الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
الكنيسة القبطية
ماجد سوس

طريقُ الحبِ يفضحُ المحبةَ الزائفةَ

ماجد سوس

الزيارة التاريخية الناجحة التي قام بها البابا المُعظّم الأنبا تواضروس الثاني لغبطة البابا فرنسيس الأول بابا روما كان لها صدى واسع على المستوى المسكوني لا سيما بعد التطور غير المسبوق الحادث في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في العالم.

لقد كرز البابا تواضروس الثاني بالمحبة وبكنيستنا القبطية الأرثوذكسية لأكثر من مليار ومئتين مليون كاثوليكي يتابع غالبيتهم أخبار بابا الفاتيكان يوميا بشغف بخلاف باقي طوائف العالم.

قدم البابا تواضروس للعالم، الكنيسة القبطية، بتاريخها ومجدها بألحانها وقداسها وبقديسيها حيث قدم لبابا روما أجزاء من ملابس شهداء ليبيا والملطخة بدمائهم الطاهرة، الأمر الذي قرر معه البابا فرنسيس ببناء مذبحا خاصا لهم، وقدم هو الآخر أجزاء من جسد القديسة القبطية سانت كاترين والتي قررت الكنيسة القبطية تأسيس دير باسمها في كاليفورنيا تحت رعاية المطران المكرم الأنبا سيرابيون مطران كرسي لوس أنجلوس وهواي.

ولأول مرة في التاريخ، يجلس بابا الإسكندرية على كرسي مساوي في كل شيء بجانب بابا روما في ساحة القديس بطرس ويتكلم لمسيحيي العالم وهي رداً على المعاملة بالمثل التي قام بها المتنيح البابا شنودة حين أجلس البابا يوحنا بولس على كرسي مساو ومشابه لكرسيه.

البابا تواضروس الذي بدأ كلمته القوية الرائعة التي أذيعت في كل أنحاء المسكونة، بالبسملة القبطية “خين إفران”، تحدث قائلاَ: “إنني أرى العالم كدائرة كبيرة مركزها الله، وكل منا يقف عند نقطة على الدائرة،

وكلما اقتربنا من الله مركز الدائرة نجد أنفسنا نتقارب تلقائيًّا، ونفهم بعضنا بعضًا بسبب اقترابنا من النور الإلهي، وتزداد محبتنا يومًا بعد يوم بسبب قربنا من الله المحبة.

إنه طريق طويل نسيره معًا نحو الله الذي قال «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ” (يو ١٤: ٦)”.

ثم إستطرد قائلا ” هكذا بدأنا الحوار ومستمرون فيه، فالحوار طريق طويل لكنه آمن، تحميه ضفتان من المحبة، ضفة محبة المسيح لنا وضفة محبتنا لبعضنا، لذلك مهما واجهنا من تحديات فإن المحبة تحمينا، لنكمل مسيرتنا ونستمر من أجل الفهم المتبادل.

والصلاة مبدأنا لكي نسند بعضنا البعض، متحملين مسؤوليتنا واضعين أمامنا قول يوحنا الحبيب” لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ!” (١ يو ٣: ١٨).

وكان أول من بدأ حوارات المحبة في العصر الحديث هو البابا يوساب الثاني وأكمله البابا كيرلس السادس ففي 25 أبريل 1969 أرسل البابا كيرلس السادس وفدا كان من ضمنهم الأنبا إغريغوريوس أسقف البحث العلمي والدراسات اللاهوتية.

وأثناء صلاة الوفد القبطي للقداس الإلهي في كنيسة يوحنا المعمدان الكاثوليكية وجدوا تمثالاً وتحته مدفن مكتوب عليه هنا يدفن البابا أثناسيوس الرسولي بابا الإسكندرية فأبلغوا البابا كيرلس الذي قدم طلبا للكنيسة الكاثوليكية بإرسال جزء من رفات البابا أثناسيوس ولما تبوأ البابا شنودة السدة المرقسية جدد طلبه مرة أخرى.

الفضل الأكبر في دفع العلاقات إلى الأمام هو البابا شنودة الثالث الذي ذهب إلى الفاتيكان في عام 1973

وطلب جسد البابا أثناسيوس الرسولي ووضع مع بابا روما وثيقة قوية لبدء الحوار بين الكنيستين واستمر هذا الحوار لسنوات حتى وضع البابا شنودة في التحفظ على يد الرئيس السادات.

أثناء التحفظ الذي وضع فيه البابا شنودة عام 1981، أعرب قداسته عن رغبته في مقابلة الأب دوبريه من أجل إعادة الحوار وأوفد الأنبا أرسانيوس أسقف المنيا لعمل اتصالات وعرض اقتراحات.

وفي عام 1985 زاره وفد من الآباء الكاثوليك مكون من الأب دوبريه، والأب عمانويل، والأب جرارد دكورت، عبر قداسته أمامهم عن تصميمه الجاد لاستئناف الحوار والتقدم في الطريق المؤدى إلى العودة الكاملة للشركة.

في عام 1988 ذهب إلى الفاتيكان وفد رأسه الأنبا بيشوي مطران دمياط وسكرتير المجمع ومعه الأنبا بولا أسقف طنطا بمقابلة سكرتير الوحدة بين الكنيستين ومطالبته بعودة الحوار بين الكنيستين بعدها حضر إلى مصر الأب دوبريه ليرتب عودة أعمال اللجنة الدولية المشتركة بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية.

أرسل بابا روما خطابا للبابا شنودة مؤرخ 30 مايو 1988 رحب فيه بالاتفاقية الكريستولوجية الرسمية الموقعة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

بعدها بدأت لقاءات سنوية بين الكنيستين معظمها عقد في دير القديس العظيم الأنبا بيشوي بوادي النطرون وكان يفتتحها البابا شنودة بنفسه. في أوائل فبراير من عام 2000 وصل بابا روما لزيارة مصر ولمقابلة البابا شنودة في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وعند وصول سيارة بابا الفاتيكان بدأ شمامسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في أداء الألحان القبطية، ولأول مرة يذكر اسم بابا روما في الألحان القبطية داخل الكنيسة الأرثوذكسية.

أستقبله البابا شنودة بترحاب شديد، وقبَّل الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس القبطي يد بابا روما ومعه أساقفة كنيستنا ثم أهداهم بابا روما مسبحة بها صورة للعذراء مريم ومن الجانب الآخر صورة للفاتيكان.

صلى بابا روما قداساً في الصالة المغطاة بإستاد القاهرة، أرسل إليه البابا شنودة وفدا من أساقفة الكنيسة القبطية لاستقبال بابا روما وحضور القداس. ذهب قداسة البابا شنودة إلى كاتدرائية السيدة العذراء مريم للأقباط الكاثوليك بمدينة نصر للقاء بابا روما مرة ثانية وهناك أعاد البابا شنودة الكلام عن وثيقة ١٩٧٣ وقال: ” وقد عادت الصلة – بين الكنيستين- بعد زيارتي لقداسة البابا بولس السادس في الفاتيكان سنة 1973م وقد وقعنا معًا إعلانًا مشتركًا A common declaration وكوَّنا لجنة مشتركة لأجل الحوار اللاهوتي.. إننا سعداء أن نرحب بقداستكم، ليس فقط الكنيسة القبطية، بل كل المصريين، ونشكركم على كلمة التحية التي قلتها في المطار لأجل كنيستنا..

ونرجو أن تتقدم بتعضيدكم كل الجهود لأجل الوحدة المسيحية لأن الرب الإله قال في إنجيل يوحنا الإصحاح العاشر أنه يريد أن تكون كنيسته “رعية واحدة لراع واحد ” وفي تأملاته مع الله الآب في يوحنا الإصحاح 17 إنه يريد أن يكون تلاميذه أو المؤمنين به ” أن يكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد ” فليكن الرب معكم أثناء إقامتكم في مصر في هذه الأيام”.

أحبائي، ما أجمل المحبة وما أجمل السعي نحوها فهي رباط الكمال، نهج الثالوث، طريق الأباء وقوة الكرازة.

إنها هي الطريق الوحيد المؤدي لوحدة الإيمان، بل هي مفتاح السماء ومحرقة إبليس، ولأن المحبة ترعبه لذا هي هدفه الأول يحاربها بأسلحة الكذب والتضليل والتشكيك والوقيعة وتزييف الحقائق.

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.