هل وزير الأوقاف فوق القانون، أم إنه لا يُسأل عما يفعل، أم إن بقاءه عقدًا كاملاً من الزمان على رأس وزارة الأوقاف مبرر لأن يفعل ما يشاء، أم إنه يستغل ثقة الرئيس فيه؛ فيرفع أقوامًا ويقهر آخرين دون ضابط أو رابط أو وازع من ضمير؟ الشكوى من وزير الأوقاف مسلسل لا تنتهي حلقاته، والدعاء عليه آناء الليل وأطراف النهار عرض مستمر، لا فرق في ذلك بين إمام حديث التخرج، أو آخر يفصله عن سن المعاش أيام قلائل، يفعل كل ذلك بقلب ميت، فليس مسموحًا لأحد أن يراجعه في شيء، أبوابه مغلقة في وجه الشاكين، ومعاونوه في الوزارة مجرد سكرتارية تنفيذيين لا أكثر ولا أقل، وإن تجرأ أحدهم وتشفع لمظلوم فإنه قد يتعرض لجرعة مضاعفة من الظلم والتعسف.
والمؤلم في الأمر أن كثيرًا من الشاكين يتملكهم الخوف الشديد من الإفصاح عن هوياتهم أو أسمائهم؛ حتى لا يتعرضوا لمزيد من القهر والتشريد!! وفيما يلي أربع شكاوى تختلف في مضامينها وتفاصيلها، ولكنها تتفق جميعًا في أن الوزير يتعامل مع مرؤوسيه بكثير من التعالي والغلو والغرور والعنجهية، التي لا تليق برجل ينسى نفسه كثيرًا، فيخطب في الناس عن مكارم الأخلاق والتأسي بسُنة النبي الكريم وصحابته الأكارم..أتأمر الناس بالبر وتنسى نفسك معالي الوزير؟
هذه المشاكل المستعصية أصابت حياة أصحابها بالشلل التام، فما أصعب على شاب في مقتبل الحياة أو رجل يقترب من المعاش من الإحساس بالقهر والظلم والدونية! أحدث هذه المشاكل..أبطالها مجموعة من شباب الخطباء الذين خضعوا للاختبارات في مسابقة وزارة الأوقاف التي التأمت في العام الماضي، وأعلنت الوزارة اجتيازهم جميع الاختبارات، وخضعوا للكشف الطبي بمستشفى الدعاة، ونشر الوزير أسماءهم على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ولكن انتهى أمرهم عند ذلك، وأصبحوا كـ”البيت الوقف”، وتأكل قلوبهم الحسرة؛
خاصة أن زملاء آخرين رافقوهم في الاختبارات تم تعيينهم، واستقبلهم الوزير اليوم في مسجد النور، وعندما اشتكى المضارون وطرقوا الأبواب لم يستجب لهم أحد، وتم ترويعهم وتهديدهم. أما الاستغاثة الثانية فأبطالها الأئمة والخطباء المتعاقدون بوزارة الأوقاف بنظام الأجر مقابل عمل على بند ٣ /٤؛ حيث تجاهل الوزير استغاثاتهم غير مرة، وتعامل معهم ببرود معهود، ما دفعهم إلى الاستغاثة بوزير المالية ورئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من عدم تطبيق وزارة الأوقاف الحد الأدنى للأجور عليهم طبقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٤٠٨ لــ ٢٠٢٣
حيث أكدت وزارة المالية في المنشور العام رقم ٦ الصادر بتاريخ ١٩ /٤ /٢٠٢٣ أهمية قيام كافة السلطات المختصة والساده المختصين الماليين رئاستهم ومراقبي ومديري الحسابات بجميع الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الخدمية سرعة تطبيق قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم ١٤٠٨ لــ ٢٠٢٣ لمستحقيه من الموظفين والعاملين سواء المخاطبين بقانون الخدمة المدنية رقم ٨١ لــ ٢٠١٦ أو غير المخاطبين به ولهم صفة العموم أو الدورية أو الجماعية، وحتى تاريخه لم يطبق عليهم الحد الأدنى للأجور.
وطالب المستغيثون باتخاذ اللازم لسرعة تطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم اعتباراً من إبريل ٢٠٢٣ أسوة بجميع العاملين بالدولة الذين تم تطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم؛ علمًا بأن وزارة الأوقاف من أكثر الوزارة أموالاً وثراءً، ولا أحد يعرف على وجه اليقين أو الدقة مسارات هذه الأموال.
أما المأساة الثالثة فأبطالها خطباء المكافأة على بند التحسين من غير العاملين بالقطاع الحكومي الذين يتعامل معهم الوزير بجبروت فاق كل الحدود. يقول الخطباء في استغاثاتهم: إنهم كانوا خطباء على بند التحسين، ثم طُلب منهم التحسين، فخضعوا للامتحانات في المديريات التابعين لها، ثم خضعوا لامتحانات تحريرية وشفوية أخرى في مسجد النور بالقاهرة، ثم أثبتت التحريات الأمنية صلاحيتهم، ورغم ذلك بقي وضعهم على حاله، وظلت مكافأتهم الشهرية البالغة 500 جنيه شهريًا كما هي، لم تشهد تحريكًا، في الوقت الذي أصبح فيه الحد الأدنى للأجور بتوجيهات رئاسية 4 آلاف جنيه!
يطالب “خطباء التحسين” بالعدالة وإنصافهم من خلال الوفاء بالوعود التي تلقوها مرارًا وتكرارًا، ومساواتهم بنظرائهم بالوزارة من خلال تطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم؛ تنفيذًا لتوجيهات الرئيس بتحسين أحوال الأئمة والخطباء ورفع أجورهم، لا سيما أن منهم من مر عليه 30 عامًا، ولا تزال مكافأته أقل من ألف جنيه، في الوقت الذي أصبح فيه الحد الأدني للأجور 4 آلاف جنيه.
لقد أثبتت فوضى سياسات وزارة الأوقاف في السنوات العشر الأخيرة ضرورة إعادة الشيء إلى أصله، بحيث تعود المساجد وشؤونها وكل ما يتعلق بالدعوة إلى مشيخة الأزهر الشريف، ولكن حتى يحدث هذا يبقى السؤال: مَن يُنصف ضحايا الوزير، وهم ليسوا حالات فردية أو استثنائية، ولكنهم بالآلاف المؤلفة الذين يترقبون نصرًا قريبًا من الله، فهو سبحانه وتعالى القاهر فوق عباده، حتى وإن كانوا وزراء لا يُسالون في الدنيا عما يفعلون ويُفرطون.