هناء ثروت
لم تسعفني دموعي الأيام الماضية لأكتب عنك، فمهما كتبت لن أستطيع أو تستطيع الكلمات أن توفي حق هذا الرجل الجميل، ربما كُتب عنه من بعد انتقاله من عالمنا الكثير من المقالات التي أفردت مساهمته القوية في نشر ثقافة الفن وكيف اتسع صدره وفتح ابواب جمعية النهضة الى المهمشين من الفرق والفنانين وكيف استطاع أن يخلق لنفسه حالة مميزة وشريحة كبيرة من العلاقات من مختلف طوائف الشعب كما رأينا في صلاة وداعه، رأينا الكبار والصغار، الشباب والشابات، الراهبات والمحجبات، المثقفون والنخبة والفنانون من كل التخصصات، حتى أن الكثير منهم لم يكتفي بصلاة الوداع بل ذهبوا معه إلى مثواه الأخير.
ولكن، ربما ما سأقوله أنا سيختلف عما كُتب عنه، فأنا كنت معه طيلة تسع سنوات أعمل كسكرتيرة لمكتبه أو كما كان يقول عني “هناء بتشتغل معايا”، كنت أرى الأب وليم سيدهم اليسوعي الإنسان لا الراهب أو فقط رئيس مجلس الإدارة، كنت أراه يحلُم ويفكر ويكتب أفكاره على الورق وينفذها في الواقع.
كان شخصية فريدة ومتميزة، كان يتعامل بقلب راعي يخاف على رعيته، لم يتعامل معنا على أننا موظفين أو متطوعين نقضي بعض الوقت وكفى، لكن كان دائمًا يسأل عن أحوالنا ويطمئن على استقرارنا، كنت انهم من كنوز كلماته، فكانت جلستنا الصباحية حينما أصل المكتب في التاسعة صباحًا وهو كان يسبقنا جميعًا، فكان يومه يبدأ مع بزوغ نور النهار أو ربما قبل ذلك أيضًا، نجلس سويًا نحتسي المشروب الساخن ويطمئن علي وعلى أسرتي بناتي وزوجي، ويسأل عن أحوالهم بالتفصيل ولا يمل، حتى عندما كنت أجبه الاجابة المعتادة “هما بخير الحمدلله”
يسأل عنهم واحدًا واحد، ثم انتهز فرصة جلوسنا ونتكلم عن قضايا مهمة تحدث من حولنا سواء قضايا روحية او اجتماعية او حتى سياسية، وهنا كنت أرى هذا الفيلسوف الكبير وكيف أنه يمتلك وجهة نظر مختلفة ومتميزة وفي مكان بعيد عما نفكر فيه نحن.
وكنت دائمًا أقول له “الكلام دا لازم ينزل في كتب ويستفيد به كل الناس ماينفعش يتقال في مكتب وخلاص” وكانت اجابته دائمًا “أنا مركز اليومين دول في التأملات الروحية لما اخلصها نبدأ نفكر”
تعلمت منه ثقافة الاعتراف بالخطأ والإعتذار لمن اخطأت في حقه، مهما يكن او مهما كان عمله، فالأب وليم سيدهم اليسوعي كان يتعامل مع الانسان بطبيعته لا بما يعمل او يمتهن، ومن زار صفحته الشخصية على الفيس بوك يرى صوره مع جيراننا، السايس والميكانيكي وصاحب محل ادوات صحية وعلى قهوة بلبل مع احبائه، لم يكن له عداوة شخصية مع أحد كان لطيف طيب القلب يشعر بمن حوله وكان يُقدم المساعدة بقلب راض.
تعلمت منه حب العلم فقد شجعني هو الكاتب الكبير الاستاذ سليمان شفيق –والذي أُدين له بالفضل في أمور كثيرة وأهمها أنه عرفني على هذه القامة الكبيرة والشخصية المتفردة- لدراسة الاعلام في الجامعة المفتوحة حتى انجزت سنواته الاربعة، هل لكم ان تتخيلوا ان قبل وفاته بيوم واحد فقط كان يفكر في عمل رسالة الدكتوراه وإن عنده الكثير ليقدمه ناظرًا إلي بضحكته الجميلة “هتساعديني يا هناء” أرد له الابتسامة “طبعا يا ابونا وانا اللي هاستفيد كمان”
حقًا يا ابتي لو ظللت اكتب عنك لن اوفيك حقك، فعلى المستوى الشخصي انا فقدت والدي الثاني فعندما كنت اودعك كأنني أودع أبي مرة ثانية، فأفضالك علي كثيرة وتأثيرك في كبير، ستظل في قلبي وعقلي، ستظل كلماتك وصوتك يرن في أذني، سوف أسعى جاهدة لأجعلك فخور بي كما كنت تقول.
شكرًا على تسع سنوات كلها تعليم وتشجيع.
شكرًا على كل مرة كنت بتسمعني فيها وانا مهمومة وزعلانة.
شكرًا على رسائل التقدير اللي بسمعها عنك.
شكرًا على محبتك ودعمك واحتوائك.
شكرًا يا ابويا.