مايكل عزيز البشموري
حدّث فى زمن البابا كيرلس الرابع – أبو الإصلاح – أنه قام بتأسيس مدارس قبطية نظامّية ، لتعليم وتثقيف أبناء الأقباط والمصريين عموماً ، وقبل إنشاء تلك المدارس ، كان يوْجَد فى ذلك الحين كتاتيب ملحقة بالكنائس ، تُعلم الأطفال القراءة ، والكتابة ، والصلوات ، وكان يتولى مسئولية تعليم الأطفال ، معلمين أفاضل يعرفوا باسم ( العرفاء ) وكان هؤلاء ” العرفاء “ عُميان لا يبصرون
وعندما استعان البابا كيرلس الرابع بالمدرسين الأجانب والمصريين ، لتولى مسئولية التعليم بالمدارس التى قد أنشأها ، شعر «العرفاء» بالخطر على مكانتهم من إغلاق الكتاتيب ، وإبتدأو ينشرون الشائعات ويثيرون الفتن والقلائل ضد البابا ، وأشاع أولئك العُميان ، أن المدارس التى أنشأها الأنبا كيرلس ، تُعلم الكفر والهرطقة وفساد الأخلاق والعقائد غير الارثوذكسية
« لقد فعلوا ذلك لأنهم كانوا بحاجة إلى المال ، ولأن إصلاحات البابا كانت ستسد عليهم أبواب الرِّزْق من وراء عملهم بالكتاتيب » ؛ حينها استغلوا منزلتهم ومكانتهم بين الناس ، ولأن الشعب القبطي كان يحترمهم ويصغى لما يقولونه ، فعمل «العرفاء العُميان» ، على زرع الفتنة والشقاق بين الأقباط ؛ وجعلوا يطوفون بالبيوت ، ويحرضون آباء الأولاد وأمهاتهم على العصيان ، وشق عصا الطاعة على أبيهم البطريرك ، وكان إذا وصل إلى الدار
البطريركية شيء من الكتب أو معدات التعليم كان العرفان العُميان يولولوا ويصرخون بأن هذه بنادق وآلات للحرب ، وملابس الصيف وأحذية للشتاء قادمة لتجنيد شباب الأقباط بالجيش ، « فإنقسمّت الكنيسة بسببهم »
وأعتقد الشعب بصحة إدعاءاتهم المغرضة ، وأخذهم الرعب وكرهوا عمل البطريرك ، وتحولوا لمقاومته ؛ وقد عرف البابا كيرلس بحكمته درء تلك الفتنة التى صنعها اولئك العُميان ، فجمع لديه كل العرفاء وطيب خاطرهم وخصص لهم مكاناً بالمدرسة الكبرى بالأزبكية ؛ ورتب لهم المرتبات وعهد اليهم أن يقوموا بالتعليم فى المرحلة الابتدائية
وما إن استقر وضع العرفاء حتى تحولوا مائة وثمانين درجة فبدأوا يرتلون ويسبحون بحمد البابا وبأفضاله عليهم .
البابا تواضروس الثانى وعرفاء هذا الزمان :
ما أشبه الليلة بالبارحة ؟ فعرفاء الأمس هم عُميان اليوم ، وعُميان اليوم هم عرفاء الأمس ، فالذى يجمع بين هذا وذاك : نبذهم الحداثة ، وكراهيتم للتغييرات ، فالغاية التى توحّد هؤلاء – هى – تحقيق المصالح والحفاظ على الموروثات ؛ فقصة العرفاء العُميان بالماضى ، تذكرنا اليوم بـ « العرفاء الجدد » ؛ المنتشرين فى وسطنا الان ، المهاجمين لكل عمل إصلاحي يتخذه البابا تواضروس الثانى ، لأجل منفعة الكنيسة والأقباط ، فيقوم (العُميان الجدد)
بالهجوم على البابا تارة ، وعلى أباء الكنيسة المستنيرين تارةً أخرى ، وذلك تحت مسميات مضللة ، فأشاعوا أن إصلاحات البابا وتعاليم بعض الأساقفة والرهبان الإجلاء ، تروج للهرطقة وفساد الأخلاق والتبشير بعقائد غير أرثوذكسية ، وكأن الكنيسة لا يوجد بها مجمع أساقفة يتولى مسئولية الحفاظ على الإيمان ، والعرفاء الجدد
ليسوا عُميانا ظاهرياً حسب الجسد ؛ ولكنهم عُمياناً ظاهرياً حسب الروح ، فهناك فرق بين العمى الروحى والعمى الجسدى ، فعُميان الروح هؤلاء ، عملوا على استغلال مكانتهم ونفوذهم لدى أبناء كنيستهم البسطاء ، ليحرضونهم عبر صفحاتهم و إعلامهم الثرثار على كسر طاعة أبيهم البطريرك ، والتمرد عليه بإستمرار
مثلما أُتبع الحال بزمن البابا كيرلس أبو الإصلاح ؛ فنجدهم دائماً : كارهين ، متمردين ، متزمتين ، حاسدين ، ناقمين ، مبغضين ، رافضين لأى عمل إصلاحي من شأنه نهضة الأقباط والكنيسة ، مستغلين بذلك طول آناة البابا وصبرهِ عليهم ، ليخرج البابا عن صمته ويصفهم ، بأنهم أصحاب عقول مغلقة ، وقلوب مريضة مليئه بالسواد
فهؤلاء العُميان لم يعدوا يكترثون لمصلحة شعبهم ، ولا يبالون بالمرتدين والمتحولين عن الإيمان ، ولا يبحثون عن الخروف الضال ولا يدعون أحداً يبحث عنه ، لإنهم غير عابئين بالآلام البسطاء وهموم الأبرياء
فهم مهمومين فقط بالبحث عن السلطة الروحية ، والكرامة ، والمجد ، والجاه ، فاستحقوا عن جدارة لقب : ”عُرفاء هذا الزمان وعُميانه“
أخيراً : لكل زمان لديه عُرفائه ، ولكل زمان أيضاً لديه كيرلُسه ؛ الرب يستخدمنا لنكون مثل كيرلس أبو الإصلاح ؛ ويبعد عنا شر العرفاء العُميان .