فى يناير 1979 تلقيت المخابرات الأمريكية تكليفًا من د.بريجنسكى مستشار الرئيس كارتر لشئون الأمن القومى بتحضير دراسة شاملة عن الحركات الإسلامية الأصولية منها والمتشددة فى جميع أنحاء العالم العربى
على أن تعتمد الدراسة على مصادر بشرية تنتمى إلى هذه الحركات وذلك حتى تعرف الإدارة الأمريكية أفضل الأساليب للتعامل معها وحتى لا تتكرر مفاجأة الثورة الإسلامية فى إيران.
وهى الثورة التى قلبت كل الموازين والحسابات على مستوى العلاقات العربية وعلى مستوى العلاقات الإيرانية العربية والعلاقات الإيرانية المصرية بالإضافة إلى تأثيراتها على خريطة وموازين القوة الدولية.
وضف على ذلك أن الثورة كانت الأثر الكاشف لحقيقة القوى الكاذبة والوهمية للمخابرات الأمريكية.
والتى كانت كافة تقاريرها تؤكد أن إيران ليست فى وضع الثورة أو قبل الثورة وأن الشاه لم يصل إلى مرحلة الشلل أو الفشل فى اتخاذ القرار.
وفجأة جاءت الضربة للمخابرات من حيث لا تتوقع وهذه أخطر ما فى الأمر.
وكان قيام ثورة فى بلد تضع فيها المخابرات الأمريكية أكبر قاعدة تجسس فى العالم على الاتحاد السوفيتى نظرًا للتقارب الجغرافى وأن إيران كانت أقرب نقطة للإمبراطورية الروسية قد جعل السخونة تدب فى الخطوط، فالزحف الإيرانى يمكن أن يصل إلى المياه الدافئة وتحديدًا الإمارات الخليجية حيث أكبر مخزون للبترول تحت أراضيها.
هذه المخاوف والهواجس جعلت الأمريكان يحاولون قدر الإمكان لاستفادة مما جرى فى إيران.
وكانت “مصر السادات” أول دولة صديقة للأمريكان تمارس فيها المخابرات الأمريكية العقد الإيرانية.
فضاعفت من عدد العملاء وفتحت خطوط الاتصالات العلانية والسرية مع كل من يمكن الاستفادة منه مستقبلا.
وفى الوقت الذى كانت المخابرات الأمريكية تفرز العقد الكامنة داخلها على السادات.
كان لدى السادات عقد من نوع خاص مصدرها أن نجاح الثورة الإيرانية قد ضاعف من حجم الأمل فى صدر الجماعات الدينية فى مصر فى ظهور خمينى آخر يخلص مصر من السادات بعد أن وصلت العلاقة بينهم وبين السادات إلى نقطة اللاعودة.
وما بين المخاوف الأمريكية ومخاوف السادات. كان هناك مسافة نما على جانبيها حوار.
الحوار البناء والمثمر بين الإخوان والأمريكان بدأ فى عصر السادات فى عام 1977 والذى كشف طبيعة الاتصالات والحوارات بين الإخوان والأمريكان وثيقة سربتها المخابرات الإيرانية بعد استيلاء الطلبة الإيرانيين لمبنى السفارة الأمريكية بطهران واحتلالها لمدة 444 يومًا.
والوثيقة التى تحمل رقم 1429 وصادرة فى 23 يناير 1979.تؤكد أن مسئول القسم السياسى للسفارة الأمريكية اتصل بعمر التلمسانى والذى أعرب هو ورفاقه عن رضاهم بهذه الاتصالات من خلال مناقشاتهم الصريحة مع مسئولى السفارة وأبدوا عدم خوفهم منها بالرغم من أنها جزء من تغطية المخابرات المركزية لتحضير برنامجها المتعلق بدراسة الحركات الإسلامية.
الاتصالات الأمريكية بالإخوان كانت تجرى تحت مراقبة وعيون أجهزة السادات والدليل هو اعتراف السادات ذاته فى إحدى المؤتمرات الصحفية بهذا. وأمام رؤساء وأساتذة جامعتى أسيوط والمنيا.
حيث وجدها فرصة للرد عما تنشره جماعات الإخوان على لسان مرشدها “عمر التلمساني” فى مجلة الدعوى عن خطة أمريكية للقضاء على الجماعات الدينية، حيث قال: “ما هم – تعود على أمريكا – عايزين التلمساني.
خروج السادات عن صمته وفضحه للمخطط الأمريكى والاتصالات الأمريكية الإخوانية نابع من خوفه أن يختار الأمريكان مرشد الإخوان بديلا عنه فى حكم مصر.
خشية من تكرار تجربة الخمينى فى إيران حيث وصل إلى الحكم ولم تكن المخابرات الأمريكية تعلم شيء وكانت آخر من يعلم.
ومع وصوله ضاعت قاعدة استخباراتية أمريكية كانت تمثل مصدر معلوماتى كبير فى إطار الصراع الروسى الأمريكى فى الشرق.الوثيقة تكشف عن توصية ونصيحة وجهها مسئول القيم السياسى بالسفارة الأمريكية إلى قيادته بواشنطن حيث يقول إن هذه الاتصالات “يجب أن تعزز بعناية وبشكل سري” والسبب أن هذه الاتصالات تجعلهم يقتربون من الهدف وهو معرفة ما يجرى وراء الكواليس ورسم صورة واضحة لأوضاع التيار الدينى الداخلية”.
وبعد النصيحة والتوصية رصد المسئول ملامح الحوار والنقاط التى يجب التركيز عليها فى الفترة القادمة هذه النقاط هى عدم المبالغة فى الحديث عن بدائية الجماعات الأصولية وأن تلين واشنطن فى موقفها تجاه الأصوليين المصريين مع تعزيز الجهود لتطوير الحوار مع قيادة الإخوان المسلمين مع الحذر فى الانتقادات الموجهة ذد أى دولة إسلامية أخرى من قبل أعضاء الكونجرس البارزين، والإخوان المسلمين يتعاطفون كثيرًا مع الفلسطينيين بسبب قضية القدس، وأن اليمين المسلم يوجه الانتقادات للسادات بسبب توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد مع الإسرائيليين وفضله فى الحصول على تعهد باستعادة القدس الشرقية حيث يقع المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
غضب وثورة السادات على اتصالات الإخوان والأمريكان يعود فى المقام الأول إلى إحساسه بالخداع من الطرفين ويقينه الثابت بأنه صاحب الفضل الأول على الطرفين وإيمانه الراسخ بأنه لولاه ما عاد الإخوان للحياة مرة أخرى ولا دخل الأمريكان المنطقة وأحتوى النفوذ الشيوعى ووقف تمدده فى المنطقة العربية وكذلك أفريقيا.
وقصة وصفقه عودة الإخوان للحياة السياسية والشارع والجامعات المصرية هى قصة تحالف الأمريكان وآل سعود ولكنها فى صورة جديدة
بالغزو الروسى لأفغانستان عاد هاجس الخوف المشترك بين السادات والإخوان والأمريكان والسعودية يجمع بين الأربعة مرة أخرى.
وقد عبر كل ضلع من أضلاع الخوف المشترك عن وجهة نظره فى التعامل مع القضية الأفغانية وما هى المخاطر التى يتعرض لها من الغزو الروسى لأفغانستان والمزايا التى قد تعود عليه؟ ففى مصر كان الغزو الروسى لأفغانستان وسيلة من وسائل التقدم خطوة للأمام لإقامة دولة إخوانية، وليس هناك مانع أن يكون انطلاق الصحوة الإسلامية من هناك وبجوار المعقل الشيوعي.
فى السياق ذاته ذاته كانت الحرب الأفغانية بالنسبة للسادات إحدى وسائل تخفيف الضغط الشعبى عليه ووسيلة من وسائل تجميل صورته أمام العالم العربى والإسلامي.
وبالنسبة لأهمية الغزو الروسى لأفغانستان وتأثيراته على الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية.فالاحتلال الروسى كان يمثل تغييرًا فى موازين القوى فى العالم كله وقارة آسيا بصفة خاصة فالغزو يهيئ لموسكو ميزة جغرافية كبرى تمكن السوفيت على نحو أفضل من أن يؤثروا فى القوات الإقليمية كباكستان وإيران. بالإضافة إلى أن وصول الأقدام الروسية لأفغانستان يتيح لها السيطرة على ثلاثة أرباع النفط العاليمة والتى يتركز معظمها فى الحدود السعودية والإمارات المجاورة لها والعراق.
تتمتع المملكة العربية السعودية بين الدول الإسلامية بنوع من المكانة الخاصة والنفوذ المعنوي.
وهذه المكانة تستمدها من وجود المقدسات الإسلامية بالأراضى السعودية ومع الثراء السعودية كان دائمًا هناك هاجس من وصول الأفكار الشيوعية إلى منطقة الجزيرة وإن من شأن هذه الأفكار زعزعة الاستقرار وتهديد عرش آل سعود.
لذا فإن السعودية ومنذ بداية ظهور الروس كقوة عظمى فى العالم تعاونوا مع الأمريكان فى مخططهم الرامى إلى احتواء النفوذ الروسى فى منطقة الشرق الأوسط.
وكان الوصول الروسى إلى أفغانستان تهديدًا مباشرًا لاستقرار الخليج العربى بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة فالسيطرة الروسية تعنى أن أفغانستان ستكون نقطة انطلاق ناحية الخليج العربى ومنطقة الجنوب الآسيوى ومضيق هرمز.
بالإضافة إلى ذلك فإن السيطرة الروسية تعنى حصول الروس على منطقة أكثر تقدمًا ناحية الخليج العربى فى وقت تمر المنطقة بحالة عدم استقرار نتيجة الثورة الإيرانية والصراع الدائر بين أنصار الشاه والخميني
والسعودية باعتبارها أكبر حليف للغرب فى المنطقة العربية وبها أكبر القواعد الجوية والخطر الروسى يهددها كما يهدد مصالح الغرب فإنها لا بد وأن تلعب دورًا مءثرًا فى دعم المقاومة الأفغانية دورًا يختلف عن باقى الأدوار دورًا تستمده من وجود المقدسات الإسلامية بأراضيها بجانب الوفرة المالية بخزائنها.
وبالفعل لعبت السعودية دورًا مختلفًا عن باقى المساهمين فى دعم المقاومة الأفغانية.فمن خلال وجود المقدسات الإسلامية بالراضى السعودية.
تحولت البواعث وراء المقاومة الأفغانية إلى حرب لتحرير أرض مسلمين من يد كفار، وتحولت المقاومة إلى نوع من الجهاد الإسلامى ضد المشركين
المصادر الجهاد الاخوانى ..محمد قطبانا والاخوان:فؤاد علام
ايمن الظواهرى الذى اعرفه منتصر الزيات
خريف الغضب :هيكل