ماجد سوس
ماذا رأي الناس في يسوع وهو يمشي بينهم في الأرض، حين اقتربوا منه وتعاملوا معه. ماذا رأت الجموع حين اقتربت من بطرس ويعقوب ويوحنا أو من بولس وبرنابا حين خدموا واسسوا الكنائس وأقاموا اللقاءات والقداسات ودروس الكتاب واجتماعات الصلاة.
ما الذي جذبهم في الراعي وجعلهم يحرصون أن يلتفوا حوله.
تساؤلات كثيرة تدور في داخلي هذه الأيام مع كثرة عدد الرعاة والرعية متزامناً مع إزدياد.
وسائل التواصل والاتصال. سأدخل يا أحبائي في الموضوع مباشرة بنية صافية وغيرة مقدسة منزهة من فكر الإدانة أو التحزبات. المجتمع اليوم في حاجة إلى راعي يمسك بيده ويحنو عليه، يقوده في هذه الأيام القاسية التي يمر بها متألما من أتعاب الحياة، من الغلاء والوباء والأمراض الجسدية والنفسية، بل والروحية ايضاً.
راعي يبحث عن الضال وينتشله من الضعف والخطية والإثم المنتشرين حوله كالماء والهواء، يرفعه من اليأس والقلق وفقدان الثقة والعثرات والانحلال الخلقي والطلاق والتمزق الأسري والبيوت المتصدعة.
هل ترك الراعي رعيته وراح يجلس أمام وسائل التواصل الاجتماعي مسرفا وقته الثمين في البحث عن أخطاء الآخرين وفضحها بدلا من سترها، مفتخرا ببياناته وآراءه وتعاليمه تاركا مثال المسيح المتضع منصتاً للمديح والتبجيل، مبتهجا من أتباعه الذين نشروا له صورا بجانب تعبيراته واقاموا له صفحات بمسميات محبي فلان وعلان وتركهم يقولون عنه هذا أسد وهذا نسر وهذا عظيم العظماء والعظيم في كذا وتناسوا ان مجد الراعي اتضاعه، عظمته في إخفاء ذاته، نجاح خدمته في غسل الأرجل.
هذا يلقب بأثناسيوس لأنه يدافع عن بعض الآراء الإيمانية أو العقيدية ولم يأخذ من أثناسيوس أنه تعلم النسك من أنطونيوس، كما ذكرت سيرته، فهل أنت أثناسيوس بلا نسك.
أثناسيوس حين علم أنه سيرسمونه أسقفا على الإسكندرية هرب واختفى في الجبال حيث شعر أنه لا يستحق فأتو به عنوة، فهل تشعر أنك مثله غير مستحق. اسمع ما يقوله أثناسيوس في إحدى مقالاته الذهبية:
” لم تكن إرادة المسيح مطلقًا، حينما وهب لنا هذا العالم أن نفكر في الأرضيات، بل أن نتحد به ونفكر فقط في الصليب الذي صلب عليه واحتمله، وأن نتمسك بالاهتمام بالليل والنهار بالتسبيح والتمجيد والترتيل له بدون توقف، لكي تستطيع العين أن تستنير بالبصيرة، ونعرف مشيئته، وأعماله، ونحتفظ بقلب بسيط، وفكر نقى.
وكما عطف علينا، وكان متحننًا وشفوقًا معنا، هكذا نتبعه نحن أيضًا إلى النهاية. وكما كان وديعًا وهادئًا وصبورًا، ولم يُجازِ الشر بالشر، واحتمل إهانات كثيرة، وصبر على كبرياء اليهود، هكذا نتبعه نحن أيضًا إلى النهاية.
” الحب والاتضاع هما سلاحا الراعي والخادم، هما ميزان رعايته إن اختلا إحدى كفّتيه اختلت الرعاية.
منذ سنوات سام قداسة البابا تواضروس الثاني، حفظه الرب، راهبا عالما تقيا، راعيا على دير القديس أنبا مقار بوادي النطرون باسم الأنبا إبيفانيوس بعدها تصور الرهبان والشعب أن سيكون للأسقف مقرا وسكرتيرا وراهبا يخدمه ولكنه طلب ان يبقى في قلايته كما هي وان لا يأتي أحد ليخدمه وطلب من إخوته الرهبان الذين اصبحوا أولاده الروحين أنه مازال أخيهم وطلب منهم بإلحاح ألا يقولوا له سيدنا بل ابونا الأسقف وأن لا يستقبلوه في الصلوات بزفة أو يقولون له ألحانا لمدحه وطلب أن تعود فكرة الميطانيا لأصلها فهي تقام بين الرهبان في حالات خاصة محدده حين يشعر الراهب انه أخطأ في حق زميله وكان يرفض تماما أن يضرب له احد الزوار الميطانيا وكان يقول ان ضربت لي ميطانيا سأضرب لك ميطانيا أيضا. كان الأنبا إبيفانيوس يستقبل الزوار دون عصا ولا عمة الأسقف وكان يقدم لهم صينية الشاي بنفسه حتى لا يبجله الناس ويسرق مجد المسيح.
بعيدا عن كل هذا حين سئل لماذا لا تطرد الراهب الذي يهينك دائما كان يقول كيف نكون اباء روحيين إن لم نحتمل الضعفاء. وحين فتحوا قلاياته بعد نياحته وجدوه كان ينام على الأرض وبجانبه مجموعة من الكتب.
يا أحبائي الشعب الآن يريد الراعي الأب الذي يغفر ويسامح ويحتمل ويستر عيوب الآخرين. الشعب يريد الراعي الذي يحرص أثناء القداس والصلوات ان يلتقي كل مصلي بالمسيح ويحيا به، ما أجمل الراعي الذي حين يهتف الشماس، أسجدوا لله بخوف ورعدة، يقول منفضلكم يا اخوتي واولادي هذه لحظة حلول لروح القدس فتكلم معه واطلب ان يحل عليك ويملئك. الشعب يريد الراعي الذي لا يخرج من بيته قبل ان يجلس في خلوة عميقة مع الله يمتلئ فيها بالروح ثم يفتقد شعبه ويصلي معهم صلوات قلبية تهتز معها روحه وأرواحهم.
صلوات تشفي الأمراض، تطرد الأرواح الشريرة، تطرد روح الخصام والحزن روح الفشل والخوف، صلاة تحرر من رباطات العدو.
يفتح كلمة الله ويفسرها باتضاع وتقوى مُظهرا مجد المسيح فتدخل إلى أعماق النفس فتشبع أرواحهم وتفرح بلقاء المسيح.
ارجوا من آبائي أن يحاللوني ويصلوا من أجلي ويحتملوني لأن الرب قريب والحصاد كثير.