كفيهما مُلطخ بألوان الدهانات، يحيط بهما من كل جانب قِصَاع وأدوات متناثرة، تقف كل منهن بثبات على ارتفاعات كبيرة، فوق ألواح خشبية لساعات طويلة، وسط عشرات الرجال والشباب دون رهبة، اختارن مهنة ربما لا تناسب طبيعة النساء، بمقاييس عادات أهل الصعيد، دفعهن شغفهن إليها، تلتفت إليهن أعين المارة في حالة اندهاش من جرأتهن، فباتت كل من منهما معروفة وسط العمال والمسؤولين عن الكنائس في مدينتهما
وثنايا أيديهن مرآة تعكس للناظر إليهما -دون الحاجة إلى سؤالهما- طبيعة عملهن، ما العيب في أن يعمل المرء ما يحب رغمًا عن العادات والتقاليد والأفكار المتوارثة، هكذا ناجت «سارة وكريستين» نفسيهما، وانطلقا في تجربتهن الغريبة على الواقع في صعيد مصر. في عامها الخامس والعشرين، بدأت «سارة كامل» رحلتها مع العمل في الرسم والفنون
بعد تخرجها في كلية الفنون الجميلة عام 2019، تخلت عن أنوثتها قليلًا، وارتدت ملابس المهنة التي أدركت جيدًا حقيقة صعوبتها منذ اللحظة الأولى التي صعدت فيها أعلى السقالة، لتزين جدران وقباب كنائس محافظتها سوهاج، وحسب روايتها، لم يشغل بالها نظرات الناس وصنعت اسمها بمهارتها في سوق المهنة، وفي مساء ذات ليلة هادئة قادت الصدفة «سارة» للقاء جمعها بأحد الآباء الكهنة بمحافظتها، يعرض عليها رسم جدران الكنائس لتجميلها، دون أن تتردد لحظة واحدة بادرت بالموافقة لاغتنام الفرصة.
«بعد التخرج، فكرت أنزل القاهرة أشتغل، بس اتعرض عليا من أحد الآباء الكهنة في الكنيسة أرسم على الحيطان، حبيت أستغل شغلي لتجميل كنايس بلدي»، تقول «سارة» عن تجربتها الجديدة في صعيد مصر .
عالم الرسم والألوان شغف «كريستين» شقيقة «سارة» الصغرى، رغم دراستها للفيزياء بكلية التربية، إلا أنها تبدع في تركيب الألوان والرسم، فأبدعا في تنفيذ كل رسمة قبطية، وكأنها تنطق للناظر إليها، «قررنا أنا وأختي ننزل سوا نرسم في الكنايس أيقونات قبطية»، يستقبلن العاملين بالمكان بضحكة و«نكتة» اعتادوها منهن . كريستين شقيقة سارة تهوى الفن وانضمت إليها لتجميل كنائس
وتبدأ «سارة» وشقيقتها «كريستين» برسم الأيقونات القبطية على الجدران أو القباب المجوفة في الكنائس، ويخترن الألوان بعناية حسب رموزها ومعانيها، يتلقين أجرًا بسيطًا على ذلك من الكنيسة، «عايزين يتكتب اسمنا في أرشيف الكنيسة، وناخد بركة الكنيسة»، بحسب تعبير «سارة».
جدران كنيستي الأنبا كاراس وأولاد عزاز في سوهاج، باتت تنبض بالحياة، بعد أن انتهت الأختين من رسمهما بأيقونات ورموز قبطية مميزة، ذاع صيتهما في المحافظة الصعيدية، وأحببن ملابس العمل الملطخة بالألوان، ولم يعد الأمر محرج، إذ تقول «سارة»: «عايزين نكمل ونجمل كنايس تانية»، إلى جانب عملها كرسامة «بورتريه» بالزيت والرصاص.