بقلم /ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 12 بؤونة الموافق 19 يونية بتذكار رئيس الملائكة ميخائيل ؛ ولعل السبب في اختيار 12 بؤونة بالذات عيدا للملاك ميخائيل بالذات يرجع بجذوره كما يذكر بعض المؤرخين إلي أصول فرعونية ؛ فـ 12 بؤونة عند المصريين القدماء كان تذكارا للإله “حاعبي” إله النيل حيث كانوا يعتقدون أن هذا الإله يشفق علي المصريين من جفاف النهر ؛فكان يطير إلي أعالي النيل وينفخ في منابع النيل ؛ونتيجة هذه النفخة تصعد المياه إلي السماء؛ فينزل المطر ؛ومن ثم يفيض نهر النيل بالمياه التي تروي البلاد ؛فيعم الخصب والرخاء ؛ويفرح المصريون ويعيدون بالنيل .
كما تذكر العالمة الانجليزبة “آنا رويز” في كتابها روح مصر القديمة ” إحتفال المصريين القدماء بدموع إيزيس خلال شهر يونية حيث كانوا يعتقدون أن الدموع التي ذرفتها إيزيس حزنا علي مقتل زوجها “أوزيريس ” هي السبب في فيضان النيل (الكتاب السابق ذكره ترجمة إكرام يوسف المشروع القومي للترجمة كتاب رقم 965 ؛ص 179 ) .
ولقد أكد علي نفس هذه الفكرة الكاتب الكبير الأستاذ جمال الغيطاني في كتابه الممتع “نزول النقطة ( كتاب اليوم – مايو 2009 _ ص9 ) ؛ والكاتب الكبير الأستاذ نبيل زكي في مقاله الأسبوعي بجريدة الأخبار يوم الأحد 6 يونيو 2010 ( الصفحة الأخيرة بجريدة الأخبار بالتاريخ المذكور مقال بعنوان “موسم دموع إيزيس “)
فلما أمنت مصر بالمسيحية ؛أستبدل الأقباط الإله “حاعبي” “ودموع إيزيس ” برئيس الملائكة ميخائيل بأعتبار أنه الواقف أمام العرش في السماء يشفع في الناس ويرفع إلي الله صلواتهم ويطلب من أجل ارتفاع مياه النيل ؛ليعم الخير كل أرض مصر .
ولهذا السبب تتحول الأوشية “الأوشية كلمة سريانية معناها صلاة ” في هذا اليوم من “تفضل يارب أهوية السماء وثمرات الأرض في هذه السنة باركها ” إلي ” تفضل يارب مياه النهر في هذه السنة باركها ” ولقد ورد أيضا في كتب الكنيسة (ميخائيل رئيس الملائكة الطاهر قائم عن يمين الله ؛يطلب عن أهوية السماء وثمرات الأرض ؛ومياه النيل كي تمتليء ويصعدها الله كمقدارها علي وجه الأرض كلها ) كما جاء في كتب التماجيد الخاصة برئيس الملائكة ميخائيل ( هوذا ماء النهر يكمل بطلبات ميخائيل رئيس الملائكة العظيم ) .
وتحتفل الكنيسة القبطية بعيد آخر لرئيس الملائكة ميخائيل يقع في 12هاتور الموافق 21 نوفمبر .
ونظرا لتكرار عيدين لرئيس الملائكة يقعان في يوم 12 هما 12 بؤونة و12 هاتور ؛فلقد أصبح يوم 12 من كل شهر قبطي تذكارا ثابتا لرئيس الملائكة ميخائيل ؛ وفي هذا العيد تقام القداسات والصلوات الاحتفالية ؛ثم تقام الموائد من أجل الفقراء والمساكين .
وفيها يوزع نوع مخصوص من الفطير معجون بالزيت يعرف ب”فطير الملاك ” وهذا النوع تنذر بعض العائلات القبطية إذا تحقق لها شيء ما بشفاعة رئيس الملائكة ميخائيل أنها تطبخ الفطير وتوزعه علي الفقراء والمساكين كنوع من البركة .
وكدعوة أيضا إلي التماسك الأجتماعي إذ يشترك الشعب كله في طعام واحد فيكون بينهم كما يقول المثل العامي “عيش وملح ” ويعرف أسم ميخائيل في اللغة الانجليزية ب”مايكل ” وبه تسمي المثال العالمي مايكل انجلو (1475-ــ 1564 ) أي الملاك ميخائيل ؛ومنها جاء أسم “سان مايكل ” أما في اللغة الفرنسية فيعرف ب”ميشيل ” وميخائيل كلمة عبرية معناها “من مثل الله ” وللملاك ميخائيل صورة تقليدية نجدها في معظم الكنائس القبطية تصوره مرتديا كامل حلته الحربية ؛ ومشهرا سيفا في يده اليمني ؛وفي اليد اليسري يحمل ميزانا رمزا للعدل الإلهي المكلف بتفيذه ؛ كما نراه فاردا جناحيه رمز الأستعداد ؛ بينما نري الشيطان مهزوما وضعيفا تحت قدمي رئيس الملائكة ميخائيل .
ويذكر بعض المؤرخين أن الميزان الذي يظهر في صورة الملاك ميخائيل له جذور فرعونية ترجع إلي محكمة أوزيريس حيث كان يجلس علي عرش المحكمة وحوله 42 قاضيا وكان بوضع قلب المتوفي علي أحد كفتي الميزان
وفي الناحية الأخري كانت توضع ريشة رمز” ماعت إله العدالة أو الضمير” ؛فإذا رجح قلب المتوفي علي الريشة كان ذلك دليل علي أعماله الصالحة ويكون مؤهلا لدخول حقول “يارو” ومنها جاءت كلمة “نياررؤو ” باللغة القبطية ومعناها “الأنهار” ؛ أما رجحت الريشة علي القلب فيكون ذلك دليلا علي شرور المتوفي فيظهر وحش خرافي علي شكل فرس النهر ويلتهم جزء من قلبه وبعدها تهبط روحه إلي “الامنتي ” “وهي كلمة هيروغليفية وأيضا قبطية معناها “الجحيم “
(لمزيد من التفصيل حول هذه المحاكمة راجع الفصل 125 من كتاب الموتي ) .
ولعل هذه الصورة الرمزية وسيلة إيضاح للآية التي جاءت في سفر الرؤيا إذ يقول “وحدثت حرب في السماء .
ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته .ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء .
فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلي الأرض وطرحت معه ملائكته ” (رؤ 12 :7- 9 ) وجاء في كتب الكنيسة في المدائح الخاصة بالملاك ميخائيل (ميخائيل الملاك ضرب إبليس بجناحه فألقاه إلي أسفل الجحيم ؛إلي كمال الدهور )
وفي الأديرة الآثرية القديمة نجد جميع الكنائس المقامة داخل الحصون الدفاعية تسمي علي أسم الملاك ميخائيل ؛وذلك إيمانا من الرهبان بأنه هو الملاك الذي يحرس الدير من هجمات البربر وسائر الأعداء .
وفي التقليد القبطي القديم كانت توضع أيقونة الملاك ميخائيل في أعلي الكنيسة بأعتباره الملاك الحارس لها .
ومن أشهر الكنائس الآثرية التي علي أسم الملاك ميخائيل “كنيسة ودير الملاك البحري ” بحدائق القبة ؛وعنها يقول العلامة المقريزي تحت كلمة “كنائس القاهرة ( كنيستا الخندق …. ظاهر القاهرة .إحدهما علي أسم الملاك غبريال “والصحيح هو الملاك ميخائيل ” والأخري علي أسم “مرقريوس ” وعرفت برويس .
وعند هاتين الكنيستين يقبر النصاري موتاهم ؛وتعرف بمقبرة الخندق )
( تاريخ الأقباط ؛تحقيق عبد المجيد دياب ؛دار الفضيلة ؛ص 192 )
أما الراهب الدومنيكاني فانسليب ( 1635- 1679 ) فيقول عنها ( عند الخروج من هذا الباب غير بعيد من دير الطوباوي أبا رويس ؛مقبرة أقباط القاهرة ؛بالقرب منه دير آخر بحديقة كبيرة وجميلة جدا ؛وكنيسته علي أسم القديس ميخائيل رئيس الملائكة .
هذه واحدة من أجمل الكنائس التي يمتلكها الأقباط حول القاهرة . هنا اشتركت أيضا في مأدبة يدعوها الكتاب القدماء “أغابة” ]محبة[ كانت فوق سطح الكنيسة ؛يوم عيد القديس ميخائيل بعد القداس ؛وقد حضرها أكثر من 200 شخص ) ( تقرير الحالة الحاضرة ؛ تأليف جوفني ميكليه فانسليب ؛ ترجمة وديع عوض ؛ تقديم محمد عفيفي ؛ المشروع القومي للترجمة ؛الكتاب رقم 1005؛ ص161 )
أما علي باشا مبارك فيقول عنها ( الكنيسة الثانية بالخندق …. هي بدير الملاك ميخائيل وهي بأسمه وهذا الدير بعرف الآن بدير الملاك البحري ؛ وهو بحري دير أبي رويس ويفصل بينهما جسر السكة الحديد الموصل للعباسية ؛ وهو في موقع حسن للغاية تحيط به الرياض والحقول من الجهات الأربع ؛وهي كنيسة جليلة قديمة المنشأ )
( الخطط التوفيقية الجديدة ؛ الجزء السادس ؛مكتبة الأسرة 2008 ؛سلسلة التراث ؛ص 234 ) .
وهناك أيضا من الكنائس الآثرية كنيسة الملاك القبلي بمصر القديمة .
وعنها قال العلامة المقريزي ( هذه الكنيسة كانت عند خليج بني وائل ؛خارج مدينة مصر ؛قبلي عقبة يحصب ؛وهي الآن قرية من جشر الأفرم ؛أحدثت في الإسلام ؛وهي مليحة البناء ) ( تاريخ الأقباط ؛مرجع سبق ذكره ؛ص 214 )
أما الأب فانسليب فيقول عنها ( في مساء السبت 17 /7/ 1672 ذهبت إلي مصر القديمة لزيارة دير الملاك ميخائيل ويقع شرقا ] الملاك القبلي[ قضيت اليل في حقل الشيخ مبارك لأستمع للقداس لأن الأقباط عادة يقولوه في منتصف اليل ” لا يصلي القداس في منتصف الليل إلا في الأعياد الثلاثة الكبري “الميلاد – الغطاس – القيامة ” ولعل المؤلف هنا يقصد تسبحة نصف الليل وليست صلاة القداس ” )
تاريخ أبو المكارم ؛الجزء الرابع ؛إعداد الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر الراحل ؛ ص 115 ) وقال عنها العالم الانجليزي ألفريد بتلر ( 1850- 1936 ) في كتابه الشهير الكنائس القبطية القديمة في مصر ( وقد ذكرنا أن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل تقع في السهل الخصب الذي يلامس صحراء مصر القديمة من جهة الجنوب ؛ولا يبعد هذا الدير عن دير الأمير تادرس بأكثر من نصف ميل ؛أما الكنيسة الموجودة به حاليا فهي حديثة البناء مع أن أساسها قديم جدا )
( الكتاب السابق ذكره ؛سلسلة الألف كتاب الثاني رقم 130 ؛الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ص227 )
كما كتب عنها القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي في كتابه وقال عنها ( جنوبي مصر العتيقة .
فيه كنيسة كما في غيره من الأديرة يخدمها قسوس علمانيون .وليس فيه رهبان .
ويسمي دير الملاك القبلي لأنه جنوب مصر أي قبليها . ) (المرجع السابق ذكره ص 131 ).
ويوجد في هذه الكنيسة الحجرة التي سكن فيها القمص مينا المتوحد ( قداسة البابا كيرلس السادس) ومازالت الكنيسة تحتفظ بالدولاب وكل المتعلقات الشخصية التي كان يستعملها .ومن الأديرة الشهيرة التي علي أسم رئيس الملائكة ميخائيل دير الملاك بأخميم ؛وعن أخميم نفسها قال عنها العلامة أميلينو في كتابه جغرافية مصر في العصر القبطي (هذه المدينة من أشهر المدن المصرية القديمة والحديثة ؛ويأتي ذكر أسمها مرات عديدة في المخطوطات القبطية
وقال سترابون عنها أنها مدينة قديمة ؛وأنها امتازت بعمل القماش من الكتان ونحت الأحجار ؛وقال عنها يوحنا النقيوسي أن ثائرا يدعي Azarias قام بثورة هناك ؛كما أشار إليها شامبليون ؛ وذكر أن أسمها الفرعوني ترجمته هيكل مين ؛)
( معجم البلاد والأماكن المصرية في العصر المسيحي المعروف بجغرافية مصر في العصر القبطي ؛ ترجمة حلمي عزيز ؛مراجعة وتحقيق أ.د محمد عبد الستار عثمان ؛دار الوفاء للطباعة لدنيا الطباعة والنشر ؛ فقرات مختارة من ص45 :49 ) وقال المقريزي عن الكنيسة والدير ( كنيسة ميكائيل بمدينة أخميم ؛ومن عادة النصاري إذا عملوا عيد الزيتونة المعروف بعيد الشعانين أن يخرج القساوسة والشمامسة بالمجامر والبخور والصلبان ؛والأناجيل والشموع ؛ويقفوا علي باب القاضي ؛ثم أبواب الأعيان من المسلمين ؛فيبخروا ويقرءوا فصلا من الإنجيل ؛ويطرحوا له فصلا “أي يمدحونه ” )
( تاريخ الأقباط ؛مرجع سبق ذكره ص 215 ) كما ذكرها أيضا القمص عبد المسيح المسعودي في كتابه ( 145 ؛146 )