كمال زاخر
يسوع المسيح هو أمساً واليوم وإلى الأبد” … “الذى هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة”، فى كلمات موجزة يصف القديس بولحس ماهية المسيح ووجوده الأزلى الأبدى، ويضعنا أمام حتمية تجسد الإبن فى تحقيق المصالحة بين الله والإنسان، فى التوقيت الذى يراه الله مناسباً “ملء الزمان”، وفى هذا يقول الكاتب “أن بولس الرسول يوضح علاقة المسيح بالله وعلاقته بالخليقة بآن واحد” فهو من جانب “صورة الله غير المنظور”، وفى ذات الوقت هو “بكر كل خليقة” “صورة يمكن فيها ومنها رؤية الله غير المنظور، ككلمة مسموعة ومفهومة تُظهر ما خَفِى فى فكر الله”، “فإحدى خصائص المسيح أنه الشخص الواقف بين الله الآب الذى لا يُرى وبين الإنسان الذى لا يفهم ولا يعى إلا ما يَرَى، فوجه المسيح المتجه إلى الآب إلهى محض، ووجهه الذى يتراءى لذوى العيون المفتوحة (الله ظهر فى الجسد)، هو بالنسبة لله حسب مداركنا ابن حقيقى فى ذات الله المنزهة عن الولودة،
وبالنسبة لنا ابن حقيقى يفوق معنى الولادة ويتعدى ضعفها وموتها.
فهو بالرؤية المتسعة بِكرُ الله لأنه الابن الوحيد الذى يتكلم باسمه، وبالرؤية المتميزة بكر الخلائق طُرَاً، لأنه يمثل الخلائق ويتكلم باسمها”.
لكن الكاتب ينبهنا الى أن تعبير بكر كل خليقة “لا يحمل على وجه الإطلاق معنى بكر بين الخلائق، بل بتحديد المعنى تماماً: بِكرُ، أى قبل أو على، كل الخلائق؛ الذى يحمل المعنى فى الحال أنه ليس معدوداً بين الخلائق بل متقدماً ومترأساً، وأنه يحمل وجوداً فائقاً وسابقاً على كل الخلائق، لأنه إذا كان قول بولس أنه بكر كل خليقة يحمل معنى أنه من الخليقة بالتبعية، فماذا يكون لو لم تكن الخليقة؟
هل كان يفقد ابن الله وجوده؟ بولس يحذر من لك فيكمل بقوله مباشرة “الذى هو قبل كل شئ وفيهيقوم الكل (1كو16:1و17).
وهذه كلها تستعلن وجوده السابق على كل الوجود.
فالآن إذا كان وجوده فائقاً وحراً من كل خليقة وسابقاً عليها وعلة وجودها، وهذه حقيقة أكدها بولس الرسول قائلاً “الكل به قد خلق” (كو16:1)،
فماذا يكون معنى “بكر كل خليقة”؟.
إلا أنه يعنى كونه المثل والمتقدم على كل ولكل الخلائق لدى الله، يحمل كيانها فى ذهنه وفى قلبه لأنها أخذته من يديه، وهو الذى صنعها ولا يزال متكفلاً بها ويحمل همها وعجزها إن عجزت ككل مخلوق، وكل خليقة أثبتت عجزها وقصورها عن بلوغ الكمال على طول المدى، إن كانت الملائكة، وإن كانت البشرية، لأن هذا هو الفارق بين الخالق والمخلوق.”ويواصل الكاتب تناول “بكر كل خليقة” فى فكر القديس بولس الرسول “الخليقة تئن إلى الآن وتتمخض منتظرة كمال عمل المسيح لكمال فداء الإنسان وتصحيح موقفه النهائى أمام الله، باعتبار الإنسان المسئول عن سقوطها بسقوطه، فيتصحح موقفها بتصحيح موقفه بالتالى وتتخلص من عجزها:
(لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله إذ أُخضعت الخليقة للبُطْل، ليس طوعاً، بل من أجل الذى أخضعها “الإنسان” على الرجاء.
لأن الخليقة نفسها أيضاً ستُعتَق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله.
فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن، وليس هذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضاً نئن فى أنفسنا متوقعين التبنى فداء أجسادنا.) (رو19:8ـ23)”ويوجز الكاتب ما حدث “وهذا واضح من قول بولس الرسول بعد ذلك عن كيف أن الله أرسل ابنه متجسداً وهو فى ملء لاهوته (ليصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه بواسطته، سواء كان ما على الأرض أم ما فى السموات.) (كو20:1) وينتهى الكاتب إلى حقيقة دامغة أنه “حق للمسيح سواء فى وجوده السابق لتجسده أو بعد تجسده أن يدعى:
أولاً: بكر الله ، هو كما هو، لأنه الابن الوحيد لا عن ولودة بل عن كيان ذاتى متأصل فى كيان كيان ذات الله، كآي وابن معاً لا ينقسمان ولا ينفصلان.”
ثانياً: بكر كل خليقة، لا عن ولودة بل ككيان يحمل فى ذاته كل كيان الخليقة بكل صورها.ويستطرد الكاتب فى تتبع استخدام هذا المصطلح عند القديس بولس، حتى بالنسبة للأموات فهو بكراً كأول من قام من الأموات، وهو هنا رب القيامة وقوتها ورب الحياة، فبحسب قول المسيح نفسه “أنا هو القيامة والحياة” (يو25:11)، وكل قيامة حدثت وتحدث وستحدث هى مستمدة من قيامته.
دعنا عزيزى القارئ نقرأ معاً النتيجة التى وضع الكاتب يده عليها:”حين يقول القديس بولس (لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.) فالمعنى أنه بالتجسد والفداء وبإشتراكنا فى موته وقيامته أراد الله أن يعطينا صورة ابنه فى كل شئ، إن فى الموت أو القيامة أو حتى المجد، ليكون هو الأخ الأول كرأس البشرية الجديدة المُفتدية، وهو الذى يقودها نحو الآب فى موكب نصرته لتشاركه ميراث بنوته لله.
ولكن حتى وبعد ذلك، فنحن لا نُحسب أبداً على مستواه فى البنوة، بل مجرد متبنَين.
فنحن وإن بلغنا صورة ابنه وصرنا بالتالى إخوة له، فليس معنى ذلك أننا لما حملنا صورته صار هو أخاً لنا على مستوانا، بل هو إخلاء وتنازل نزل به ليرفعنا إليه، فحتى وإن صار مثلنا فى كل شئ إلا أنه يظل كما هو صورة الله، رباً تسجد له كل ركبة مما فى السماء وعلى الأرض.
“يبقى لنا بحسب الكاتب التعرف على ربوبية والوهية المسيح عند القديس بولس
وهو ما سنستعرضه فى مقالات قادمة.