ماجد سوس
منذ عدة سنوات ومع انتشار ظاهرة مزارات القديسين أو حتى لمن لم تعلن الكنيسة قداستهم بعد، كتبت مطالبا أهمية العودة لدفن الآباء البطاركة تحت المذابح ودفن الآباء الأساقفة في أديرتهم والآباء الكهنة في مدافن خاصة بهم.
لقد قص علينا المُؤرِخ يوسابيوس القيصري أنَّ المُؤرِخ هيجيسبوس رأى بنفسه جسد القديس يعقوب البار أخي الرب موضوعًا تحت المذبح.
أما المزارات التي شيدت بالفعل وسيكون من الصعب نقلها، من الممكن أن تتحول إلى مذابح يدفن تحتها الشخص ويسمى المذبح باسم السيدة العذراء ويضاف إليه اسم المتنيح في حالة إعلان المجمع المقدس قداسته.
كتبت حينها موضحا كيف أخفى الرب جسد موسى وأصعد جسد العذراء لئلا يعبدهما الناس أو على الأقل لئلا يسرق أحد مجد المسيح.
واشرت لطلب القديس العظيم الأنبا أنطونيوس من تلاميذه ان يخفوا جسده.
اليوم أتحدث معكم عن ظاهرة مؤلمة جدا تحدث في كنيستنا في هذه الأيام وهي ظاهرة تقطيع أجساد القديسين بحجة توزيع بركتهم على الكنائس حتى أن أحدهم نبش قبر أحد الذين اعتبرتهم الكنيسة مؤخرا من القديسين وأخرج جثمان المتنيح وبدأ في تقطيعه بحجة توزيع عظامه للتبرك بيها في أماكن مختلفة.
والأمر، بكل أسف، ليس بجديد فستجد في عصور سابقة أن بعض القديسين تم تكسير عظامهم ووزعت أجزاء منها في عدة أماكن.
وهو أمر لا أجد له سند روحي أو كتابي أو حتى إنساني. مع انتشار السوشيال ميديا خاصة بين الأطفال صارت هذه الصور قاسية مؤلمة لهم ومعثرة لغير المؤمنين حتى أنك تجد شخص يخرج جثمان قديس ليريه للناس في منظر قاسي غير محتمل، ظانا منه أن النظر للعظام عمل روحي فتهودنا أكثر من اليهود وحيدنا عن وسطية الأرثوذكسية وعن طريق الآباء.
أنا لست ضد التبرك بأجساد القدسين فأجسادهم حية هياكل لروح الله القدوس وقد أقام جسد إليشع النبي ميتا حين لمسه، ولكن ما أراه الآن ضد الإيمان يا أحبائي فالقديس لا يصنع المعجزة لوجود جسده في المكان وإلا ما صنعت العذراء مريم معجزات دون أن يكون جسدها على الأرض وما صنع القديس أنطونيوس معجزات ونحن لا نعرف مكان جسده.
فالتكالب على تقطيع أجساد القديسين وتوزيعها أمر جسداني غير مقبول. والأمثلة الكتابية والآبائية كانت على النقيض فكان الشعب يجمع أجساد القديسين لا يقسمها او يمزقها بينهم فحين أوصى يوسف واستحلف بني إسرائيل أن يأخذوا معهم عظامه من مصر ليدفن في أرض آباءهم، فعل موسى هذا وأخذ عظامه معه ولم يتم تقطيع الجسد وتوزيعه على ابنائه أو اخوته، بل دفنوه في ارض شكيم في حقل اشتراه أبوه.
وفي أيام الاضطهاد كان المسيحيون يجمعون أشلاء الشهيد ليضعوه في قبر واحد، لا يقومون بتوزيعها على الكنائس.
وعلينا أن نعي جيدا أن القديس قائم بروحه أما جسده فمكانه التراب وكل ما علينا ان ضع الجسد في مكان لائق مكرم لأنه كما قال سليمان الحكيم: “فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا” (جا٧: ١٢).
والأهم يا أحبائي ألا نسرق مجد المسيح ونعطيه لآخر متناسيين أنه هو إله القديسين وصانعهم.
وإن إكرامهم الأول، أن ننظر لنهاية سيرتهم ونتثمل بهم، لا ننشغل بأجسادهم بقدر انشغالنا بالروح الساكن فيها عالمين أن ” اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا” وعلينا ألا نهمل كلمة الله لأن مصدر سماعنا لصوته “اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ” (يو ٦: ٦٣).
مرة أخرى ننبه ذهن القارئ أن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، نعم تكرم أجساد القديسين وتُطوّبها وتُطيّبها لكن دون تزيُّد أو نُقصان فمبدأها التي عاشت بها منذ نشأتها، متزن وسطى بين عدم تعقيد الأمور حتى عبادة الشكليات وعدم تبسيط الأمور حتى تزييف الحقائق
عزيزي، إن أخطاء الأرثوذكسيين لا تبطل نقاء الأرثوذكسية.