالانتخابات الرئاسية ومجرياتها، بدلا من أن تزيد من أهميتها، وينتظر ان تشهد الانتخابات في الداخل عزوفا ملحوظا من جمهور المواطنين
وهو ما يزيد من معدلات الكبت السياسي التي تنعكس على مزيد من التفسخ المجتمعي والغضب المكتوم، ما يدفع حزب العيش والحرية إلى التحذير مجددا من عواقب استمرار مشهد الانتخابات المسرحي وانعكاساته على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في مصر.