بقلم ماجد كامل
جاء اختيار البابا يوحنا الثالث والعشرون ( 1958- 1963 ) ليكون بابا للكنيسة الكاثوليكية رقم 260 في تاريخ باباوات الكنيسة الكاثوليكية ؛ وكان ذلك بتاريخ 28 أكتوبر 1958 ؛ وتم تنصيبه بأسم “يوحنا الثالث والعشرون ” وكان يبلغ من العمر 77عاما ( من مواليد 25 نوفمبر 1881 ) .
وكان الكل يتوقع انه سوف يكون بابا انتقالي ؛ ولن يصدر في أي عهده اي إنجاز ؛ غير انه فاجأ العالم بقرار خطير بدعوة الكنيسة الكاثوليكية لعقد مجمع كبير عرف ب”مجمع الفاتيكان الثاني ” .
وقصة هذا المجمع أنه بعد انتخاب البابا يوحنا الثالث والعشرين بابا للكنيسة الرومانية في 28 اكتوبر 1958 ؛وكان يبلغ من العمر وقتها 77 سنة ؛ظن الجميع أنه سوف يكون بابا لمرحلة انتقالية ؛ غير أنه فاجأ العالم كله بدعوته إلي عقد مجمع عالمي ؛ وكان ذلك بتاريخ 25 يناير 1959 ؛ وحدد لهذا المجمع هدفين كبيرين ؛الهدف الأول هو تجديد الكنيسة والرسالة في عالم يتبدل سريعا
أما الهدف الثاني فهو العودة إلي وحدة المسيحيين في العالم ؛فمهمة الكنيسة ليس محاربة الخصوم بقدر ما هو إيجاد لغة تكلم بها العالم الذي تعيش فيه .
وفي يوم 11 اكتوبر 1962 أفتتح البابا يوحنا الثالث والعشرين المجمع رسميا ؛بحضور 2400 كاردينالا وأسقفا من جميع أنحاء العالم الكاثولويكي ؛ كما حضر كمراقبين Observer بعض ممثلي الكنائس والطوائف غير الكاثولوكية
ولقد حضر عن الكنيسة القبطية الآرثوذكسية القمص باخوم المحرقي (المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي فيما بعد )
كما حضر كمراقب أيضا البطريرك الراحل مار أغناطيوس زكا عيواص الأول بطريرك أنطاكية للسريان الآرثوذكس والذي توفي في 21 مارس 2014
وفاة البابا يوحنا الثالث
لقد توفي البابا يوحنا الثالث والعشرين في 3 يونيو 1963 ؛ وخلفه البابا بولس السادس في 21 يونيو من نفس العام ؛ ليكمل مسيرة المجمع من بعده حتي اختتم أعماله في 8 ديسمبر 1965 ولقد صدرت عنه عدة وثائق ترجمت الي العديد من اللغات الحية ؛وكان من بينها اللغة العربية ؛ منها وثيقة عن علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية ؛ وكان من بينها الدين الإسلامي بالطبع حيث قالت وثائق المجمع عنه
( تنظر الكنيسة بتقدير إلي المسلمين الذين يعبدون الله الأوحد ؛الحي ؛القيوم ؛الرحمن القدير ؛فاطر السموات والأرض .
أنهم يجتهدون بكل نفوسهم لأحكام الله وإن خفيت مقاصده ؛كما سلم الله لإبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب إليه ؛ ثم أنهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه جميع الناس عندما يبعثون أحياء ؛من أجل أنهم يقدرون الحياة الأبدية ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم .
ولئن كان عبر الزمان قد وقعت منازعات وعداوات بين المسيحيين والمسلمين ؛ فإن المجمع يهيب بالجميع أن ينسوا الماضي ؛وأن يجعلوا باجتهاد صادق سبيلا للتفاهم فيما بينهم ؛وأن يتماسكوا من أجل جميع الناس علي حماية وتعزيز العدالة الاجتماعية والقيم الأدبية والسلام والحرية ).
ومن وثائق المجمع أيضا وثيقة بعنوان “الجماعة الإنسانية ” وتحت عنوان “تنمية الخير العام ” جاء فيه ” لا بد من تيسير كل شيء للإنسان من شأنه أن يتيح له الحياة الإنسانية الحقيقية ومنها الغذاء والكساء والسكن وحق وحق اختيار نوعية الحياة التي يريد عيشها وتكوين أسرة والتثقيف والحصول علي عمل ؛ وكذلك الحق في حسن السمعة والاحترام والاعلام بالقدر الكافي ؛وأن تصان حياته الخاصة وكذلك حقه في حرية عادلة تشمل حياته الدينية ” .
وفي البند 27 من نفس الوثيقة ؛وتحت عنوان “احترام الشخص الانساني ” جاء فيه ” يؤكد المجمع احترام الإنسان بحيث يعتبر كل فرد إيا كان ؛قريبه كنفسه ؛ويراعي في المقام الأول وجود هذا القريب والوسائل التي تؤهله لأن يعيش عيشا كريما
وبالاضافة الي ذلك ؛فأن كل ما يتعارض مع الحياة ذاتها كالقتل بجميع أنواعه والاجهاض وقتل المرضي المستعصي شفائهم لوضع حد لآلامهم ؛والانتحار بمطلق الإرادة ؛وكل ما يشكل اهدارا واكراها كالتشوية والتعذيب الجسدي والأدبي ؛وكل ما يحط من كرامة الإنسان كالعيش في ظروف لا انسانية ؛ والسجن التعسفي المستبد والنفي والرق والاتجار بالنساء والأطفال
إن كل هذه الممارسات وما يشابها هي في الحقيقة شائنة ؛فإنها تفسد الحضارة وتشين من يطبقها أكثر مما تشين من يتحملونها ” .
وعن احترام الخصوم ومحبتهم جاء البند رقم 28 من نفس الوثيقة “يجب أن يتسع حبنا واحترامنا ليشمل أولئك الذين يخالفوننا في الرأي والعمل ؛سواء في الأمور الاجتماعية أو السياسية أو الدينية ؛فضلا عن أننا كلما اجتهدنا في فهم طرق تفكيرهم بتعاطف بالغ ورقة ؛كلما تيسر لنا سهولة الحوار معهم أكثر”.
وحول دور الإنسان المسيحي في القيام بواجبه ؛ تقول وثائق المجمع ” المسيحي الذي لا يقوم بواجباته الزمنية إنما يكون مهملا لما للقريب عليه ؛ بل مهملا لله نفسه ؛ويعوض خلاصه الأبدي للخطر ” .
كما اكدت وثائق المجمع علي أهمية الثقافة الإنسانية ؛ والثقافة بمعناها الواسع طبقا لتعريف المجمع ” كل ما يصقل الإنسان وينمي طاقات نفسه وجسده المختلفة ؛وما يعمل به لإخضاع الكون لسلطانه عن طريق العلم والمعرفة والعمل .
وهذا يفرض احترام جميع الثقافات ؛وتعدد الثقفات هو دعوة الي الكنيسة للدخول في مجال كل نوع من أنواع الحضارة ؛ فيكون لها من ذلك غني والثقافات المختلفة تكون له غذاء .
ولقد ركز المجمع علي ثلاثة أمور فيما يتعلق بالثقافة :
1-الاعتراف بحق الجميع في الثقافة وتحقيه عمليا :
” يجب أن يوفر لكل انسان القدر الكافي من الثقافة .
2- أهمية التكوين الثقافي المتكامل :
من خلال الكتب ووسائل الاتصال الثقافي والاجتماعي الجديدة التي تسهل انتشار الثقافة .
3- التنسيق بين الثقافة الإنسانية والمؤسسة المسيحية :
فعلي الللاهوتيين الإستفادة من تطور الدراسات في العلوم والتاريخ والفلسفة ؛ لتقديم الإيمان بأساليب قريبة من أذهان أهل العصر ولقد أصدر البابا يوحنا الثالث والعشرين خلال مدة بابويته القصيرة ؛رسالتين عامتين ؛الرسالة الأولي صدرت في 15 مايو 1961 بعنوان “أم ومعلمة ”
أما الرسالة الثانية ؛فلقد صدرت في 11 نيسان ( ما يقابل شهر أبريل في السنة الميلادية ) 1963 بعنوان “السلام علي الأرض ” أما عن رسالة “أم ومعلمة ” فهي تنقسم إلي أربعة فصول هي :
1- تذكير بتعليم الكنيسة الإجتماعي من لاون الثالث عشر إلي بيوس الثاني عشر .
2- توضيحات عقائدية في مختلف المواضيع الاجتماعية والاقتصادية .
3- نظرة إلي الوجوه الجديدة للقضية الاجتماعية .
4- توجيهات رعوية في علاقة الحياة المسيحية بالمواضيع الاجتماعية .
ولقد تطرق في هذه الرسالة لقضية العدالة الاجتماعية وعلاقتها بالتطور الاقتصادي والاجتماعي ؛فأكد علي أن العدالة الاجتماعية تفرض علي التطور الاجتماعي أن يواكب دائما التطور الاقتصادي ؛فيجب أن تنمو الثروة الوطنية لتشمل كل الفئات وبدون استثناء ؛لذلك يجب السهر بجدية علي تجنيد كل الطاقات ؛فأن ازدهار شعب ما يجب أن يقاس بتوزيع الخيرات والثروات توزيعا عادلا ؛يفتح المجال أمام رقي كل المواطنين ونموهم .
أما الرسالة الثانية ” السلام علي الأرض ” فتنقسم إلي خمسة أقسام هي :
1- العلاقات بين الأشخاص بشكل عام .
2- العلاقات بين الموا طنين داخل الدولة الواحدة .
3- العلاقات بين مختلف الدول .
4- علاقات الأشخاص والدول بالمجتمع العالمي .
5- توجيهات راعوية في وضع المسيحين في العالم .
وتركز هذه الرسالة علي قيمة الإنسان وكرامته ؛وهي قائمة علي قيمة الإنسان في ذاته ؛الذي وهبه الله العقل والإرادة والحرية ؛كما يطالب البابا في هذه الرسالة جميع الكاثوليك إلي المشاركة في الحياة العامة
فلابد لهم من الوجود في مؤسسات المجتمع والتأثير من الداخل في أنظمتها ؛ ولا مجال للتأثير في هذه المؤسسات بدون الكفاءة العلمية والتقنية والمهنية ؛ويختتم البابا رسالته بضرورة العمل من أجل السلام داخل كل دولة إذ يقول “يوجد مهمة عظمي منوط بها الناس ذوي الإرادة الحسنة ؛وهي مهمة إعادة توطيد العلاقات بين البشر علي أسس الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية ؛سواء بين البشر بعضهم البعض ؛أو علاقة المواطنين بالدولة ؛أو علاقات الدول فيما بينها
وفي الواقع لا يمكن أن يسود السلام بين الناس ما لم يسد أولا داخل كل واحد منهم . والسلام لن يكون إلا سرابا ما لم يتأسس علي نظام يرتكز علي الحقيقة ويبني علي العدالة وتمده المحبة بالحياة والكمال ؛وأخيرا يعبر عنه فعليا في الحرية “. وحول دور المسيحية في رقي الإنسان
أكدت الوثيقة أن من يحمل في نفسه شعار المحبة المسيحية لا يستطيع إلا ان يحب الآخرين ؛ يشعر بمآسيهم وآلامهم وأفراحهم تماما كما بأوضاعه الخاصة .
والجدير بالذكر أن البابا فرانسيس قد قرر يوم 27 أبريل 2014 ؛إعتماد كل من البابا يوحنا الثالث والعشرون ؛ والبابا يوحنا بولس الثاني ( 1978 – 2005 ) بابا الكنيسة الكاثولكية رقم 264 ؛ قديسين رسميين في الكنيسة الكاثولكية ؛ وكان قد سبق لكاتب هذه السطور كتابة مقال حول ذلك الحدث بجريدة القاهرة بتاريخ 29 أكتوبر 2014 ) .
بعض مصادر ومراجع المقالة :
1-وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني :- المكتبة الكاثوليكية – السكاكيني – القاهرة ؛ الطبعة الثالثة ؛ 2003 .
1-خوان داثيو :- معجم البابوات ؛ تعريب أنطوان سعيد خاطر ؛دار المشرق ؛بيروت ؛ الفصل الخاص بالبابا يوحنا الثالث والعشرون ؛ الصفحات من 359- 369 .
2-المطران كيرلس سليم بسترس :- مدخل إلي علم اللاهوت الأدبي ؛ الجزء الثاني ؛ تعليم الاجتماعي ؛ منشورات المكتبة البولسية ؛ الطبعة الأولي ؛2001 الجزء الخاص بالبابا يوحنا الثالث والعشرون ( 113- 201 ) .
3- القس فايز فارس :- الأخلاق المسيحية ؛ الجزء الثاني ؛ دار الثقافة ؛ من 217 – 239 .