مَاجِد سُوس
مَنْ مَنَا لَا يَعْتَصِر قَلْبهُ، حِينَمَا يَسْمَع عَنِ اِختِفَاء فَتَاة فَجْأَة، ثُمَّ ظُهورهَا بَعْدَ عِدَّة أَيَّام لِتُعْلِن تَرْكهَا عَقِيدَة أهْلهَا.
وَالْأَمْر هُنَا لَا شَأْن لَهُ بَحْرِيَّة الْعَقِيدَة وَالْعِبَادَة الَّتِي يَكْفُلهَا الدُّسْتُور، واَلَّتي نُؤَيِّدهَا وَنُنَادِي بِهَا، عَلى أن تكونَ لِكُلُّ الْأَدْيَان وَالْمُعْتَقَدَات، شَرِيطَة أَنَّ تَصْدُر عَنْ شَخْص كَامِل الْأَهْلِيَّة، بِإِرَادَة حُرَّة مُنْفَرِدَة، دُونَ إكْرَاه وَتَرْهِيب أَوْ تَحْرِيض وَتَدْلِيسً.
اِعْتِصَارُ قُلُوبِنا هَذَا، لَا يُسَاوِيهِ اِنفِطَارهُ مِنْ قِبَل الْأُمّ وَالْأَب المكلومان، الْلَذَانِ تَنْقَلِب حَيَاتهُمَا رَأسْاً علىَ عَقْب، حُزْنا وَظَلَاما، حِينَ يَسْتَيْقِظَان عَلَى تِلْكَ الْكَارِثَة المُفْجِعة وَلَا يَجِدَان اِبْنَتهُمَا بِجِوَارهمَا.
وَأَنَا اليَومُ لَسْتُ فِي مَقَام تَحْلِيل هَذِهِ الظَّاهِرَة رَغْم خُطُورَتهَا علىَ وحدة الوطن وسلامه الاجتماعي، ليقيني أن الأمرَ أكبر من مقالات وحوارات وكلماتٍ رنّانة لتخدير المُجتَمع.
فالْأَمْر يَتَطَلَّب تَضَافُر جُهُود كُلَّ أَطْرَاف الْمُجْتَمَع. بِدَايَةً مِنَ الْأُسْرَة فِي الْبَيْت، الْكَنِيسَة، الْمَسْجِد، والْمُجْتَمَع، مُرُورا بِالْأَمْن، وَالْأَنْدِيَة وَمَرَاكِز الشَّبَاب، وَنِهَايَة بِقِيَادَات الدَّوْلَة الْعُلْيَا، مَعَ وُجُود إِرَادَة سِيَاسِيَّة تَرْغَب فِي الْحَلّ الْجِذْرِيّ لِتِلْكَ الْكَارِثْة.
وَأنا فَقَطْ، أَلْقَى اليَوْمَ الضَّوْء عَلَى جَانِب هَام وطرفٌ أسَاسي في تِلْكَ الْمُشَكَّلَة. بل لِيَعذُرني القَارِيء، أرى أنّ الجَاني الأوّل في تِلكَ الجَرِيمة هي الأسْرَة وغَالباً ما يكون الأب أو الأخ وأحياناً الأُم. وأنا هنا لا أنْفِي مع هذا إِمْكَانِيَّة وُجُود مُخَططات شيطانيّة مِن متطرفين إرهابيين لخَطف وأسْلَمة بنات وسيدات الأقباط لتَعكير صَفو المُجتَمع ووحدته الوَطَنية.
لكِن عَلَيْنَا أَنَّ نُكَوِّن صَرْحَاء فِي أَنَّ الْأَمْر لَه جَانِب سلبي مسؤل عنه أسْرَة الفَتاة حَيثُ تُوجَد حَالَات لَفْتيَات يَتْرُكْن مُنَازِلهُنَّ لِأسْبَاب أَكْثَرهَا شُيُوعَا سُوء مُعَامَلَة الْأهْل لِهُنَّ، مَعَ الْتَمييز بَينها وبين أَخِيها الوَلَد، نَاسَيْنِ متناسين أَنَّ فِي شَرِيعَة الْمَسِيح الْكَلّ وَاحِد، لَيْسَ يَهُودِيّ وَلَا يُونَانِيٌّ لَيْسَ عَبْد وَلَا حُرّ لَيْسَ ذِكْر وَأُنْثَى لِأَنَّكُمْ جَمِيعَا وَاحِد فِي الْمَسِيح يَسُوع.
لِذا حَذَاري أيُّها الأب أَنَّ تَجْعَل الْأَخ يَتَسَلَّط عَلَى أُخْته ويَتَحَكّم فيها لِكَونَه وَلَد، فَتَجعَلها تَكْرَه جِنْسها وتُجَدِّف عَلَى الله بِسَبَبِك.
أَتَذَكُّر أَنَّنِي حِينَ بَدَأَتُ فِي تَدْرِيس الثَّقَافَة الْعَرَبِيَّة وَالْمِصْرِيَّة لِلْأَمْرِيكِيِّينَ كُنتُ أُوَضِّحُ لَهُم مَدى تَأْثِير الدِّين عَلَى الْمُجْتَمَع الْعَرَبِيّ وَثَقَافَتِه، وأهَمِّيَّة، علىَ سَبِيل المَثَال، اِحْتِفَاظ الْبِنْت الْعَرَبِيَّة بِعُذرِيَّتهَا حَتَّى يَوْم زِفَافهَا. وكَانَ الْأَمْرِيكِيُّونَ يَتَسَاءَلُون، وَمَاذَا عَنْ عُذْرِيَّة الرَّجُل، وَكُنتُ أُجِيب بأنّ غَالبية سُكّان مِنطقة الشّرق الأوسَط يَرَوُنّ أَنَّ عُذْرِيّة الرّجُل لَيْسَتْ ذَاتُ أهَمِّيَّة، لِأَنَّهُ من الصَعْب كَشْفهَا.
كَانُوًا يُعَلِقون قَائِلين، إِذَا الْأَمْر لَا شَأْن لَهُ بِالدِّين أَوْ الْأَخْلَاَق وَإِلَّا لِطَالَب الْمُجْتَمَع مِنَ الرَّجُل هُوَ أَيْضًا، أَنْ يُقْسِمَ أَمَام الله، أَنَّهُ لَمْ يَفْقِد عُذْرِيَّتهُ.
أعِزّائي، الّذي أَعِنِّيِّه مِنْ تِلْكَ الْقِصَّة، تَوجيه نَظَر الأب أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْه أَنَّ يَخَافَ عَلَى اِبْنه كَمَا يَخَاف عَلَى اِبْنَته وَأن يَحْرِص عَلَى قُدَّاسَته وَأخلاقه كَمَا يَتَرجّى من ابنَتِه.
وإحذَر أيضاً أَنْ تَتَعَامَل مَعَ اِبْنَتكَ وكأَنَّهَا مِنْ مُمْتَلَكَاتكَ الخَصة، تُمَارِس سُلْطَتكَ عَلَيْهَا كَمَا تَشَاء.فَتَأْمُرهَا، وتَسُبّهَا، وتَضْرِبهَا وَتَمْنَعهَا مِنَ الْكَلَاَم وإبداء رأيَها أوَالْخُرُوج وَتُتِحكُمْ فِيهَا وتهينها أمام الناس وَتُحَاوِل تَزْوِيجهَا دُونَ رَغْبَتهَا.
ولتَعلَم إنكَ إنْ فَعَلتَ ذَلِكَ، تَشْتَركَ فِي تَدْمِير حَيَاتهَا وَشَخْصِيَّتهَا، وَتُصِيبهَا بِأَمْرَاض نَفْسِيَّة يَصْعُب شِفَاؤهَا. وَعِنْدَ أَوَّلَ شَخْص يَقْدَم لَهَا حُبّ أَوْ حَنَان زَائِف تَخْتَارهُ لِتَكَمُّل حَيَاتهَا مَعَهُ دونَ تَفكِير بل قد تُنكِر إيمانَها بِسَبَبك.
أتَذَكّر، عِنْدَمَا كَنَّت مُحَامِيَا فِي مِصْر، جَاءنِي خَادِم شَدِيد التَّدَيُّن، قَائلاً لِي، لِقَدّ كَنَّت عَنِيفاً قَاسِياً علَى اِبْنَتي.أَتِحكُمْ فِي أَدَق تَفَاصِيل حَيَاتهَا. حَتّى قُمتُ بِتَزويجها غَصباً، دُونَ رِضَاها، ودونَ أَنَّ أُعْطِيهَا فُرْصَةً حَتّى لِتَعْرُفهُ جَيِّدَا بِحُجّة أنّني أرِيدُ أنْ أسْتُرها.
بَعْد الزَوَاج بَدَأَت تُعَانِي مِنْ أمَرّ المُعَاناة مِنْ زوجِها، إهَانَة، وسَب، وَضَرْب وَإهْمَال، حَتّى أنها لم تَحكي لي، يقول الأب، خَوفاً مِنّي وأكثر من ذَلِك أنّها لم تَقل لي أنّهُ كان عَنِيناً.
وَأَنَا جِئت اليومَ رَاغِباً في تَطلِقها منه، نَادِماً عَلَى جُرمي هذا. لقد استَخدَمت معها مقولة شَائِعَة بينَ الناس وكَنَّت أُرددُها دَئِماً، وهي إنّي أَعَرَف مَصْلَحَتهَا أَكْثَر مِنْهَا وَهِي فِكْرَة خَاطِئة جداً، فَكانَ يَجِبُ أن أشرِكُها في مصلَحِتها وأعي أننا كأسرة جميعًا فِي مَرْكَب وَاحِدَة وَكُلُّنَا عَلَيْنَا ان نَبْحَث عَنْ كَيْفَ نُسْعِد بعضنَا الْبَعْض وأن القَرارات المصِيرية في الأسرة يجب أن َنَتَّخِذها معاً في ضوء إرتياح وموافَقَة صاحِب الشّأن أولا.
أَعَزَائِيٌّ، إنّ أَخَطَر مَا يُصِيب الْإِنْسَان فِي مُقْتَبَل عُمَره، إهَانَتهُ، أَوْ التَّقْليل مِنْ شَأْنه، أَوْ جُرْح مَشَاعِره أَمَام النَّاس. وَهُوَ أَمْر خَطير يُصِيب النَّفْس بِجُرْح غَائِر، يَصْعُب الشِّفَاء مِنْهُ ويبقى مع الإنسان حَتَّى كُهُولَته، بَلْ وقَدْ يُورِثهُ لِأَوْلَاَده وأحفاده.
والأمرُ من ناحية، غَالَبَا مَا يَظْهَر مِن الصِغَر فِي صُورَة، اِرْتِفَاع صَوْت الْأَب أَوْ اِلْأَم أَمَام النَّاس بِتحقِير أبنَاءَهم مَعَ إِظْهَارهم بِمَظْهَر الْمُهْمَل وَالْمُسْتَهْتِر وَالْفَاشِل.
ومن ناحية أخرى، هُناك أمرٌ خَطير يَفعَله بعض الآبَاء وَهوَ أَنَّ يَشتَكي مِن اِبْنَته أَوْ اِبْنه لِلْآخِرَيْنِ، أو لأساتذتهم، أو لأحد رِجَال الدَّيْن. فاِبْنكَ أَوْ اِبْنَتكَ يَتَصَوَّران أَنَّكَ الْأَبُ الْمِثَالِيِّ الذّي لا يُمكِن أن يفضحهُما بل هو أول من يَسْتُر عُيُوبهما أَمَام النَّاس وتأتِهم الصَدمَة وبِداية الفجْوَة حَينَ يَحدُث هذا الأمر.
فعَلَيكَ دائِماً أنْ تَحرِص على أَنَّ تُظْهَر لِلنَّاس الْجَوَانِب الْإِيجَابِيَّة فِي ابناءك و إن أردتَ يوماً أَنْ تُعَالِج بًعض السَّلْبِيَّات، عليكَ أن تفعل هذا بينك وبينهم في سِرّيّة وبِكُلُّ حُكْمَة وتَعَقُل وَبِفَيْض مِنَ الْحُبّ الأبوي وَالْاِهْتِمَام.
وإِنْ رَسَب فِي إحْدَى الْمَوَادّ، لَا تَهَاجُمهُ وَلَا تُهِينهُ، بَلْ نَاقِش الْأَمْر بِهُدُوء. لِأَنَّ النُّجَّاح الحَقِيقي لَا يَأْتِي إِلَّا بِأَنْ تَضَع ثِقَتكَ فِيهُ مُشيراً عليه أن الرَّسوب لَيْسَ نِهَايَة الدُّنْيَا.
وأن هناك الكثير من العُلَمَاء وَالعظماء تعثّروا في البداية وكانَ لِتَشْجِيعٍ مِنْ حَوْلَهُمْ لهم الدور الأساسي في نجاحهم.
فِي النِّهَايَة أختِمُ حدِيثي هذا بأن أَهَمْس فِي أُذْنكَ عَنْ سرٍّ يَحمِل في داخلهِ أهم مِفْتَاح مَنَحكَ الله إِيَّاه كَيْ تَحْمِي بِهِ اولادك وبناتك وَبَيَّتكَ بَل ونفسِك، ذَاكَ السُّلْطَان الذي لكَ كَيْ تَدُوس الْحَيَّات وَالْعَقَارِب وَكُلُّ قُوَّة الْعَدُوّ.
حصلتَ عليه بدفنِكَ معه في المعمودية وقيامتك وجلوسك في المسيح عن يمين الآب والذي يعني “القوة” و التي أوضحها لنا القديس بولس بأنها القوة التي فوق كل رياسة وكل أرواح الشر، هذا السلطان عرفه قبلنا آباءنا القديسين أنطونيوس ومكاريوس وأثناسيوس وتكلموا عنها.
سُلطَانٌ أُعطىَ لك مجاناً بدم المصلوب، تَتَذَوَّقهُ وَتَحمِله في كل تَجرِبة، بإعلان إيمَانك بِصَلَاَة قَلْبِيَّة صَادِقَة وَرَكْب مُنْحَنِيَة خَاضِعَة طَالَبَا سِيَاج الله حَوْلَ ابنتك وابنك وزوجتك وزوجك وممتلكاتك تطلبه ليل نهار متمسكاً بحماية دم يسوع المسيح عليهم مُنْتَهِرا أبليس وجُنُودهُ وَقُوَّاتهُ محذراً إياهم مِنَ الْاِقْتِرَاب مِنْهُمْ لا من أجل بِر فيك، بل لِأَنَّك وهُم مَلِك ليسوع المسيح.
إِنْ لَمْ تُصدِّق وتَفْعَل هَذَا فَلَا تَلُومِنّ غَيْرَ نَفْسُكَ، إن تركتك ابنتك وهربت مع آخر وحينها ستعرف أنك أنت من تركتها للخطف والضلال.