د. ماجد عزت إسرائيل
افتتح قداسة البابا تواضروس الثاني،يوم السبت٨ هاتور ١٧٤٠ش/ ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣م. ، كنيسة القديس يوحنا المعمدان بمدينة الخَيَّالَة، بحي البساتين التابعة لقطاع كنائس مصر القديمة، ودشن مذابحها وأيقوناتها، ليصل عدد الكنائس التي تدشن بيد قداسته منذ تنصيبه بطريركًا ١٨١ كنيسة.
وتحل اليوم الذكرى الحادية عشرة لتنصيب قداسة البابا تواضروس الثاني بابا وبطريركًا على كرسي القديس مار مرقس الرسول ليصبح البابا الـ ١١٨ في سلسلة باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ودقت أجراس الكنيسة ترحيبًا بقدوم قداسة البابا، واستقبلته طفلة بباقة من الزهور، وأزاح قداسته الستار عن اللوحة التذكارية التي تؤرخ لتدشين الكنيسة، والتُقطت له صور تذكارية أمام اللوحة وإلى جواره صاحبي النيافة الأنبا دانيال مطران المعادي وسكرتير المجمع المقدس، والأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس قطاع مصر القديمة، وكاهني الكنيسة، ومجلسها.
ثم دخل قداسة البابا إلى الكنيسة يتقدمه خورس الشمامسة، وهم يرتلون ألحان استقبال الأب البطريرك، وسط عبارات الترحيب والزغاريد من قبل شعب الكنيسة.
وصلى قداسته والآباء المطارنة والأساقفة صلاة البخور الثالث للتدشين، حيث تم تدشين المذبح الرئيس بالكنيسة على اسم القديس يوحنا المعمدان، والمذبح البحري على اسم القديسين القوي الأنبا موسى والأنبا كاراس السائح، والمذبح القبلي على اسم الشهيدين أبسخيرون القليني ومار بقطر بن رومانس.
ودُشِنَت كذلك أيقونة البانطوكراطو في شرقية الهيكل، وأيقونات حامل الأيقونات (الأيكونوستات) والأيقونات الموجودة في صحن الكنيسة.
وألقى قداسة البابا كلمة عقب التدشين قدم في بدايتها الشكر لله قائلاً: “نشكر لله الذي يعطينا نِعم جديدة في كل صباح ويبارك حياتنا بأعماله، ونشكره على السلام الذي في بلادنا وعلى المحبة التي تربط كل المصريين معًا”.
وأضاف: “محبة في أرض هذا الوطن وفي تراب هذا الوطن، وكما نعلم أن مصر هي التي علّمت العالم فن الأعمدة، ففي عصر الفراعنة أقامت المسلّات وكانت المسلّات في كل ربوع مصر، وفي العهد المسيحي والأزمنة المسيحية كانت المنارة، المنارة التي تُعبر عن الكنيسة، ثم في العصور الإسلامية كانت المئذنة، ومن هذا الفن فن الأعمدة انتقل إلى كل العالم، فلم يكن معروفًا في أي مكان آخر في العالم سوى في مصر”
وعن حياة المصريين قال قداسته: “المصريون أحبوا أن يعيشوا حول نهر النيل، ومن نهر النيل تعلمنا كيف نعيش في وحدة وطنية ومحبة وطنية لتراب هذا البلد العزيز والغالي على الله، ودائمًا أقول أن كل بلاد العالم هي في يد الله أما مصر فتتمتع أنها في قلب الله، والعائلة المقدسة جاءت وسكنت في مصر وباركت أرض مصر أكثر من ثلاث سنوات كانت فرصة ونعمة وبركة كبيرة لكل المصريين”
وأشاد قداسة البابا بالإنجازات الجارية حاليًا على أرض مصر، وقال: “نحن نشهد في السنوات الأخيرة إنجازات
كثيرة على أرض مصر في كل مكان وفي كافة المجالات، ومن هذه النِعم الكبيرة أن الدولة أصدرت منذ حوالي سبع سنوات قانون لبناء الكنائس، وهذا القانون كان بعيدًا عن المصريين عشرات السنين، لأن مصر كانت ترتبط في بناء الكنائس بقانون قديم جدًّا من أيام الحكم العثماني ويُسمى (الخط الهمايوني)
وكان هذا يُسبب عارًا لمصر على مستوى العالم كله، كما أنه يثير مشكلات وأزمات وضيقات وفتن، ولكن بعدما قامت الثورة في ٢٠١٣ وبدأ يعتدل ميزان الحياة المصرية، فكان قرار القيادة السياسية بإصدار هذا القانون في سبتمبر ٢٠١٦ ، وصار بناء الكنيسة هو عمل له قانونه وله فاعلياته وله صورته
وصار عملاً من أعمال السيادة في مصر، وهذا أمر في غاية الأهمية، ومنذ ثورة ٢٠١٣ اهتمّت مصر والقيادة السياسية والقوات المسلحة والهيئة الهندسية والحكومة المصرية، ببناء المساجد والكنائس التي تساهم في إعداد المواطن الصالح”
واستكمل: “ولعل من المعالم الجميلة أنه حينما فكرت الحكومة في إنشاء عاصمة جديدة لمصر وهي العاصمة الإدارية، بدأت بالعمل الروحي، فأنشات مسجد كبير وكنيسة كبيرة، وتفضل السيد الرئيس بافتتاحهما في يوم واحد، وهذه كلها علامات قوية على أن الحياة المصرية تُبنى لكيما تكون دولة قوية، بالعمل الروحي، ثم بدأت كافة المشروعات.
وها نحن نرى عاصمة إدارية بمبانيها الفخمة وبعملها وهي مدينة للمستقبل.
من النِعم التي أعطاها الله لنا أن تكون هذه الكنيسة التي اهتمت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنشائها وبنائها في مدينة الخيالة، فصارت مكانًا وموضعًا نخدم فيه ونقدم الصورة الجميلة لمصر”
وأضاف: “باسمكم واسم الأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس مصر القديمة وكل الأحبار الأجلاء الموجودين
أقدم شكرًا خالصًا للهيئة الهندسية ولكل الذين اشتركوا واهتموا وتعبوا في بناء هذه الكنيسة بكل التفاصيل
كما ترونها كنيسة جميلة ومتسعة وفيها خدمات كثيرة ونشكر الله أنها بهذه الصورة، وها نحن اليوم نقوم بتدشينها وافتتاحها كنسيًّا ورسميًّا لكيما تكون في الخدمة وتخدم كل الأسر القبطية الموجودة في هذه المنطقة، وتُعطي الصورة الجميلة وتكون صانعة سلام في هذا المجتمع”
وكرر الشكر: “أشكركم كثيرًا وأشكر كل الآباء الحضور وأشكر الأحباء الحاضرين معنا وأشكر كل ضيوفنا الأعزاء في مشاركتهم في هذه المناسبة الطيبة”.
ومن جهته شكر نيافة الأنبا يوليوس قداسة البابا وكل من تعبوا في بناء الكنيسة، مقدمًا التهنئة لقداسته بمناسبة عيد تنصيبه وتحدث من خلال الآية: “لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ” (جا ٣: ١)
عن منهج التوازن الذي ينتهجه قداسة البابا في قيادته للكنيسة طوال ١١ سنة، إذ يعطي لكل شئ وقت بتوازن سواء الإدارة أو الرعاية أو الأبوة أو الحب أو الحزم (حب حازم وحزم بالحب).
كذلك التوازن في التعليم للأطفال والكبار والشباب والأسرة والرهبان، والتعليم اللاهوتي (الإكليريكية)
والتعليم في مجال الأسرة (معاهد المشورة) ومجال الرعاية (معهد التدبير الكنسي)
وأيضا التوازن بين التنمية والعمل الخيري مشيرًا إلى دعم قداسة البابا المتزايد والمستمر للجنة البر سواء الدعم المالي أو بزيادة عدد المستفيدين منها.
وعُرِض فيلم وثائقي من إعداد المركز الإعلامي للكنيسة القبطيَّة الأرثوذكسيَّة، عن الكنائس التي دشنها قداسة البابا عبر ١١ سنة، والتي بلغ عددها ١٨١ كنيسة في مصر والخارج.
شارك في صلوات التدشين وقداس عيد جلوس قداسة البابا، من أعضاء المجمع المقدس ٣٥ من الآباء المطارنة والأساقفة، ووكيل البطريركية بالقاهرة.
كما شارك في الصلوات عدد كبير من الآباء الكهنة والرهبان، وخورس الشمامسة ورئيسات أديرة الرهبات وشعب مدينة الخَيَّالَة.
وحضر للتهنئة بتدشين الكنيسة ممثلون عن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووكيل الأوقاف بالبساتين.
وحضر كذلك لتقديم التهنئة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ عن مصر القديمة ورئيس حي البساتين ورئيس جهاز مدينة الخَيَّالَة.
وقدم قداسة البابا هدايا تذكارية لكل بذل جهدًا في بناء وتجهيز الكنيسة المدشنة.
وفي عظة القداس تحدث قداسة البابا عن حياة القديس الشهيد يوحنا المعمدان، الذي ربط بين العهد القديم والعهد الجديد، وكانت رسالته أن ينقل اليهودية إلى المسيحية، لذلك حياته تُمثل مثالاً ونموذجًا لنا.
وأشار قداسته إلى أن قوة يوحنا المعمدان التي ظهرت في وقت استشهاده هي نابعة من ثلاث مصادر رئيسية، وهي:
١- أسرته البارة: وكانت تخدم الله بأمانة، وبرغم أن أبوه كان كاهنًا وزوجته إنسانة بارة ولكن الله لم يسمح لهما بنسل لفترة طويلة حتى أعطاهما أعظم مواليد النساء، وجاء يوحنا حاملًا بشارة الخلاص، لذلك كلما كانت الأسرة تعيش في مخافة الله كلما كان أبنائهم وبناتهم أقوياء يقفون أمام إغراءات وتيارات العالم.
٢- اتجاهه للبرية: حيث كرّس نفسه وصار نذيرًا للرب، وعاش في البرية وتعلّم النسك، واستطاع أن يحصل على بركة وقوة البرية، لذلك أعدّه الله لكي يكون الملاك المُهيئ لمجيء ربنا يسوع المسيح.
٣- امتلائه من الروح القدس وهو في بطن أمه: وكان يُنادي على ضفاف نهر الأردن مُشيرًا إلى السيد المسيح “هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!” (يو ١: ٢٩)، ويُعمد الناس ويُنادي بالتوبة، ثم وقف أمام الملك وقال “«لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ»” (مر ٦: ١٨)
وكانت هذه شهادة حق فقُطعت رأسه، ولذلك نسميه “السابق” لأنه سبق السيد المسيح زمنًا و”الصابغ” لأنه عمّد السيد المسيح و”الشهيد” لأنه ختم حياته شهيدًا.
كما تناول قداسة البابا “مراحل الحياة الروحية للإنسان” من خلال موضوع إنجيل قداس اليوم، وهو “دعوة فيلبس ونثنائيل”، كالتالي:
١- “«اتْبَعْنِي»” (يو ١: ٤٣): عندما دعى السيد المسيح فيلبس، وهذه الكلمة وجدت أذن صاغية وطاعة.
٢- “«تَعَالَ وَانْظُرْ»” (يو ١: ٤٦): عندما دعى فيلبس نثنائيل أن يرى بعينيه، وهي تعني اختبار وجود الله مع الإنسان.
٣- “سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا!” (يو ١: ٥٠): وقالها السيد المسيح لنثنائيل لكي يُخبره أنه سيعيش الصليب والفداء والقيامة.
وأوضح قداسته أن هكذا يعيش الإنسان ويتبع المسيح بقلبه، ثم يأتي إلى المسيح وينظر ويتذوق حلاوته “ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!” (مز ٣٤: ٨)، وبعد ذلك يرى أعمالًا صالحة كثيرة يصنعها الله على يديه.
واختتم: “لذلك في مثل هذه المناسبة نتذكر استخدام الله لضعفنا ونشكره ونعلن حبنا “أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي” (مز ١٨: ١).”
وتقع الكنيسة المدشنة على مساحة ٢٠١٧م٢ وتسع حوالي ٨٥٠ مصلي، وأقيمت في مدينة الخَيَّالَة ضمن تطوير الدولة المصرية للمناطق العشوائية حيث نُقِلَ إليها، وما زال، سكان العشوائيات في قلب القاهرة التاريخية ومنطقة مجرى العيون.