بقلم جورجيت شرقاوي
انتشرت فكرة ايجاد القاسم المشترك انطلاقًا من مشاركة قصص الاستشهاد لأول مرة من خلال البابا فرانسيس منذ عام 2014، و حاول اليسوعيون تنفيذها خلال توحيد ذكري الشهداء من مختلف الطوائف باستعراض عدة مبادرات، و لا شك ان اتفاقيه مسكونيه الدم بمثابه أجندة تدعو للتوحيد بمفهوم مختلف بين الكنيسه الكاثوليكية والكنيسة ألأرثوذكسية عن طريق استخدام الشهداء، ولعل يتبلور الاستشهاد في الكنيسه القبطية حول الحفاظ علي الأيمان المستقيم، أما مفهوم الشهادة الكاثوليكي يشتمل على مصطلحات ترجع تاريخيا حول ألسيادة و الحفاظ علي الأرض في ظل سلطه دينيه و اجتاز حروبا لسلطه بين الكاثوليك والبروتستانت تصل بعضها للتصفية الجسدية داخل الأروقة و دور العبادة أو حروبا تتعلق بالعرب تميل نحو هدف مادي و نزاع علي سلطه و ليس روحيا يتبسط حول الأيمان العقائدي
و يأتي المفهوم منبثقا من الحركة المسكونية بصورة أشمل و هي حركة تنادي بالوحدة العالمية بين كل الديانات من خلال تعاون أكبر،و لذلك يختلف شهداء الهدف السماوي مع من سقطوا في حروبهم الأرضية، ومن الصعب ان تعترف الكنيسه القبطية بشهداء بالمعني اللفظي للكنيسه الكاثوليكيه
مهما اعترفت ألأخرى بشهداء ليبيا الأقباط. ولو تعمقنا تاريخيا أيضا، سنجد ان الكنيسة الكاثوليكية تورطت في دماء يوم شهداء من الكنيسه الأرثوذكسية عقب مجمع خلقيدونية ومنشور طومس لاون و التي سقط علي اثره الثلاثين ألف شهيد في يوم واحد في الإسكندرية و كان من اهم أسبابة عقيدة الطبيعتين في شخص السيد المسيح الذي يعترف بها الكاثوليك، و لم تكن الكنيسه القبطية التي حاول البابا فرانسيس مرور تلك الأفكار من خلالها، بل حرص علي تداولها عبر عدة لقاءات مع بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية كيريل والكنيسه الأثيوبية عام ٢٠١٦ .
وانقذت حكمه قداسة البابا تواضروس الثاني واحتوت الموقف، فقد اهدي البابا فرنسيس مع وفد الكنيستين هدية خلال لقائهما عبارة عن صندوق خشبي بها أجزاء من البدلة البرتقالية لكل شهيد من الشهداء الـ ٢١ التي كانوا يرتدنها وقت استشهادهم، مكتوب على كل جزء اسم الشهيد و بضع صور للرفات
واجتاز طلب الفاتيكان رسميا بالرفات المقدسة من بضع سنوات، و قد يعتقد البعض أن الغرض هو المحبه فقط في حين انه الطلب في حد ذاته له جذور تاريخيه، فقد تطبق قداسه البابا تواضروس الثاني ألمحبة بمفهومها الصحيح حسب الاعتقاد المسلم من الآباء القديسين بدون ان يتوارى عن الفخ المنصوب بالاشتراك في اي مراسم تخص الكنيسه الكاثوليكية من خلال طقس الاحتفال بالشهداء، و حضرت بقوة الكنيسة القبطية التي تقود و لا تنقاد
أما الحديث عن الاختلاف حول الانتماء أو الجذور فقط غير مكتمل الأركان داخل جسد الوحدة، إن الالتفاف حول دم الشهداء بالادعاء آنها بذرة للوحدة و خلال اعتبار ان الشهداء قد اتحدوا جميعا في السماء أجندة غير مجديه، و ايمان الكنيسة الأولى قبل الانشقاق، جعل من الآباء الأولين خبرة أيمانيه سليمة جعلتهم يبذلوا أرواحهم، فالاندماج يبدأ بثغرة أتيت بثمارها و فشلت بعد الزيارة مهما اعترف الفاتيكان رسميا بشهداء ليبيا و بناء مذبح مخصوص، لذلك دعونا نرتكز علي اسس المحبة واهداف الزيارة المعلنة.
وجاءت فكرة مسكونيه الدم عبر تداول المسيحيون متّحدون في وجه الاضطهادات و تقارير كان مفادها أن من يهم لقتل مسيحي لا يسألون عن الطائفه بل يكتفون بقطع رأسه، بزعم الاكتفاء بالانتماء للسيد المسيح فلا يأبهون لأي كنيسة ينتمي إليها الضحية، و تروج هذة الأجندة أن السيد المسيح نفسه هو الشهيد الأول إذ ضحّى بنفسه كي نكون جسداً واحد، والغريب انهم يتناسوا دوما أن الثبات علي الأيمان المستقيم
احد اهم الأسباب التي تركها الله للإنسان في الاختيار و من اجلها ينال الخلاص بمفهومه الكامل و ليس بمصطلحات مجتزة يحاولون نشرها تدخلنا في دوائر جيوسياسة وحروب سياسة عالمية مسكونيه. أن المحبة الحقيقية هي
التغلب علي الخلافات بالاتضاع و انفتاح الذات و ليس تجاوز الخلاف أما لأسباب تقارب سياسيا و مفاهيم اجتماعيه، و التسليم بأن العقيدة تقتضي ألأيمان فقط بالمسيح، أو بمعموديه الدم غير كافيه لأقامه جدار واحد في جسد الوحده، فأن الخبرة الإيمانية السليمة بفضل التمسك بإيمان الكنيسة المستقيم لا يعني عدم تطبيق المحبه، فنستطيع تطبيق مفهوم المحبه الروحي و الكامل أيضا دون التجاوز الشكلي عن المسلمات العقائدية
البابا تواضروس الثاني فى زيارة مكتب الكنائس الشرقية البابا تواضروس الثاني فى زيارة مكتب الكنائس الشرقية
فعلينا أن نحدد هل نبحث فعلا عن الوحدة التطبيقية بعمق فكرها و سمو رسالتها السماوية و الهدف الاسمي أم عن امجاد زمنيه هشه تحركها الرياح، و شتان الفرق بين الجمود الفكري والسيطرة بقصد الحق المشوه، فلم يكن ابائنا الرسل متشددون حينما وقفو أمام العالم كله لإثبات المفهوم الصحيح، و كان ممكن ان يكتفوا بتحقيق وحدة جزئيه بدلا من الشتات كلما يحاول البعض تمريرها اليوم.
و قد يزعم البعض أن شهداء ليبيا قدموا نوع من الوحدة، فمنذ خمسة عشر قرنا من الزمان لم يحدث ان اعترفت الكنيسة الكاثوليكية بقديسي الكنيسة القبطية، فقد اعلن البابا فرانسيس أدراك شهداء ليبيا في السنكسار الرّوماني عن طريق هذا الحدث تعترف الكنيستان بقديسين ما قبل خلقيدونية
و لكن الحقيقه لم تسقط عدد السنوات لتعود الكنيستان لتعترفا وتتفقا علي قديسين لاختلاف مفاهيم الشهادة أيضا، فوضع شرطا كالمعمودية ليس فقط بالماء والرّوح بل بالدم أيضا كعلامه علي قبول الكنيسه الكاثولوكيه للشهداء
وليس من اجل المعمودية الارثوذكس، فخرجت تلك الكلمات لتضع حد لمن يفسر ان الاعتراف و اقامه المذبح جاء لقبول كل شهداء الكنيسة الأرثودكسية
و اكد البابا فرانسيس أن الدم هو بذرة الوَحدة لأتباع المسيح كلّهم و كأنه يقول ليس قاصر علي الكنيسه القبطية فحسب، و هو المفهوم المختلف تماما عن معموديه الدم في الكنيسه القبطية الذي يشترط ظروف اخري تتعلق بالمكان و التوقيت و عدم المعموديه الارثوذوكيه المسبقة قبل الدم، فكلاهما يلغي الأخر.