إبراهيم عبد المجيد
قرأت أيام الشباب كتب المؤرخين القدامى عن مصر، مثل ابن إياس أو المقريزي أو الجبرتي .
كان الجبرتي في موعده مع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 وإبان عهد محمد علي، ومن ثم ما كان يكتب عنه في كتابه “عجائب الأثار في التراجم والأخبار” هو حصاد حوالي ألف عام وتعاقب دول عديدة علي مصر بعد الأمويين والعباسيين مثل دولة المماليك والعثمانيين اللتين شغلتا أكبر مساحة في الزمن.
لم تكن كتب هؤلاء مما يمكن اتهامها باعتبارها التاريخ هو تاريخ الحكام فقط ، فلقد اتسعت في كتبهم مساحة للشعب والناس العاديين وحياتهم وغرائب الأفعال والأعمال والجرائم والسحر والشعوذة وغير ذلك.
أي لم يصوروا هذه العصور باعتبارها هدية الحكام العظيمة فقط ، بل بدوا مشغولين أيضا بحياة الناس حتي أنك تستطيع أن تخرج من كتبهم بعشرات الروايات والأفلام والمسلسلات إذا شئت.
أنظر حولي في مصر الآن وأرى وقائع لم تعد في حاجة إلي باحث أو مؤرخ، لكن تكشفها السوشيال ميديا في لحظتها، منها جرائم قتل تتكرر للنساء والفتيات لمجرد أنها لم توافق علي الزواج من القاتل أو من أحد من أهلها.
فيديوهات بشكاوي البسطاء من المصريين من غلاء الأسعار الذي فاق كل توقع وكل زمان وكان سببا في انتحار البعض.
رغم ذلك ففي هذه الحالة الصعبة يحول المصريون الألم إلي نكت يسستعينون بها على الحياة بالطبع، وخاصة في حالة غلاء الأسعار، بعد أن أصاب الأغلبية من المصريين ما يمكن تسميته باكتئاب الشراء. أقصد به اكتئاب من يذهب لشراء الطعام أو غيره رجلا أو امرأة .
كل الأطعمة ارتفعت أسعارها بجنون ولم تعد في قدرة البسطاء، ولا حتى الطبقة الوسطى التي انحدرت إلى الفقر.
لكن هذا لم يمنع شخصا من نشر صورة فوتوشوب لفريد شوقي وكوكا في فيلم “عنتر وعبلة” وهو يسألها” إيش يريد أبوكي مهرا لك ياعبله ” فتقول له ” ألف بصلة ” والحكاية طبعا في التاريخ ألف ناقة ! صارت البصلة هدفا بعد أن ارتفع سعر البصل إلى أرقام غير متخيلة وصلت إلى ثلاين جنيها للكيلو جرام، أي أن البصلة الواحدة بأربعة جنيهات، وهي التي كان يُضرب بها المثل على ما لا قيمة له ” مايساويش بصلة”.
أو تكتب فتاة في كلية الفنون أنها لم تعد قادر على شراء الألوان لترسم وليس أمامها غير الزواح من سمير أو علي . و”سمير وعلي” هو اسم اشهر المكتبات لبيع الكراسات وأدوات الكتابة في مصر.
آخر المشاهد التي لم يحلم بها الجبرتي مشهد أعداد من الفقراء تم جمعهم في صوان ليقوموا بعمل توكيل للرئيس الحالي للانتخبات القادمة، ويغنون مع شادية أغنية “ياحبيبتي يا مصر” ويصفقون، وبينهم امرأة عجوز تغني وتصفق ثم تقول فجأة بعد أن طال الانتظار “هاتو الكرتوبة بأه”.
والكرتونة هي ما سيعطونهم من الطعام في الكراتين ثمنا لتوكيلاتهم أو أصواتهم فيما بعد.
لو عاد الجبرتي الذي كتب عن غرائب الأحداث لأحس أنه لم يكتب شيئا.
والسبب بسيط جدا أن ما كتبه الجبرتي كان نتيجة ألف عام من الظلم ولا أحد يعرف شيئا إلا بالصدفة، لكن الآن وقد صار العالم هاتفا جوّالا، فأي كتاب للجبرتي سيتسع لهذا كله.