ماجد سوس
وقف معلمنا بولس الرسول مذهولا أمام شعب أفسس وهم يخبروه انهم اكتفوا بمعمودية يوحنا المعمدان التي للتوبة ولا يعرفون شيئًا عن معمودية الروح القدس فأفهمهم ان التوبة غير كافية وأنه لا يوحنا ولا اي قديس على الارض يستطيع ان يلدكم الميلاد السماوي سوى روح الله وأن هؤلاء القديسون هم أصدقاء العريس
اما العريس الذي له العروس هو الرب يسوع بعدها وضع بولس يده عليهم نالوا بعض مواهب الروح القدس وهي التكلم بألسنة والتنبؤ وهي هنا ليست تكرارا ليوم البنطقستي بل امتداداً لهذا اليوم وفاعليته ممتدة إلى مدى الدهور (القمص تادرس يعقوب – شرح س الاعمال).
نقولها بكل اسف وقد قَلَّ التعليم عن الروح القدس في هذا الزمان وعن شفاعته ومواهبه وقيادته وفاعليته في العديد من كنائسنا، وبات هناك من نال المعمودية دون ان يسمع عن الروح القدس وما نقصده بالسمع هو عشرة الروح وقبوله ملك وقائد محيي.
ويرجع السبب في أغلب الأحيان للخوف من بعض الطوائف الأخرى التي ركزت في تعاليمها على بعض مواهب الروح وتركت الأخرى أو لأنها لا تؤمن ولا تعتقد بما نعقد، فأصبحنا لا نقدم الروح القدس بقوة في تعاليمنا وبكل وضوح.
بل أكثر من ذلك صارت آية “امتلئوا بالروح” (أف ٥: ١٨) عند البعض، غير أرثوذكسية، فأضعنا على الكثيرين هذا الملء وصار يعيش بيننا عدد من الرعاة والرعية لم يختبروا هذا الملء، فعثروا وأعثروا .
حتى الخلوة اليومية، احدى مصادر عمل الروح أهملناها وصارت عند البعض تعلياً دخيلاً على الكنيسة أو أمراً ثانوياً لا يجب التركيز عليه، فضاع المخدع وبدلاً من أن يمتليء الخادم والراعي والأب والأم والشماس
وكل الشعب من روح الله يومياً، صرنا نخرج من بيوتنا نتجه للرعاية للقداس للخدمة للعمل لتربية اولادنا دون ان ننهل من الثالوث محبة الاب وعطاياه ونعمة الكلمة الوسيط الذي يحملنا لله وشركة الروح وملئه لأرواحنا، لذا كثرت أمراضنا وضعفاتنا وهربت خراف من الحظيرة وضلّ اولادنا وضعفت خدمتنا. أحبائي، إن كنا نأخذ الروح القدس في المعمودية للخلاص والميلاد الجديد، فإننا نحتاج إلى الملء الناري الذي سلمته لنا الكنيسة في صلاتها اليومية في الساعة الثالثة حين تصرخ وتطلب من الروح القدس أن يتفضل ويحل فينا.
تلك النار التي أشعلت الكنيسة يوم الخمسين . اول من ربط النار بالمعمودية هو القديس يوحنا المعمدان الذي أعلن ما سيفعله فينا الروح القدس الذي سيرسله الاب ويعمدنا به الابن “سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ” (متى٣: ١١) بعد تلك يسوع بكلمات لم يفهما الكثيرون حين قال: “جئتُ لأُلقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت” (لو ١٢: ٤٩) فالنار التي كان يتكلم عنها هو الروح القدس الناري الذي ارسله لنا ليشعل حياتنا لنحيا في الروح فيستعلن فينا ملكوته بالسر الذي كشفه لآبائنا الذين حين اقتنوه فتحت أعينهم على اسرار الملكوت.
إن أحد الإباء الذين إختبروا عمل الروح بقوة وكتب كثيراً عنه لتلاميذه، هو العظيم أنطونيوس أبو رهبان المسكونة، الذي ارسل عدة رسائل، صرخ في أحدهم في وجه تلاميذه قائلاً: ” الروح الناري العظيم الذي
قبلته اقبلوه أنتم أيضا، اطلبوه بكل قلبكم وحينئذ يعطى لكم، لأنه هكذا حصل عليه إيليا التشبى وأليشع وجميع الأنبياء الآخرين” (الرسالة الثامنة).
ونحن هنا ننبه ذهن القارىء إننا لم نقل مطلقًا أن الروح القدس يترك الإنسان بعد المعمودية بسبب خطاياه او تركه الإيمان ثم يعود إليه كلما طلبه، فالروح قد تثبت فينا بالميرون المقدس لذا لا نعيد المعمودية للتائبين من الهراطقة او تاركي الإيمان، إنما طلب الملء هنا وحلوله علينا في الحقيقة هو اشتعال داخلي فالحلول يأتي بقوة يشعلها الروح من داخل الإنسان، يوضحها لنا القديس باسيليوس بقوله : “أن الحلول هنا إنما يعني استنارتنا به”.
الحياة بالروح والنمو فيها، طريقها الوحيد هو السعي نحو الإمتلاء بالروح القدس وقد أعلن لنا الكتاب هذا بكل وضوح: “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ.” (رو ٨: ١٤) حينها لا نخشى من تعب الطريق وأمراضه وضعفاته ولا من ضيق العالم وجراحاته وقسوته، لا من ظلم ولا اضطهاد وحين نقف أمام العالم “فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ،” (مت ١٠: ١٩).
والأمثلة كثيرة لأناس إختبروا هذا الملء فيقول الكتاب أن يوحنا المعمدان امتلأ بالروح وهو في بطن أمه “فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ،” (لو 1: 41) كما “َامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلًا:” (لو 1: 67).
وبعد نشأة الكنيسة وحلول الروح القدس عليها بدأ يحل الروح القدس على كل المؤمنين ويملأهم حين يعيشون بالروح “حِينَئِذٍ امْتَلأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (أع ٤: ٨) “وأما شاول الذي هو بولس أيضًا فامتلأَ من الروح القدس” (أع ١٣: ٩).
الروح الآن أيضاً يعمل إنه مازال ينتظر ليملأ الكل قادة وخدام ومخدومين وشعب. أما شفاعة الروح القدس لنا فيعلنها لنا الكتاب أيضاً بكل وضوح: “وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا.” (رو ٨: ٢٦) وكان هناك الكثير من الآباء في نهاية صلواتهم يتشفعون بجانب دم الرب يسوع، بالروح القدس، قبل التشفع بالعذراء والملائكة وقبل طلب صلوات القديسين.
أتذكر يوما أنني وقفت مصليا في ليلة رأس السنة الميلادية، بناء على طلب أبي الكاهن، وحين ختمت صلاتي بالتشفع بالروح القدس، أرسل لي أحد الأحباء رسالة على تليفوني أبدى فيها انزعاجه بسبب تشفعي بالروح القدس وحين شرحت لها كتابة كتب رافضا كلامي ثم عاد ليعتذر بعد أن سأل أحد الآباء المستنيرين وكان لسان حاله كأهل أفسس، ولا سمعنا أنه يوجد شفاعة للروح القدس.
أحبائي أضع نفسي الضعيفة المحتاجه خاضعا مصلياً لروح الله القدوس أن يملئنا جميعاً ويحل فينا ويقودنا لنحيا في الروح مع المسيح يسوع في محبة الآب. للثالوث الإله الواحد المجد الدائم إلى الأبد.