الإثنين , ديسمبر 23 2024
مختار محمود

مختار محمود يكتب: خطباء التحسين بلا دية ولا نعي

جاءت وفاة الشيخ محمد عبده عنتيلي فوق منبر مسجد “قباء” بمحافظة الإسماعيلية -أثناء إلقائه خطبة الجمعة الماضية- كاشفة عن أحوال خطباء المكافأة على بند التحسين بوزارة الأوقاف؛ حيث لم يكلف الوزير نفسه بنعيه وتقديم العزاء لأسرته ودعمها ماديًا، كما يحدث مع أقرانه من الخطباء المعينين بالوزارة والذين يقومون بنفس دوره دون زيادة أو نقصان.

كان المصلون فوجئوا بسقوط الخطيب الأربعيني أثناء إلقائه الجزء الأول من الخطبة، وكانت عن “فضائل الاستغفار”، ولفظ أنفاسه سريعًا قبل إسعافه، في مشهد مهيب.

الغريب في الأمر أن وزير الأوقاف الذي ينشر أدق تفاصيل الوزارة على حساباته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، تجاهل نعي الخطيب الراحل وتقديم العزاء لأسرته ودعمها ماليًا، كما يفعل مع الخطباء المعينين، وكأن هؤلاء شعب وأولئك شعب، تفرقة بغيضة، وتمييز أشد بغضًا يجيدهما صاحب المعالي الذي يملأ صفحاته الإلكترونية بالحديث عن البر والإحسان ومكارم الأخلاق ومد يد العون لكل محتاج.

جاءت النهاية الدرامية لخطيب مسجد “قباء”؛ لتجدد الحديث عن آلام وأوجاع خطباء المكأفأة على بند التحسين الذين يخضعون لـ”قهر مركب” من معالي الوزير؛ حيث يرفض -بشكل قاطع- إنصافهم ومساواتهم بأقرانهم من المعينين بالوزارة، ويتعامل معهم باعتبارهم “كمالة عدد” أو من “سقط المتاع”، وهو ما ظهر جليًا في الواقعة الأخيرة التي أثارت الغضب ضده من جديد.

في الوقت الذي يتظاهر وزيرالأوقاف فيه بتوزيع عطاياه على رعاياه بالوزارة التي يجثم على صدرها منذ 10 سنوات بالتمام والكمال، فإن هناك فريقًا آخر من الخطباء والأئمة يتم معاملتهم بعنصرية بغيضة، يحصلون على أقل القليل، ولا يسمع لهم أحد، ولا يُستجاب لهم طلب، إنهم خطباء المكافأة على بند التحسين من غير العاملين بالقطاع الحكومي.

شكاوى عديدة أرسلها إلى وزارة الأوقاف هؤلاء الخطباء الذين يضطلعون بمسؤوليات جسيمة في النصح والإرشاد والوعي، ولا يقلون عن نظرائهم الذين يحصلون على كل شيء، ورغم ذلك فإن كل الآذان تجاههم صماء؛ فلا أحد يعيرهم اهتمامًا، ولا وزير يشفق أو يعطف عليهم، ويوجه بمنحهم حقوقهم أو بعضًا منها.

يقول الخطباء في استغاثاتهم: إنهم كانوا خطباء على بند التحسين، ثم طُلب منهم التحسين، فخضعوا للامتحانات في المديريات التابعين لها، ثم خضعوا لامتحانات تحريرية وشفوية أخرى في مسجد النور بالقاهرة، ثم أثبتت التحريات الأمنية صلاحيتهم، ورغم ذلك بقي وضعهم على حاله، وظلت مكافأتهم الشهرية البالغة 500 جنيه شهريًا كما هي، لم تشهد تحريكًا.

ورغم توجيهات الرئيس للوزير بتحسين أوضاع الخطباء والأئمة إلى إن الوزير يدير لهم ظهره، ولا يلتفت إلى استغاثاتهم التي لا تتوقف، وكأنهم أبناء غير شرعيين للوزارة والعمل الدعوي، وهو ما ظهر جليًا مع واقعة خطيب الإسماعيلية الراحل! ورغم وعود الوزير لهم من قبل بتحويلهم على نظام الأجر بعد مرور ستة أشهر على عملهم إلا إن شيئًا من هذا لم يحدث.

يطالب “خطباء التحسين” بالعدالة وإنصافهم من خلال الوفاء بالوعود التي تلقوها مرارًا وتكرارًا، ومساواتهم بنظرائهم بالوزارة من خلال تطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم؛ تنفيذًا لتوجيهات الرئيس بتحسين أحوال الأئمة والخطباء ورفع أجورهم، لا سيما أن منهم من مر عليه 30 عامًا، ولا تزال مكافأته أقل من ألف جنيه!

كما يطالبون بتكليفهم بإلقاء الدروس العلمية وإمامة المصلين؛ سدًا للعجز، وحماية للمساجد وإعمارًا لها، ومنحهم الزي الأزهري؛ حتى يظهروا بصورة مثالية أمام المصلين.

ويطالبون أيضًا بإعطائهم الأولوية للدخول في مسابقة الأئمة دون التقيد بسن، ورفع السن إلى أربعين عامًا؛ أسوة بوزارة التربية والتعليم، وإشراكهم في المقاريء والقوافل والدورات التثقيفية التي تعقدها الوزارة.

أوجز النائب عبد المنعم إمام فأعجز؛ عندما قال لوزير الأوقاف تحت قبة البرلمان: “لقد كثر شاكوك وقلَّ شاكروك”؛ وليس أدل على ذلك من حالة الغضب والفوران القادمة من داخل الوزارة، حيث يشكو أصحابُها ظلمًا لا يُطاق، واضطهادًا لا يُحتمل؛ من سياسات غير منصفة.

تعوم وزارة الأوقاف فوق ميزانية تستعصي على الحصر، ولكن الوزير يتعامل مع رعاياه بالوزارة ليس من باب العدالة المطلقة؛ تأسيًا بالهدي الرباني والنبوي وبخُطبه وبرامجه ومقالاته وعظاته وخواطره الدعوية، ولكن من خلال نظرية فرعونية سائدة: “أنا ربكم الأعلى”.

ورغم أن ميزانية وزارة الأوقاف تزيد على 10 مليارات جنيه سنويًا، إلا إن هناك من يحصلون على كل شيء، وهناك أيضًا من لا يحصل على شيء، وفي الصدارة من هؤلاء: “خطباء المكافأة على بند التحسين”.

50 جنيهًا فقط لا أكثر ولا أقل هي أجر الخطبة الواحدة لـ”خطيب المكافأة تحت بند التحسين/ مؤهل متوسط”، بإجمالي 200 جنيه في الشهر، وهو ما لا يكفي مصاريف انتقالهم.

الغريب أن الخطيب ذا المؤهل العالي الذي يضطلع بنفس الدور يحصل على 7 أضعاف الرقم المذكور سلفًا وهو 350 جنيهًا في الخطبة الواحدة، بما يعادل 1400 جنيه، والرقمان هزيلان، ولكن الأول أشد ضعفًا وهوانًا.

هذا التفاوت الصارخ بين الرقمين يُعمق حالة الغضب والاستياء غير المبرر من جانب أصحاب الـخمسين جنيهًا الذين طرقوا كل الأبواب، واتبعوا كل الأساليب المشروعة، دون أن يحنو عليهم أحد من أصحاب العمائم البيضاء، ومنهم مَن يظهرون على شاشات التليفزيون ومحطات الإذاعة والصحف، ليتحدثوا ويكتبوا عن قيم الحق والخير والجمال، حتى نشعر أننا نعيش في المدينة الفاضلة.

لقد أثبتت فوضى سياسات وزارة الأوقاف في السنوات العشر الأخيرة ضرورة إعادة الشيء إلى أصله، بحيث تعود المساجد وشؤونها وكل ما يتعلق بالدعوة إلى مشيخة الأزهر الشريف، ولكن حتى يحدث هذا يبقى السؤال: مَن يُنصف خطباء الخمسين جنيهًا من بطش معالي الوزير ويمنحهم بعضًا من حقهم المهدور، خاصة بعدما طرقوا كل الأبواب وسلكوا كل المسالك الشرعية والقانونية؟!

لم يعد أمام هؤلاء الخطباء، بعد ما لمسوا بأنفسهم قدرهن عند الوزير بعد وفاة زميلهم يوم الجمعة الماضية، سوى أن يرفعوا استغاثاتهم وشكاياتهم

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

2 تعليقان

  1. واحد من الناس

    ولماذا تنفق الدوله على الدين الاسلامى فقط ..مع أنى أتمنى أن تتوقف الدوله نهائيا عن هذا العبث . من يريد دخول الجنه يدخل على حسابه وليس على حساب الدوله ..وفى كل بلاد العالم المحترم فان الدوله لا تنفق على هذا العبث . ورجل الدين يعمل فى وظيفه أخرى يكسب منها قوت يومه بطريقه محترمه ويعتبر عمله الدينى تطوعى ويثاب عنه فى الأخره واذا كان المتدينيين يمنحونه بعض الأموال فهذا شأنهم ومن جيوبهم الخاصه وهم أحرار ..أى لا يعيش عاله على قفا الدوله ولا على قفا الغير ..يتبع

  2. واحد من الناس

    وبضاعة رجال الدين معروفه جيدا فهى بضاعه راكده ومنذ الاف السنين يقومون بتدوبيرها ليس الا ..وغالبيتهم ان لم يكن جميعهم ينشرون الكراهيه والحقد والارهاب وكل الارهابيين هم خريجين من تحت رجال الدين وخاصة الدين الاسلامى ..يعنى منعهم من الخطابه ومن تدريس الدين أفضل بكثير للبشريه ولمصر بالطبع ..وهذه حقائق ثابته وليس هجوم على الدين ..وبحسبه بسيطه كم مليار ميزانية الا,قاف فقط ؟ كما قلت أنت أكثر من عشرة مليارات سنويا ..يعنى لم تم استغلال هذا المبلغ فى مشاريع انتاجيه كل عام لن تجد فقيرا واحجا فى مصر .ناهيك عن ميزانية الأزهر والمؤسسات الاسلاميه الاخرى ..بالطبع أنا لا أقدر أتكلم عن الكنائس لأنها أموالهم الخاصه ومن حيوبهم وليس من أموال الدوله وهم أحرار فيها ..يا عم الكاتب لا تكن عنصرى وقصير النظره ان كنت تريد الاصلاح ..لا تبحث عن طائفه أو دين معين بل عليك أن تتكلم عن مصر وعن الجميع وتتكلم بالحق أو تسكت .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.