هاني صبري – المحامي
شهد الأنبا يوأنس، أسقف أسيوط وتوابعها، ورئيس دير السيدة العذراء مريم بجبل درنكة ، وضع تمثال للسيدة العذراء مريم على الكنيسة بديرها في درنكة، حيث يصل ارتفاعه إلى تسعة أمتار وعرضه أربعة أمتار، والذي يزن 10 أطنان مسبوك من البرونز .
أثار وضع هذا التمثال حالة من الجدل الشديد بين الأوساط القبطية بين مؤيدبن لوضع التمثال وبين الرافضين لوضعه على منارة الكنيسة داخل الدير.
بادءئ ذي بدء: لا أعرف ما الهدف من هذه التمثال بهذا الشكل لكن ما أعرفه انه أمر دخيل على كنائسنا وأديرتنا، ومخالف لتعاليم الكتاب المقدس “لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ.” (سفر الخروج 20: 4).
هي الوصية الثانية من الوصايا العشر في الكتاب المقدس ، كما جاء أيضا في سفر الخروج 32 :23 “فقالوا لي اصنع لنا آلهة تسير امامنا.
لأن هذا موسى الرجل الذي اصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا اصابه. ، خروج 34 :17 “لا تصنع لنفسك آلهة مسبوكة”.
وأيضاً ورد في سفر اللاويين (26: 1). “«لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ.” ، وفِي سفر التثية 4: 16 “لئلا تفسدوا وتعملوا لانفسكم تمثالا منحوتا صورة مثال ما شبه ذكر او انثى”.
أول وصيَّة تعدّى عليها الشعب في القديم كانت الوصيَّة الثانية: “لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً”، وفيها نهي عن عمل التماثيل ، فحتى أثناء وجود موسى وهو من أعظم أنبياء العهد القديم في أعلى جبل حوريب في صحراء سيناء لاستلام الشريعة من الله، قام الشعب القديم بإجبار هارون أخا موسى على صناعة عجل من الذّهب، وعبدوه ورقصوا أمامه.
وهذه العبادة الوثنية قادتهم إلى إنكار الله، وبالتالي ارتكاب الخطايا بشكل مخجل. في الواقع إن عمل العجل لم يعنِ أبداً أن الشعب القديم أنكر وجود الله، بل كما نقرأ في الآيات 5-6، أنهم كانوا يعبدون الله، بل إنهم عملوا عيداً للرب يهوه، والذي تغيّر فقط هو صورتهم لله ، التي أصبحت عجلاً يخدمهم وينفعهم حسب تصورهم، دون أن يعطيهم أية أوامر أو وصايا.
وتغيير صورة الله في أذهانهم كان الخطوة الأولى في سقوطهم الأخلاقي، حيث نقرأ في خروج 6:32 “وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ”. وكلمة اللعب في الترجمة العربية هنا غير دقيقة، لأن الكلمة في الأصل العبري تشير إلى الانغماس في الملذات والشهوات الجسدية،.
فالطريقة التي صوّروا بها الله، أثرت على أخلاقهم وتصرفاتهم وحياتهم. حيث سقط الشعب القديم في الخطيّة، وصنعوا تمثالاً وعبدوه، أي أنهم ابتدعوا لأنفسهم إلهاً خاصّاً بهم غير الله الواحد الخالق الحقيقي.
ولم تتغيّر طبيعة النّاس حتّى اليوم، فما زالوا يبتدعون لأنفسهم آلهة خاصة لكي يتبعوها ويعبدوها وحتى ليُضَحّوا بالكثير من أجلها. يريد النّاس في أيّامنا أن يعبدوا الله حسب أهوائهم، وأن يعبدوا أصناماً أخرى .
ولكنّ المؤمنين الحقيقيين يتمسكون بكلمة الله في الكتاب المقدس، ويرفضون الممارسات الوثنية وغير الكتابية التي يمارسها النّاس المتديّنون.
يريدنا الله أن لا نقع فريسة عبادات أو ممارسات وثنية وغير كتابيّة، وأن لا نسمح لأية أفكار أو عقائد بشريّة، أو أشياء ماديّة، أن تأخذ مكان الله في إيماننا ومحبّتنا وعبادتنا.
فإن الوصيَّة الثانية هو تحذير النّاس من خلق أو ابتكار تماثيل أو ابتداع أفكار أو صورة عن الله غير ما يقوله الله عن نفسه في الكتاب المقدس.
وعندما نقرأ في إشعياء 20:45: “لاَ يَعْلَمُ الْحَامِلُونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، وَالْمُصَلُّونَ إِلَى إِلهٍ لاَ يُخَلِّصُ”. وعبارة لا يعلم تشير إلى الجهل، أي أن من يعبدون الأصنام سيخيب أملهم، حيث لا خلاص لهم في عباداتهم الباطلة.
إن التّحلي برموز دينيّة لن يخلص أي إنسان من خطاياه. كذلك لا يستطيع أي إنسان، مهما كان ورعاً وقدّيساً أن يخلص غيره .
الرب يسوع المسيح هو الطريق الوحيد للخلاص .
“ليس بأحد غيره الخلاص” لذلك يجب أن يكون هدف أي عمل من أعمال السّجود والعبادة هو مجد الله فقط.، احذروا عبادة الآلهة الوثنية، وما أكثرها في أيامنا، وانتبهوا لئلا تسقطوا في ألاعيب إبليس.
يتساءل الكثيرين كيف يامر الرب بعدم صنع تماثيل ثم يامر بصنع تمثالين الكاروبيم وتمثال الحيه ؟ بالنسبة لتمثالين الكاروبيم.
أمر الله شعبه في القديم بعمل كروبيم من ذهب لكي يوضع على غطاء تابوت العهد (خر 25: 18-19؛ 2 أخ 3: 10)، وكانا جناحا الكروبيم يظللان التابوت ، وتابوت العهد في العهد القديم يرمز إلى حضور الله وكان يوضع داخل قدس الأقداس الذي يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة.
ولا ينظر إليه إلا رئيس الكهنة. وعندما أخذ الفلسطنيين تابوت العهد ربنا عقابهم فقرروا إرجاع التابوت.
لما التابوت رجع إلى بيت شمس نظروا للتابوت وَضَرَبَ مِنَ الشَّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُل وَسَبْعِينَ رَجُلًا. فَنَاحَ الشَّعْبُ لأَنَّ الرَّبَّ ضَرَبَ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً.
ماتوا لمجرد النظر للتابوت .ارجعوا لحضراتكم إلى سفر صموئيل الأول إصحاح 6 يوجد بها هذه الواقعة.
ومن ثم لا يصح القياس بين تابوت العهد المغطي بالكروبيم الذي يزمر لحضور الله في القديم، واي تمثال آخر، الله غيور على مجده ولا يعطيه لآخر.
عندما نتأمل فى المشهد الفريد الذي رأه التلاميذ على جبل التجلي في إنجيل مرقس أصحاح ٩ نرى أن الرب يسوع الوحيد الذي لا بد أن نسمع له ونتطلع إليه وحده دون سواه.
والمشهد على الجبل، مهما كان لنا من خيال، يفوق تصورنا البشري لكنه كما ُوصف لنا في الكتاب المقدس يجعلنا نتأكد من هذا.
فعندما ذكر التلاميذ موسى وإيليا، اختفوا عن أنظار التلاميذ وبقي يسوع وحده كما قال الكتاب في مرقس ٩ : ٨ “فَنَظَرُوا حَوْلَهُمْ بَغْتَةً وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَيْرَ يَسُوعَ وَحْدَهُ مَعَهُمْ”.
وكأن الرب يقول لهم: لا تنظروا إلى أي شخص أخر، “أنا هو”. فالرب يسوع المسيح خلاصة الكتاب المقدس كله وجوهره ومحوره وإليه يرجع كل مؤمن به أياً كانت قامته الروحية لينهل من منهله العذب ويشبع من كلماته ويعمل بها، التي هي روح وحياة لخلاص النفس البشرية.
اما عن الحيه النحاسية فالحية النحاسية كانت ترمز إلى الرب يسوع المسيح وهذا واضح في إنجيل يوحنا ( 3 : 14) ” وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان”.
وكان الحية النحاسية وسيلة للتمييز بين المؤمنين وغير المؤمنين، فمتى نظر إليها كل إنسان ملدوغ من حية سامة برجاء وإيمان، شفاه الله ونجا من الموت. سحق حزقيا الحبة النحاسية لأن شعب إسرائيل كانوا يعيدوها ، وَعَمِلَ (حزقيا) الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. ٤ هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ». (الملوك الثاني ١٨: ٣، ٤) وَعَمِلَ (منسي) الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ٣ وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً كَمَا عَمِلَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. (الملوك الثاني ٢١: ٢، أن الوصية واضحة وكتبت بيد الله مادام قال لا تصنع تمثال وجب الالتزام بما يقوله.
“لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ.” (خر 20: 4).
أن الكنيسة تحتاج فى بعض الأمور إلى إعادة هيكلة وترتيب من الداخل في بعض النواحى الإدارية والتنظيمية حتي لا يحدث صدام -لا قدر الله- قد يعيقها عن أداء بعض مهامها، وينبغي وضع ضوابط للعمل داخلها للتقييم والرقابة والمساءلة والمتابعة المستمرة حتى تتمكن من أداء مهامها بفاعلية، ووضع شروط ومعايير واضحة ومحددة لاختيار كل من يتولى مسئولية داخل العمل بها وتحديد مهام عمله، كما ينبغي تنمية الجانب المعرفي داخل الكنيسة، وكذا التواصل مع المخدومين لمعرفة احتياجاتهم ، وعلي الجميع نبذ أي خلافات شخصية والبعد عن الانقسامات وتغليب مصلحة الكنيسة علي أي اعتبارات شخصية ضيقة والحرص علي سلامة ووحدة الكنيسة لكي تؤدي دورها بفعالية ككنيسة قوية حية موثرة لتوصيل رسالة الأخبار السارة للعالم كله.
بناء عليه أطالب المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية إيقاف تلك الممارسات قبل ان تتفاقم في معظم الكنائس والأديرة.
التعامل بكل حزم مع من يخالف تعاليم الكتاب المقدس أيا كان درجته الكهونية أو وظيفته داخل الكنيسة.