الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
كمال زاخر

عرض كتاب: القديس بولس الرسول «حياته * لاهوته * أعماله» للأب متي المسكين الجزء الثانى

: لاهوت بولس الرسول [14] شخص المسيح فى لاهوت بولس الرسول جزء أول : المسيح حكمة الله ـ المسيح يعلو فوق كل شئ

كمال زاخر السبت 1 يوليو 2023

كان السؤال الذى قفز على لسان شاول ـ بولس ـ الفريسى المتمرس والمتحفز رغم، أو لعله بسبب، هول المباغتة حين قطع الرب يسوع المسيح عليه الطريق؛ من أنت ياسيد؟!، وصار هذا السؤال خبز يومه، يحمل اجابته معه اينما ذهب، وكلما أمسك بقلمه وأوراقه ليكتب لتلاميذه ولكنائسه التى اسسهها.

وبعد أن أصبح المسيح عنده الكل فى الكل، “لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا.”لم يكن هذا غريباً على ق. بولس، ويفسر الكاتب هذا “أن حياة المسيح وصفاته وكلماته كانت عند بولس الرسول وحدة واحدة يأخذ منها لنفسه أولاً ثم يعطى الآخرين.

وهذا تماماً هو ما كانت عليه صنعته فى الفريسية تجاه التوراة والناموس. فالمسيح ملأ كل فراغ الناموس (التوراة) فى قلب بولس الرسول عندما اكتشف نهاية الناموس وعدم نفعه؛ الأمر الذى كشفه المسيح للتلاميذ منذ بدء خدمته، عندما قدم عظته على الجبل ، فى مقابل عظة موسى بالناموس على الجبل أيضاً، بل واعتنى المسيح بقوة وتأكيد أن يبيِّن أن هذه جاءت لتحل محل تلك بقوله بتكرار مقصود: “قيل للقدماء … أما أنا فأقول لكم”.

فإن كان القديم قد قيل بفم موسى عن تلقين من فم الله، إذاً فبكل مقياس يقف المسيح هنا كمشرع يتكلم بفم الله مباشرة ليضع نهاية للقديم ليحل محله الجديد.

الأول كان للجسد والأرض وطن، والثانى للروح والسماء كوطن”.ويستطرد الكاتب “وكما كانت التوراة ـ الناموس فى الترجمة السبعينية ـ تعنى لليهودى كل ما استعلنه الله لمعرفة طبيعته الشخصية وأفكاره وأغراضه وعن ما يريده للإنسان أن يكون عليه أن يعمله؛ هكذا عرَّف القديس بولس المسيح، الذى استعلن طبيعة الله وأفكاره ومشيئته من نحو تجديد خلقة الإنسان وميراثه السمائى، بأنه هو (التوراة الجديدة).

ومن هذا ندرك كيف رأى بولس الرسول فى المسيح وأقواله وأعماله كل ما كان يراه الفريسيون فى التوراة القديمة.” ولعل هذا يفسر لنا كيف فهم القديس بولس قول الرب يسوع المسيح أنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله.• شخص المسيح عند ق. بولس هو حكمة الله؛ وصورة الله غير المنظور وبكر كل خليقة، وفيه خُلق الكل ما فى السموات وما على الارض، وهو قبل كل شئ وفيه يقوم الكل، وفيه سُرَّ أن يحل كل الملء، وقد فصَّل هذا فى رسالته لكنيسة كولوسى، ويعقد الكاتب مقابلة بين وصف القديس بولس هنا وبين ما جاء فى سفر الأمثال فى تعريف الحكمة، وينتهى إلى “أنه من أغنى المفهومات الإلهامية عند الربيين اليهود اعتبار ما جاء فى سفر الأمثال ـ

عن الحكمة ـ هو عن التوراة، فلما دخل بولس الإيمان المسيحى ابتدأ الروح القدس يفتح ذهنه ليفهم المكتوب ويطبق ما درسه فى التوراة على المسيح وبالأخص هنا سفر الحكمة.”ثم يقف الكاتب كثيراً وبعمق عند قول سفر الأمثال هنا “الرب قنانى أول طريقه”، باعتبار أن المتكلم هنا هو الحكمة، وينقل عن معلم الناموس “رابي هوشايا” تعليقه على هذا الكلام “كنت أداة الصنعة عند الواحد القدوس … فالواحد القدوس كان ناظراً إلى الناموس عندما خلق العالم، لأن الناموس يقول “فى البدء = بريشت Breshith خلق الله (تكوين 1:1)، ولا يوجد بدء إلا الناموس.

وعليك أن تعود إلى قول سفر الأمثال 22:8 لتقرأ: الرب قنانى = صنعنى أول رشيت Reshith طريقه”.

ويعلق الكاتب “أن بولس الرسول حينما أدرك سر التوراة الحقيقية “برشيت” و “الحكمة” فى المسيح، استقر بالضرورة على أن المسيح هو حكمة الله (1كو24:1)، وهو ما سبق وقال به المسيح:

إنجيل القديس لوقا 49:11: حيث الحكمة هى المتكلمة:”لِذلِكَ أَيْضًا قَالَتْ حِكْمَةُ اللهِ: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ وَرُسُلاً، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَطْرُدُونَ” إنجيل القديس متى 34:23: حيث المسيح نفسه هو المتكلم:”لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَة”.

ويعلق الكاتب “لذلك رؤية بولس الرسول أن المسيح هو حكمة الله هى رؤية حقيقية إلهية مستعلنة على خلفية اجتهاد ومعرفة وإلهام، ولكن لها أصل وترديد من فم المسيح نفسه.”ويجول الكاتب فى اسفار العهد القديم ويجمع كالفراشة من أزهارها ما يؤكد المعنى أن التوراة هى الحكمة وينتهى إلى أن “اليهود قد أدركوا أن الحكمة التى أبدع بها الله الكون لإخراج بديع صنائعه فى السموات والأرض الناطقة بحكمته ولاهوته ـ كما يراها بولس الرسول فى رومية 19:1و20 ـ استودعها فى النهاية كتابه، أى التوراة، ليستعلن بالتوراة المقروءة والمفهومة ما تستعلنه السماء والأرض وكل ما فيها من حكمة الله.

بهذا أدرك اليهود أن الناموس الذى استودعه الله فى أيديهم واستأمنهم على سر حكمته فيه إنما هو تجسيد فكرى لحكمته الفائقة، التى بها خلق السموات والأرض.” ويعود الكاتب إلى ما قاله بولس الرسول بعد أن اُستُعلن له المسيح فأدرك فيه التوراة الحقيقية، حكمة الله وقوة الله، ويتأكد للقارئ التطابق الشديد كلاهما ـ التوراة والمسيح ـ بما سجله القديس بولس فى رسالته الى كولوسى فى اصحاحها الأول، وكذلك فى السطور الأولى فى رسالته لأفسس.

استأذن القارئ فى ملاحظة مرتبطة بهذا الطرح، أنه غنى عن البيان أنه لا يمكن الحديث عن وجود الله خلواً من حكمته، والحديث عن البدء هنا لا علاقة له بالزمن، كما عرفه الإنسان، لأن الزمن جاء بعد خلق السماء والأرض ودورتها حول الشمس وحول نفسها، فكان الليل والنهار وتوقيتات الزمن.

البدء هنا يقع فى نطاق الأزل.

وقد عبرت الكنيسة عن هذا فى قانون ايمانها عن الابن أنه “مولود غير مخلوق”، وقد نحت أحد اللاهوتيين تعبير “الإلادة” ليعبر أنها عملية دائمة وليست لحظة أو حدث فى الزمن.

وشخص المسيح عند بولس الرسول يعلو فوق كل شئ:يتتبع الكاتب ما سجله القديس بولس فى رسائله، وفيه يكشف لنا “أن بولس الرسول لا يسمح لفكر مهما كان أن يضع المسيح فى مستوى مخلوق مهما علا وسما، ، (إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا. أفسس 20:1و22)”.

وليس فى هذا تفخيم شخصى بل “لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ.” (كولوسى19:1و20).، ويؤكد هذا المعنى مجدداً “لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. (فيلبى 9:2ـ11).

ويعلق الكاتب موضحاً “هذه هى صورة يسوع المسيح عند بولس الرسول يطلقها شهادة مدوية على الأرض لتبلغ عنان السماء ولا يمكن أن يزايد فى هذا أحد على بولس قط، ولا مجال لإضافة حرف واحد على مصنف هذه التعبيرات اللاهوتية التى احاط بها المسيح ليجلو الحق فيه قدر ما رأى وعلم وشاهد وشهد”.وينبهنا الكاتب إلى أن “بولس الرسول حينما قال بألوهية المسيح لم يفرط قط فى وحدانية الله، فهو صاحب الشهادة الأولى فى الكنيسة (لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ. ـ كورنثوس الأولى 6:8)، وهذه الشهادة التى شهد بها بولس الرسول لا تزال تشهد بها الكنيسة فى كل أنحاء العالم إذ صارت قانوناً للإيمان الذى مطلعه [بالحقيقة نؤمن بإله واحد الله الآب … نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد…].”وحتى لا يلتبس الأمر على القارئ يشرح الكاتب “القول بالربوبية للمسيح أى [المسيح رب] عند بولس الرسول هو التقييم اللاهوتى عن سبق الوجود للمسيح قبل التجسد.

والرب بالمفهوم العبرى القديم هو اسم [يهوه] مترجماً إلى [رب = أدوناى] للتخلص من رهبة ومخافة النطق باسم (يهوه)، وهذا يؤدى إلى فك رمز شخصية المسيا عينها ـ كرب ـ فهو الشخص الحامل لاسم يهوة المعبَّر عنه والحامل لصورة الله وكل صفاته وأعماله، الذى بالتجسد صار ـ لله غير المنظور ـ المنظور الذى يستطيع أن يتطلع إليه الإنسان ولا يموت : [اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ] (يوحنا9:14).

مازلنا نتتبع شخص المسيح عند القديس بولس، وعند الكنيسة، فى رحلة ممتدة فى رسائله المدققة والممتعة فى مقالات قادمة.

شاهد أيضاً

العلاقة بين العلم والدين فرنسيس كولينز يقبل المسيح كمخلص

نسيم مجلى  هذا عالم فيزياء يترأس مشروع الجينوم البشرى، ويبدو أن إعلانه الإيمان بالمسيح قد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.