نسيم مجلى
إن أي كتابة الآن عن فؤاد ناشد لن توفيه حقه لأن الدورالذى لعبه فؤاد ناشد ضمن قادة حزب التجمع الوطنى التقدمى لم يكن كله ظاهرا للعيان بل كان متخفيا وراء الأحداث.
وهو دور خطير لا يقدم عليه ألا الأبطال الذين وهبوا أنفسهم لخدمة الوطن وأعلاء شأنه.
كان أصغر أخوته الذين كانوا أصدقاء لى أذكر منهم وليم وثروت زميلى في الفصل
وكانت العلاقة التي تربطنى بهم علاقة وثيقة مرتبطة بعلاقات عائلية قوية ومتجددة بحكم التزاور المتبادل بيننا.
فكان عمى ناشد عجمى هكذا كنا نخاطبه يأتي أحيانا لقضاء السهرة معنا وكان اخ
وتى الكبار يسالونه رأيه عن بعض مشاكل الحياة التي تواجهم في القرية.
وكنا نلتف حوله أحيانا لنستمع إليه وهو يحكى لنا عن أبينا ونشاطاته التجارية
ونجاحه حين كان أبى على قيد الحياه وكان عمى ناشد من أصدقائه المقربين
وهكذا امتدت العلاقة الطويلة على مدى سنوات لتشملنا نحن الأبناء.
وذات يوم أثناء دراستى بجامعة القاهرة وإقامتى بالجيزة ذهبت لزيارة صديقى ثروت
وكان يعمل بالقوات المسلحة ويقيم في كوبرى القبة.
وهناك فوجئت بوجود العائلة كلها وسعدت كثيرا بلقاء فؤاد وكان يدرس في المعهد الزراعى بمسطرد
على ما أذكر
والذى أدهشنى بقراءاته عن الفكر الا شتراكى وتاريخ الإشتراكية
وأطلعنى على بعض الكتب التي كان يستعيرها من مكتباتات السفارة الروسيية والمجرية.
وأخبرنى أنه يتردد على هذه المكتبات ويتابع الندوات الثقافية التي تقام هناك.
وقد حدثنى عن معارف كثيرة اكتسبها من هذه الندوات ومن القراءة. كان هذا شيئا مدهشا لى أن يخرج
من بيننا شاب صغير ينفتح بكل جرأة وشجاعة على الفكر الأشتراكى ومدارسه
ويتعمق فيه بل يرتاد هذه الأماكن التي كانت في بعض الأحيان محاطة بالشكوك
وكان الكثيرون لا يجرؤن على ارتيادها خوفا من تهمة العمالة والشيوعية
وأذكر بهذه المناسبة أنه أهدانى رواية بالإ نجليزية أسمها “الحصاد” من الحجم الكبير
خمسمائة صقحة تقريبا لكاتبة سوفيتية كنموذج لأدب الواقعية الإشتراكية.
ومن تلك اللحظة توثقت علاقتى الفكرية بفؤاد ناشد لأننى كنت مهتم بمعرفة المزيد عن الاشتراكية.
وكنت ألتقى به أثناء الأجازات الدراسية حين أعود ألى بلدتنا العوايسة.
وفى تلك الأيام كنا نجتمع كثيرا ونتحدث كثيرا فى امور حياتنا ومشاكل المجتمع
الذى كان وقتها ثوريا واشتراكيا، وكنا نأمل أن نحقق نجاحا في هذا الاتجاه.
وبعد تخرجى من الجامعة عينت كمدرس لغة انجليزية في بيلا الثانوية بمحافظة كفرالشيح
واشتغل فؤاد كمهندس زراعى في نواحى سمالوط ولهذا لم يبتعد عن العوايسة وسمالوط أبدا.
وفى هذا المحيط بدأ نشاطه يظهرعن طريق الاهتمام بقضايا التنمية الزراعية
وكذلك بالمشاكل الاجتماعية والإنسانية للفلاحين حتى أنه قام بتأسيس ملجا للأيتام
تحول الآن بعد وفاته إلى دار رعاية أجتماعية للأطفال والمسنين أيضا بفضل جهود أبنه الأكبرالمهندس أسامة.
ورغم أننا ابتعدنا عن بعضنا مسافات بحكم الوظيفة لكن علاقة المحبة
والصداقة الفكرية مع فؤاد كانت تنمو باستمرار وأصبحت أسمع من وقت لآخرعن نشاطه
في مجال السياسة وانتمائه لحزب التجمع ودخوله في معارك الإ نتخابات
هو وزوجته الفاضلة سميرة شاكر وهى قريبتى من ناحية الأب بمثابة إبنة عمى.
وقد شرفتنا بمشاركتها بوعى وعقلانية لفؤاد فى معاركه السياسية، وكذلك بإعتبارها
أول سيدة من قريتنا تدخل هذا المجال مماعرضهما لمطاردات الأمن من وقت إلى آخر.
كتب الأستاذ سليمان شفيق عدة مقالات ، يروى فيها قصة نضال فؤاد ناشد في حزب التجمع،
ويؤكد فيها على عدة حقائق منها:
أن فؤاد ناشد كان مسئول التنظيم في حزب التجمع الوطنى منذ تأسيسه
في سنة 1975 حتى وفاته سنة 2007.
وان فؤاد ناشد هو الذى أسس فرع حزب التجمع بالمنيا مع المناضلين أنورإبراهيم يوسف
عضو مجلس المحافظة والدكتور إبراهيم أبوعوف نقيب أطباء الأسنان بالمنيا والقيادات العمالية
أحمد عبد العزيز واحمد رشاد واحمد شوقى والقادة الفلاحين عبيدعياد مرجان
وشيخ العرب فاروق أبوسعيد وسليمان شفيق وكان أصغر هؤلاء الأعضاء سنا.
ان أهتمامه ببناء الحزب وتدعيمه لم ينسه انتمائه الأصلى كمهندس زراعى
ورغم هجوم السادات على اليسار أستطاع فؤاد ناشد أن يفوز بعضوية مجلس أدارة النقابة الفرعية
للزراعيين بالمنيا سنة 1977، وان يضم الطبيب الشاب وجيه شكرى الى الحزب
وهو الذى أصبح أمين التجمع بالمنيا فيما بعد.
أسس مع عبيد عياد وعريان نصيف وشاهندة مقلد اتحاد الفلاحين تحت التأسيس
وجاب معهم القرى والنجوع المنسية الأسماء على طول الشط ليخدم الفلاحين الأجراء
ولم يبخل فؤاد ناشد بجهده في الإنتخابات البرلمانية التي قادها الحزب بالمنيا
وكما يقول سليمان شفيق انتصر في كل معاركه إلا معركته مع المرض، حيث وافته المنية في 2007.
إضافة الى هذا كله اهتم فؤاد ناشد بالعمل الخيرى فأسس ملجا لليتامى في سمالوط
واهتم بتنميته ونجاحه في جمع الأطفال اليتامى والمشردين إلى جانب تعريف الناس
في سمالوط ونواحيها بهذه المؤسسة الإجتماعية الهامة حتى يستمر القادرون في تدعيمها.
كان فؤاد ناشد بناء عظيما يبنى ويؤسس ويحرك الأخرين للمشاركة في البناء
وهذا دور المناضل الوطنى الأصيل صاحب الرؤية الشاملة الذى يكافح من أجل ألاخرين
مؤكدا قول الإنجيل ” أي حب أعظم من هذا، أن يضع الإنسان نفسه من أجل أحبائه”.
هناك كثيرمن المواقف التي تعتبر دروسا في العمل الوطنى والسياسى .
يحكى الأستاذ سليمان شفيق أنه بعد انتفاضة 1977
هجم السادات على حزب التجمع وألقى القبض على معظم قيادات الحزب
وسجن من المنيا أنور إبراهيم وأحمد عبد العزيز وأحمد رشاد وفتح الله خفاجى
وسليمان شفيق ولم يبق خارج الأسوار إلا فؤاد ناشد، وبتواضع قام برعاية أسر المعتقلين
وأعطى لمن هم خلف الأسوار الأمل.
وكان يجلس في مقر الحزب ساعات بمفرده ويسافر للقاهرة ليأخذ نشرة الحزب ” التقدم”
ويوزعها سرا على الأعضاء بعيدا عن أعين الأمن..
ليس غريبا بعد هذا أن يدعوه سليمان شفيق بالأب والمعلم والقديس والرمز الوطنى الهادىء
الذى لا يعلو صوته في الأزمات. كل مايقوله سليمان شفيق والدكتور وجيه شكرى
والدكتور رفعت السعيد يدل على أن فؤاد ناشد كان هو رجل المواقف الصعبة والمهام الصعبة.
وهو ما يؤكده إدوارد فؤاد ناشد في حكايتة حيث يقول:
أن أم فرج بائعة الخضروات على ناصية شارعنا باع ابنها فرج الطماطم بأكثر من ثمنها
في العراق فحكم عليه صدام حسين بالإعدام وكان ذلك إبان أحتلاله للكويت.
وفرج هو الإبن الوحيد لها فجاءت متشحة بالسواد وكذلك الأمل وتسأل عن أبى فؤاد ناشد عجمى
طلبا للمساعدة، وكانت تعطينا خطابات ابنها لها وقد طبع عليها حبل المشنقة
وكان يطلب صلاتها وأن تغفر له عصيانه لها. طرقت كل باب. جلست أياما وأياما أمام مجلس الشعب
حتى قابلت فتحى سرورالذى أخبرها أنهم لايتعاملون مع النظام العراق أنذاك.
فتحرك حزب التجمع بإيحاء من فؤاد ناشد لمخاطبة النظام العراقى عن طريق السفارة الهندية القائمة
بالأعمال وقتها لحث الرئيس العراقى للعفو عن فرج، وفعلا استجاب صدام لطلب الحزب
وأصدر أمره بالعفو، وعاد فرج ألى أمه التي ذبحت له عجلا ورقصت ليلة كاملة حتى الصباح.
ننتقل إلى ما كتبه المناضل الكبيرالدكتور رفعت السعيد أمين عام جزب التجمع
تحت عنوان لافت يرسم فيه لوحة جميلة أوبورتريه رائع لفؤاد ناشد عجمى حيث يقول:
” فماذا يبقى بعد أن يغيب الرجال”
ولا يعرف الرجال إلا في الزمن الصعب.
فعندما يبدأ زمن صعب يندر أن تجد هؤلاء المتكلمين، أصحاب الشعارات البراقة الذين يتكلمون ويتكلمون ويكتفون بالكلام.
وعندما يأتي العدو يكونون قد صمتوا وفقدوا القدرة على القول، اما الفعل فهم لايعرفونه أصلا.
وأتت الشدائد واختفى أصحاب الصوت العالى وجنرالات المقاهى وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم.
لكنها إذ تنشق يخرج منها أبطال.. كانوا قليلى الكلام كثيرى الفعل.
وهكذا انشقت الأرض ليخرج أحد أبطالها.. فؤاد ناشد.
كانت المطاردات تلاحق كل قيادات حزبنا، وكان المقر المركزى محاصرا.
وكنا نطبع أوراقنا بعناء شديد.
لكن العناء الكبير كان يتمثل في طريقة إخراجها، ثم تكون الخطورة في توزيعها.
وفيما نحن محاصرون ومئات من كوادرنا مسجونون، أطل فؤاد ناشد عجمى بابتسامة هادئة
وواثقة طلب أن يكون مسئول اتصال محافظات قبلى… أوضحت له مدى صعوبة الأمر
ومدى خطورته، فقال “ماهو مافيش مناضل يخاف يناضل ومافيش متاضل مش راجل”
قالها دون افتعال ودون تشدد، وانما انسابت منه الكلمات هادئة وكأنها حدوته مسلية.
أخذ البيانات والنشرات التي كانت تشتمل هجوما على كامب ديفيد، ربطها تحت جلباب فضفاض
لم يكن من عادته أن يرتديه ثم التف بعباءة سوداء.. وخرج. وأفلت من المتربصين من أفراد أمن الدولة
ومن محافظة إلى أخرى انتقل حاملا أوراق حزبنا، والأمن تغمره دهشة من وصول الأوراق
إلى كل مكان ويتربص بنا باحثا عمن يرسله بالأوراق إلى السجن، وظل فؤاد ناشد
حاضرا على خريطة نضالنا ليقوم بمغامرته الأسبوعية صامتا.
وأخيرا وبعد أن انتهت المحنة عاد الى ماكان عليه في سمالوط، ولم يتحدث أبدا طوال عامين بالغى الصعوبة.
لم يتحدث ولا مرة واحدة عن مغامراته، كانت كل واحدة منها كفيلة بأن تطيح به إلى السجن.
وتمضى الأيام ويرحل واحد من الرجال.
هؤلاء الرجال الذين حملوا العبء الصعب في الزمن الصعب.
يرحل الرجال واحدا إثر واحد، ولا يبقى إلا أن تنشق الأرض، نستدعيها أن تنشق
لكى يخرج منها شباب جدد يتعلمون مسيرة فؤاد ناشد والرجال من أمثاله
ويفعلون مثلما فعلوا كى ينهضوا بحزبنا وينطلقوا به إلى الأمام.
د. رفعت السعيد
لم أحذف كلمة واحدة من هذه المقالة الشديدة التركيزوالهامة، والتي كتبها المفكر والمناضل الكبير
الدكتوررفعت السعيد، لأنها ترسم صورة واقعية وصادقة لشخصية فؤاد ناشد، فهو الفارس المقدام
المبادر والمباغت بالحلول الجديدة المبتكرة التي جعلته يخترق حصارالأمن
وملاحقاته في كل مكان وينجح في مهمته طول الوقت.
أنه بطل حقيقى في الزمن الصعب الذى يندر فيه وجود الأبطال الذين ينكرون ذواتهم من أجل الوطن.
كان فؤاد يتميز بالهدوء واالقدرة على الكتمان فكان أثناء لقاءاتنا القصيرة
سواء عند زيارتى له في سمالوط أو زياراته لى فى منزلى بالهرم، ورغم المحبة والثقة المتبادلة
بيننا إلا انه لم يتفاخر مرة واحدة أمامى باى شيء من أدواره التي تتكشف الآن.
كان يتحدث معى عن السياسة العامة ومحاولاته هو وزملائه تأسيس فرع للحزب في مدينة المنيا
وعن مضايقات الأمن لجميع أعضاء الحزب دون أن يذكر شيئا عن نصيبه هومن هذه المطاردات.
كان يتحدث دائما بلسان الفريق فيقول نظمنا دورة تثقيفية ويقول أنشانا ملجأ للأيتام في سمالوط
بالتعاون مع أهل الخيروهكذا.
والحقيقة أن فؤاد ناشد بحكم ايمانه المسيحى وارتباطه بالكنيسة وايمانه بالأعمال الخيرية
أيضا سعى لانشاءهذا المشروع لجمع الأطفال اليتامى ورعابتهم صحيا ونفسيا
وقد نجح في حشد التأييد والمساندة من جهات عديدة وذلك لحسن تعاملاته مع الجميع واحترامهم له.
وفى زيارتى الأخيرة لقريتى المحبوبة العوايسة (2019) دعوت الباشمهنس أسامة لزيارتى
فلبى دعوتى مشكورا وزادت سعادتى حين عرفت أنه يتولى بنفسه الإشراف الفعلى على الملجأ
وقد نجح هو وزملاؤه في تنمية وتطويرهذه المؤسسة الإجتماعية
وإضافة خدمة جديدة لها بجانب رعاية الأطفال هي رعاية كبار السن .
وقد يسعدك أن تعرف أن المهندس أسامة هو الإبن الأكبرلفؤاد ناشد
ومن حديثه معى تأكدت أنه يسير على خطى والده الراحل ويرعى هذه المؤسسة باخلاص شديد.
ويكسب في كل يوم داعمين ومساندين لها ولا غرابة فهذا الشبل من ذاك الأسد.
لكن أسامة ليس الإبن الوحيد للمهندس فؤاد لأن له ولدان آخران هما أيمن وإدوار وإبنة هي إيناس
التي تعمل بالتدريس، أما أيمن فهو ناشط سياسى وله قناة على اليوتيوب يستضيف
فيها بعض الكتاب والمفكرين ويناقش معهم بعض القضايا السياسية والفكرية
في حين يعمل الإبن الثالث إدوار بالمقاولات علما بأنه يحمل ليسانس الحقوق
وجميعهم عندهم أولاد ويعيشون في أمريكا ما عدا أسامة الذى يعيش هو وعائلته في سمالوط .
من القيادات التى شاركت المهندس فؤاد ناشد في تأسيس لجنة حزب التجمع اليسارى
بالمنيا هناك الدكتوروجيه شكرى والكاتب الكبير سايمان شفيق وأخرون.
وقد نشر الدكتور وجيه مقالا بجريدة الأهالى (في 15 مارس 2008) ينعى فيه المهندس فؤاد ناشد فقال:
“إن فؤاد رفض باصرار أن يتولى مسئولية القيادة في أي من المستويات الحزبية” وقال “
إن دوره هو إبراز ومساندة القيادات الطبيعية التي يفرزها نضال حزب التجمع اليسارى ”
ثم يشير الدكتور وجيه إلى واقعة اضراب الفلاحين ضد تنفيذ قانون العلاقة بين المالك
والمستأجر في الأرض الزراعية بقرية التوفيقية بسمالوط، وقيام الفلاحين بقطع الطرق إلى القرية
وأهمها الطريق الزراعى القاهرة أسوان، وتفاقمت الأمور وكادت أن تحدث مجزرة من جانب الأمن
لولا تدخل المحافظ منصورالعيسوى، وفى المؤتمر الذى كان يناقش الأحداث بسمالوط
وجه المنافقون من أعضاء الحزب الوطنى الإتهام لحزب التجمع
وهنا “وقف فؤاد ناشد في صلابة وشموخ يدافع عن الفلاحين وعن حزب التجمع
وينهى كلمته قائلا إذا كنتم تبحثون عن كبش فداء لخطاياكم فأنا والدكتور وجيه جاهزان للإعتقال كالعادة ”
وهذا الموقف يؤكد شجاعة فؤاد ناشد وشهامته في الوقت الصعب، وهو درس عظيم يقدمه فؤاد ناشد
للأجيال الطامحة فى العمل العام أن يتحلوا بالصدق والشجاعة وأن يخلصوا النية
لخدمة هذا الشعب وقضاياه. وبالأخص قضايا الفقراء والمكافحين.