حكى الفنان النبيل توجو مزراحي في حواراته الأخيرة عن أحلامه : الكونت دي مونت كريستو ومحمد علي الكبير.
ولقد وُلد الفارس النبيل توجو في لحظة تقدس الحرب، وتضع جنرالاتها في مصاف العشاق الأسطوريين ولهذا بعد 4 سنوات من ولادته اختارت العائلة لابنها چوزيف إيلي مزراحي اسمًا جديدًا من وحي الإعجاب بالأدميرال الياباني توجو هيهاتشيرو، الذي انتصر على الأسطول الروسي في بحر البلطيق.
ولم يُسجَّل الاسم “توجو” في السجلات الرسمية إلا عندما أعادت الحاخامية الكبرى في الإسكندرية إصدار شهادة ميلاد چوزيف مزراحي لتحل محل الأصل، الذي كانت الجالية اليهودية أصدرته وصدَّقت عليه القنصلية النمساوية والمجرية.
عاش الفارس النبيل توجو مزراحي 19 سنة وهو يحمل جنسية نمساوية مجرية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حصل اليهود السفارديم الذين يعيشون في شرق المتوسط وعلى صلة بشبه الجزيرة الإيطالية على جنسية إيطالية، بحقوق محدودة.
ولد السيد توجو مزراحي في 2 يونيو 1901 ليكون الثالث بين 8 أطفال؛ ثمرة زواج السيدة ماتيلدا والسيد چاك مزراحي (غالبًا هاجرت عائلته من تركيا إلى مصر)، كلاهما من مواليد الإسكندرية، السيد جاك يكبر السيدة ماتيلدا بخمس سنوات ، لكنهما غادرا الدنيا في نفس العام؛ 1935.
السفارديم هم :اليهود الذين اختاروا النسخة البابلية من اليهودية، وهم معروفون بانفتاحهم على الحضارات الأخرى على عكس الأشكيناز، ومن بينهم السيدة ماتيلدا طويل؛ والدة الفارس النبيل توجو التي تنتمي إلى عائلة أجيون؛ ذات الثراء والنفوذ، التي هاجرت من إيطاليا إلى مصر في القرن الثامن عشر.
بدأ الفارس النبيل توجو مزراحي عمله في السينما، ويمكنني القول أن كوزموبوليتانية النصف الأول من القرن العشرين في مصر كانت تعني قبول التعايش والتعدد تحت هيمنة أوروبية، تكملها “مقاومة” من الثقافة المحلية التي سميت بعد ثورة 1919 ثقافة وطنية، الكوزموبوليتانية هي قبول كل غريب عن الأغلبية المسيطرة، باعتباره ليس غريبًا.
لكن تفاعلات الحداثة وتكون الدول القومية، والهجرات المرتبطة بالتحولات السياسية الكبرى، لم تجعل اليهود “كتلة واحدة” أو “طائفة واحدة”، فكان اليهود المصريون غير متجانسين لغويًّا وثقافيًّا وقد أدى النمو الاقتصادي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر إلى الهجرة اليهودية من جميع أنحاء البحر المتوسط، خصوصًا في أجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية.
كانت الجالية اليهودية التي سبقت تدفق المهاجرين في القرن التاسع عشر تتحدث العربية المصرية.
والمهاجرون من المغرب العربي (شمال أفريقيا)، والمشرقيون (الشرق العربي) يتحدثون بمجموعة متنوعة من اللهجات اليهودية العربية.
وكان اليهود السفارديم الذين هاجروا من تركيا واليونان يتحدثون اللادينو، وكذلك التركية أو اليونانية. وتحدث بعض اليهود الإيطاليين باللغة الإيطالية، على الرغم من أنه لم يكن كل اليهود الذين حملوا الجنسية الإيطالية قد أتوا بالفعل من إيطاليا أو تحدثوا الإيطالية.
وتحدثت مجموعة صغيرة من المهاجرين الأشكيناز الذين استقروا في مصر اللغة اليديشية وهي خليط من لغات الآرامية والألمانية والفرنسية والعبرية ويتحدث بها أغلب يهود أوروبا…اختارت العائلة لابنها الفارس النبيل توجو مدرسة الليسيه الفرنسية، واختار هو أن يتحدث أبطال أفلامه اللغة العامية المصرية، وهو من بيت لغة الحوار فيه هي الإيطالية،المدرسة لها توجه علماني، يفصل طلابها عن محيطهم الطائفي
سافر الفارس النبيل توجو مزراحي إلى مدينة ليون (فرنسا) عام 1920، والتحق بمدرسة الدراسات العليا التجارية، في إطار تجهيز نفسه لوراثة مكان أبيه في التجارة، ولم تنته رحلته وراء التجارة إلا في 1925 حين حصل على دبلومة في التجارة من ميلانو(إيطاليا) لكنه خلال السفر والعودة إلى مصر كان يتعرف على إمكاناته عن قرب، ويتدرب على إدارة شركات منسوجات وفنادق يملكها يهود من الإسكندرية.
توجو مزراحى المخرج المصري توجو مزراحى المخرج المصري توجو مزراحى المخرج المصري توجو مزراحى المخرج المصري
وفي تلك الأوقات كانت السينما فن وصناعة وليدة تثير طموح المغامرين، وكان ذلك على بعد خطوات من بيته، وفي عالم قريب منه حيث يشتعل نشاط الذين يبنون هويتهم بالعمل والابتكار في “أرض جديدة”.
السيد النبيل توجو مزراحي شهير بأفلام النجم على الكسار والأفلام الأولى لأم كلثوم والذي جعلها ترتل القرآن الكريم في فيلم “سلَّامة” ، درس السيد توجو السياسة والاقتصاد في فرنسا وضد رغبة العائلة درس السينما كمغامر بين روما وباريس وبرلين.
الفنان النبيل توجو مزراحي لم يكن مخرجًا فقط؛ بل كان صانع سينما بالمعنى الشامل (مونتير وسيناريست ومنتج وصاحب ستوديوهات )
بقلم / الكاتبة النبيلة هند الرباط