إعداد/ ماجد كامل
تعتبر شجرة مريم واحدة من ضمن المزارات الهامة التي مرت بها العائلة المقدسة خلال رحلة هروبها إلي مصر ، وهي تقع بمدينة المطرية . والثابت تاريخيا أن المطرية نشأت علي أنقاض مدينة هليوبوليس القديمة علي مقربة من مسلتها الشهيرة التي ما زالت قائمة حتي الآن .
وهي اول عاصمة لمصر القديمة ، وكانت تسمي قديما مدينة” أون On ومعناها ” العمود Colonne ” كما كان تدعي بي – رع Pi –Ra ومعناها ” مسكن رع ” حيث شيد معبدها الضخم الذي كرس لعبادة الإله ” رع ” .
أما أسم “هليوبوليس ، ومعناه ” مدينة الشمس ” فهو الأسم الذي أطلقه الأغريق علي المدينة ، ولقد أشتهرت منذ القديم بجامعتها العريقة حيث ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم ، ومن هذه المدينة التاريخية دون مانيتون المؤرخ الأغريقي الشهير تاريخه عن ملوك الأسرات مستعينا في ذلك بالسجلات واللفائف التي كانت محفوظة بين أروقة جامعتها الشهيرة ( رؤوف حبيب :- بلدة المطرية وشجرة مريم ، فصل من كتاب المظاهر الرائعة للفنون القبطية ، مكتبة المحبة ، صفحة 1 ) .
وهذه هي الجامعة التي تعلم فيها الفيلسوف اليوناني الشهير ” أفلاطون Plato ( 428 ق .م – 384 ق . م تقريبا ) .
كما جمع فيها المشرع اليوناني ” صولون “Solon ( 640 ق .م -560 ق . م تقريبا ) قوانينه الشهيرة ( رؤوف حبيب ، نفس المرجع السابق ) .
ولقد جاء ذكرها في الكتاب المقدس ، حيث جاء عنها تحت أسم “اون ” ” اسم من اللغة المصرية القديمة لفظه اونو وقد تزوج يوسف الصديق أبنة كاهن أون ( تك 41 : 45 ) و قد ورد أسم اون في الترجمة السبعينيية أسم اون مضافا الي أسماء المدن التي بناها العبرانيون في مصر .
وتدعي المدينة في ( ارميا 43 : 13 ) بيت شمس ، وهو نفس الأسم اليوناني لمدينة هليوبوليس .
وكانت أون في مصر القديمة مركز لعبادة رع إله الشمس ، وموقع اون بالقرب من بالقرب من ضاحية المطرية الحالية علي مسافة عشرة أميال شرقي القاهرة ، وأهم ما تبقي فيها من آثار مسلة سنوسرت الأول من الأسرة الثالثة عشر الذي حكم من 1971 – 1972 ق . م . ومما لا شك فيه أن يوسف شاهد هذه المسلة ، وهي مذكورة في أرميا 43 : 13 .
وقد اشتهرت قديما بجامعتها ، ويقول التقليد أن العائلة المقدسة جلست لتستريح تحت شجرة جميز في اون التي هي المطرية حاليا ، وأن مريم غسلت ثياب الصبي يسوع في مياه عين شمس ( قاموس الكتاب المقدس ، حرف الألف ، تحرير بطرس عبد الملك وجون طمسن ، صفحة 139 ) .
أما الأسم “مطرية ” فهي تعرف باللغة القبطية Pe Tre ومعناها ” بيت الشمس ، حيث Pi معناها بيت ، وRh معناها الشمس باللغة المصرية القبطية ( نيافة الأنبا غريغورويوس :- الدير المحرق تاريخه – وصفه – كل مشتملاته ، صفحة 63 ) .
ولقد مرت العائلة المقدسة خلال رحلتها الي مصر علي هذه المنطقة وأستراحت تحت ظل هذه الشجرة ، ولقد سجل وقائع هذه الزيارة البابا ثاؤفيلس البابا رقم 23 ، وذلك في ميمر شهير له ، وهذا الميمر مكتوب باللغة القبطية ، ثم ترجم إلي اللغة العربية في القرن الثالث عشر وبالتحديد عام 1284م في الدير المحرق ، وهي محفوظة حاليا بمكتبة مخطوطات الفاتيكان تحت رقم 698 عربي ( القمص يوسف الحومي :- تاريخ شجرة مريم وكنيستها ، صفحة 16 ) ،
كما جاء ذكرها أيضا في ميمر القديس قرياقص أسقف البهنسا ، ولعل الأنبا زاخاراياس اسقف سخا هو أول من ذكر تفاصيل زيارة هذه المنطقة .
حيث قال ” وقاموا جميعا وظلوا سائرين إلي أن وصلوا إلي مدينة تدعي عين شمس .
وكان بيد الشيخ عصاة يتوكأ عليها من أشجار أرض أريحا فأخذ السيد له المجد منها قطعة وغرسها ووضع يده الإلهية علي الأرض فللوقت نبع عين ماء عذب فأخذ بيديه الطاهرتين وشرب وروي ذلك العود اليابس فأخضر وأنبت أغصانه وفاحت منه رائحة طيبة وهي من شجر البلسم الذي كان ينبت بأريحا ، والمكان الآن يدعي المطرية وهذا البلسم كان يستخرج منه زيته ويستعمل لمسحة الملوك والكهنة والأواني المقدسة
كما كتب عنها أبو المكارم في كتابه ” تاريخ الكنائس والأديرة بالوجه البحري ” وكتب عنها ابو المكارم ، وعرض بالتفصيل قصة الكنيسة القديمة التي كانت بجوار الشجرة وتعرض لمراحلها التاريخية ، ويذكر أن الكنيسة ترجع للقرن الخامس وعرفت بأسم كنيسة الذهب ، ولقد هدمت هذه الكنيسة وأعيد بناؤها سنة 1154م عن طريق أحد الأراخنة ، ويخبرنا ابو المكارم كذلك عن تحول الكنيسة إلي مسجد أثناء الحروب الصليبية
( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- القمص يوسف الحومي : تاريخ شجرة مريم وكنيستها ، راجع ايضا ابو المكارم تاريخ الكنائس والأديرة بالوجه البحري ، الجزء الأول ، الصفحات من 23- 27 ) .
كما كتب عنها بالتفصيل الرحالة الفرنسي فانسليب Vansleb ( 1635- 1676 ) فقال عنها “ذهبت مع بعض الفرنسيين إلي قرية المطرية علي مسافة ساعتين شرق القاهرة حيث توجد الأماكن التي زارها مخلصنا يسوع المسيح مع العذراء مريم والحديقة التي كانت تزرع سابقا من نبات البلسان .
عند دخولنا البستان وعلي اليمين وجدنا في الفناء وعلي اليمين مسجد صغير للاتراك يسمي الآن بالمقعد يقال أنه بني علي أنقاض كنيسة صغيرة .
ويوجد في هذا المقعد حوض صغير من الرخام الملون يملأ بالماء من قناة من بئر عجيب جدا ويقال أن العذراء مريم كانت تغسل ملابس طفلها وأنها كانت تجلس السيد المسيح أثناء ذلك علي تجويف يقع علي سور المقعد .
وبالقرب من هذا المقعد بئر عجيب واسع وعميق جدا يقال أن مخلصنا اغتسل من هذه البئر ولا يعرف حتي الآن طريقة منبعه – يقال أن المياه متصلة بالنيل عن طريق قناة أو نفقا ولكنني أعتقد أن هذا مستحيلا .
دخلت الي البستان الذي يزرع بشجر الريحان ( البلسان ) وهي لا تثمر إذا زرعت خارج الحديقة ،ويقو أحد الأباء أن هذه الشجرة قد وقعت لشيخوختها عام 1656 م ( الأنبا صموئيل :- تاريخ أبو المكارم ما كتبه الأجانب والمؤرخون عن الكنائس والأديرة ، الجزء الرابع ، الصفحات من 114 و115 ) .
ويذكر لنا الدكتور رؤوف حبيب ( 1902- 1979 ) في الكتيب الذي وضعه عن شجرة مريم ، أن شجرة مريم قد تعرضت للضعف والسقوط ، فسقطت عام 1656 م ، فقام مجموعة من الآباء الفرنسيكان بجمع أغصانها وفروعها ، وزرعو من غصونها شجرة فنمت وتفرعت ، وترجع جذورها إلي عام 1672 م .
( رؤوف حبيب :- المطرية وشجرة العذراء ، فصل من كتاب المظاهر الرائعة للفنون القبطية ، صفحة 3 و4 ).
كما يذكر رؤوف حبيب أن الجنود الفرنسيين بعد انتصارهم في موقعة ” عين شمس ” التي دارت بين كليبر والجيوش التركية ، وبعد انتصار كليبر عليهم ، قام الجنود الفرنسيون بزيارة الشجرة ونحتوا أسمائهم بسيوفهم علي فروع الشجرة بخناجرهم وحرابهم ، ومنهم من دون شفائه من مرض الرمد في عينيه بعد اغتسالهم من نبع بلدة المطرية ، ومنهم من ذكر شفائه من أمراضه عندما زاروا الشجرة وقدموا صلواتهم وشكرهم لله علي هذا الشفاء ( رؤوف حبيب :- نفس المرجع السابق ، صفحة 5 ) .
كما كتب العالم الفرنسي ” أميلينو ” Emile Amelineau ( 1850- 1915 ) فقال عنها تحت أسم ” المطرية ” ” وردت سيرتها خلال الحديث عن رحلة العائلة المقدسة في مصر .
حيث ورد في السنكسار ” وحينئذ مروا بالمطرية وأقاموا بها ، وصار مصدر مائها الصالح حتي تلك الساعة ، ويخرج من شجرتها بلسم عطر يستخدم في العماد وتدشين الكنائس ( اميلينو :- جغرافية مصر في العصر القبطي ترجمة وتعليق ميخائيل مكسي إسكندر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2012 ، صفحة 187 ) .
وكتب عنها الرحالة البريطاني ستانلي لين بول Stanely Lane -Pool ( 1854- 1931 م ) في كتابه ” سيرة القاهرة ” بعد وصفه للمسلة حيث قال ” وبجانب تلك المسلة المنعزلة الآنفة الذكر نشاهد شجرة جميز عتيقة جفت بفعل الزمن ، وشوهتها الأسماء التي لا عد لها ، هذه الشجرة هي التي استراحت تحتها العائلة المقدسة حينا هربت إلي مصر ، ومن هنا سميت شجرة العذراء .
وعلي مقربة من هذه الشجرة نبع ماء عذب ، ويقال أن ماءه قد أصبح عذبا لأن الطفل قد أستحم فيه .
( ستانلي لين بول :- سيرة القاهرة ، ترجمة حسن ابراهيم حسن وآخرون ، المركز القومي للترجمة ، العدد رقم 1831 ، عام 2011 ، صفحتي 62 و63 ) .
ومن بين زوار هذه الشجرة الإمبراطورة اوجيني Eugenie ( 1826- 1920 ) ، وذلك أثناء حفلات افتتاح قناة السويس عام 1869 .
ففي يوم 18 اكتوبر 1869 ، قامت الامبرارطورة بزيارة المنطقة بناء علي طلبها ، كما زرارت كنيسة مسطرد ، وكان في استقبالها كاهن كنيسة مسطرد ، ولقد شربت الإمبراطورة من البئر وتبركت منه ( القمص يوسف الحومي :- مرجع سبق ذكره ، صفحتي 49 و50 ) .
ومن بين الذين كتبوا عنها أيضا نذكر الدكتورة إلهام محمد ذهني ، فلقد جاء عنها في كتاب ” مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين الأوربيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر ” حيث ذكرت عنها أن الفرنسيون قد زاروها ، ووجدوا فيها بستان وبئر تفجرت منه المياه ، وقد بني حول البئر نافورة يستخرج منها الماء بواسطة اناء من المرمر ، ويوجد بالشجرة نافورة صغيرة ، كما يوجد بها العديد من الأشجار مثل التين والرمان والجميز ، وتوجد شجرة تين كبيرة في الحديقة يزعم فرمنال Fermenael أن العذراء أختبأت في جذعها عندما كان جنود هيرودوس يطاردونها
( إلهام محمد ذهني :- مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، صفحتي 110 و111 ) .
وذكرتها مرة أخري في كتاب ” مصر في كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين في القرن التاسع عشر ( راجع النص بالكامل في المرجع المذكور ، صفحتي 216 و217 ) .
والجدير بالذكر أنه قد تم تطوير المنطقة خلال العديد من السنين ، كان آخرها في يوم 17 سبتمبر 2022 ، حيث افتتح اللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية وأحمد عيسي وزير السياحة والآثار واللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة ، أعمال تطوير منطقة شجرة مريم ، ضمن سلسلة من خطة تطوير تشمل العديد من المواقع الأثرية في مسار رحلة العائلة المقدسة .
وجاءت خطة تطوير المنطقة علي النحو التالي :
1- توفير مظلات ومقاعد للزائرين بما يتفق مع الجو العام للمنطقة .
2- وضع لوحات إرشادية وتعريفية للمكان .
3- إعداد مقاعد مخصصة لذوي الهمم .
4- أعداد مطويات باللغات العربية والإنجليزية بطريقة برايل .
5- توفير نظام تأمين من خلال تركيب بوابات الكترونية وكاميرات مراقبة ، ونظام حديث للإضاءة لإنارة المنطقة ليلا وإظهار أماكن الجمال فيها .
6-رفع كفاءة الشوارع المؤدية للشجرة . ( مي سيد – محمود كساب :- تفاصيل تطوير شجرة مريم ….. إحدي نقاط رحلة العائلة المقدسة ،بوابة أخبار اليوم ، 17 سبتمبر 2022 ) .
كما صرح وزير التنمية المحلية هشام آمنة ، أن هذا التطوير يشمل استكمال كل أعمال تشغيل شلالات المياه الموجودة عند فوهة البئر المجاور للشجرة ، وتجهيز منطقة للكافتريات ، وإقامة قامتي عرض دائم بالمنطقة لتعريف الزائرين بتاريخ رحلة العائلة المقدسة ، وتاريخ شجرة مريم من خلال عرض أفلام وثائقية ، كما يشمل المشروع أيضا طلاء وتجميل العقارات المجاورة للمنطقة ( فرج أبو سلامة : افتتاح مشروع تطوير شجرة مريم بحضور وزراء السياحة والتنمية المحلية ، جريدة المصري اليوم ، 17 سبتمبر 2022 ) .
بعض مصادر ومراجع المقالة :
1-بطرس عبد الملك :- قاموس الكتاب المقدس ، حرف الالف ، صفحة 139 .
2- ابو المكارم :- تاريخ الكنائس والأديرة ، الجزء الأول والرابع ،
3- أميل اميلينو :- جغرافية مصر في العصر القبطي ، ترجمة وتعليق أرشيداياكون ميخائيل مكسي إسكندر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2012 ، صفحة 187 ) .
4- ستانلي لين بول :- سيرة القاهرة ،ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرون ، المركز القومي للترجمة ، تقديم أيمن فؤاد سيد ، العدد رقم 1831 ، سنة 2011 ، صفحتي 62 و63 . -رؤوف حبيب :-المطرية وشجرة العذراء ، فصل من كتاب المظاهر الرائعة للفنون القبطية ، مكتبة المحبة .
5-القمص يوسف الحومي :- تاريخ شجرة مريم وكنيستها ، تقديم ومراجعة الأنبا سلوانس ، كنيسة السيدة العذراء بالمطرية ، الطبعة الأولي ، 2000 .
6- جودت جبرة :- الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ، ترجمة أمل راغب ، ، المركز القومي للترجمة ، الكتاب رقم 1488 ، الطبعة الأولي 2016 ، صفحة 168 .
7-اسحق ابراهيم عجبان :- رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر ، تقديم قداسة البابا تواضروس الثاني ، المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم بالتعاون مع معهد الدراسات القبطية ، الطبعة الأولي ، 2017 ، صفحتي 218 و219 .
8- إلهام محمد ذهني :- مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1991 ، صفحة 110 و111 .
9- إلهام محمد ذهني :- مصر في كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين في القرن التاسع عشر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة تاريخ المصريين ، الكتاب رقم 52 ، 1992 صفحة 216 و217 .
10- مي سيد – محمد كساب :- تفاصيل تطوير شجرة مريم …… إحدي نقاط رحلة العائلة المقدسة
11-فرج أبو سلامة :- افتتاح مشروع تطوير شجرة مريم بحضور وزراء السياحة والتنمية المحلية