د.ماجد عزت إسرائيل
القديس مارمرقس الرسول مؤسس كنيسة الإسكندرية كان له اسمين الأول يوحنا وهو اسم عبري يعني “يهوه حنان”، والثاني مرقس وهو اسم روماني يعني “مطرقة”.
وُلد القديس مرقس في القيروان Cyrene إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا، في بلدة تُدعى ابرياتولس، من أبوين يهوديين من سبط لاوي، اسم والده أرسطوبولس، ووالدته تدعي مريم، وكانت أسرته من الأغنياء.
كان مرقس يمت بصلة القرابة للرسل بطرس إذ كان والده ابن عم زوجة القديس بطرس الرسول أو ابن عمتها. ويمت بصلة قرابة لبرنابا الرسول بكونه ابن أخته (كو 4: 10)، أو ابن عمه، وأيضًا بتوما.
كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً:” “يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ.” (كو 4: 10).
وهكذا، تعلم القديس مرقس اليونانية واللاتينية والعبرية فأتقنها جميعا، وتذكر بعض المصادر التاريخية أن القبائل البربرية هجمت على أملاك أسرته فى القيروان ونهبتها، وكان ذلك فى عهد الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر Augustus Caesar (23 سبتمبر 63 ق.م – 19 أغسطس 14 م) ، فهاجرت الأسرة من القيروان إلى فلسطين وسكنوا بمدينة أورشليم.
وتعرفوا على السيد المسيح ومبادىء المسيحية، ويذكر التاريخ أن أسرة مرقس من أقدم الأسر إيمانًا بالمسيحية وخدمة لها.
حيث فتحت أم القديس مرقس بيتها ليأكل الفصح مع تلاميذه في العلية – علية صهيون- فصار من البيوت الشهيرة في تاريخ المسيحية المبكر.
وهناك غسل رب المجد أقدام التلاميذ، وسلمهم سرّ الإفخارستيا، فصارت أول كنيسة مسيحية في العالم دشنها السيد بنفسه بحلوله فيها وممارسته سرّ الإفخارستيا.
وفي نفس العُلية كان يجتمع التلاميذ بعد القيامة وفيها حلّ الروح القدس على التلاميذ حيث دون لنا الكتاب المقدس قائلاً:” وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا” (أع 2: 1-4)، وفي ذات المكان كانوا يناقشون أمورهم بمحبة في نشر تعاليم السيد المسيح.
وعلى هذا فقد كان بيت مرقس هو أول كنيسة مسيحية في العالم اجتمع فيها المسيحيون في زمان الرسل حيث ورد بالكتاب المقدس قائلاً:” ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ”. (أع 12: 12).
والقديس مرقس الرسول رأى السيد المسيح وجالسه وعاش معه، بل أنه كان من ضمن السبعين رسولًا، لذا لقبته الكنيسة: “ناظر الإله”. وأيضًا مرقس كان أحد السبعين رسولًا الذين اختارهم السيد للخدمة، وقد شهد بذلك العلامة أوريجينوس والقديس أبيفانيوس.
ويذكر التقليد أنه كان حاضرًا مع السيد في عرس قانا الجليل، وهو الشاب الذي كان حاملًا الجرة عندما التقى به التلميذان ليُعدا الفصح للسيد وقد دون الكتاب المقدس هذا المشهد التاريخي إنجيل القديس مرقس قائلاً: “فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟” (مر 14: 13-14)؛ وأيضًا القديس لوقا قائلاً:” “وَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ الْمُعَلِّمُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟” (لو 22: 11). ولقديس مرقس كذلك الشاب الذي قيل عنه أنه تبع المخِّلص .
ومن الجدير بالذكر، أن القديس مرقس الرسول بدأ خدمته مع معلمنا بطرس الرسول في أورشليم واليهودية.
يسجل لنا سفر أعمال الرسل أنه انطلق مع الرسولين بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى وكرز معهما في إنطاكية وقبرص ثم في آسيا الصغرى.
لكنه على ما يظن أُصيب بمرض في برجة بمفيلية فاضطر أن يعود إلى أورشليم ولم يكمل معهما الرحلة. عاد بعدها وتعاون مع بولس في تأسيس بعض كنائس أوروبا وفي مقدمتها كنيسة روما.
على أية حال، بدأ الرسول بولس رحلته التبشيرية الثانية إذ أصر برنابا الرسول أن يأخذ مرقس، أما بولس الرسول فرفض، حتى فارق أحدهما الآخر، فانطلق بولس ومعه سيلا، أما برنابا فأخذ مرقس وكرزا في قبرص نص ما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: “فَهذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ.وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ اللهِ فِي مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِمًا.” (أع 13: 4-5)، وقد ذهب إلى قبرص مرة ثانية بعد مجمع أورشليم حسب ما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: “فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ.” (أع 15: 39)
واختفت شخصية القديس مرقس في سفر الأعمال إذ سافر إلى مصر وأسس كنيسة الإسكندرية بعد أن ذهب أولًا إلى موطن ميلاده “المدن الخمس” بليبيا، ومن هناك انطلق إلى الواحات ثم الصعيد ودخل الإسكندرية عام 61 م. من بابها الشرقي.
ودخل مار مرقس مدينة الإسكندرية على الأرجح عام 60 م. من الجهة الغربية قادمًا من الخمس مدن. ويروي لنا التاريخ قصة قبول أنيانوس الإيمان المسيحي كأول مصري بالإسكندرية يقبل المسيحية… فقد تهرأ حذاء مار مرقص من كثرة السير، وإذ ذهب به إلى الإسكافي أنيانوس ليصلحه له دخل المخراز في يده فصرخ: “يا الله الواحد”، فشفاه مار مرقس باسم السيد المسيح وبدأ يحدثه عن الإله الواحد، فآمن هو وأهل بيته. وإذ انتشر الإيمان سريعًا بالإسكندرية رسم أنيانوس أسقفًا ومعه ثلاثة كهنة وسبعة شمامسة.
وبعد فترة وجيزة هاج الشعب الوثني فاضطر القديس مرقس أن يترك الإسكندرية ليذهب إلى الخمس مدن الغربية وهي : القيروان (سيرين) Cyrene، برنيق Berce حاليًا باسم (بنى غازي)، وهى عاصمة ولاية برقة، برقة (باركه) Berce، طوشيرا Tauchira ، أبولونيا Apollonia وهى حاليًا مرفًا أو مرسى (سوسه) Souzah.
ومنها إلى روما، حيث كانت له جهود تذكر في أعمال الكرازة عاون بها الرسول بولس، لكنه ما لبث أن عاد إلى مصر ليتابع العمل العظيم الذي بدأه.
عاد مرقس إلى مدينة الإسكندرية عام 65 م.
ليجد الإيمان المسيحي قد ازدهر فقرر أن يزور المدن الخمس، وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد هناك في منطقة بوكاليادار البقر)
وحدث بينما كان الرسول يحتفل برفع القرابين المقدسة يوم عيد الفصح – واتفق ذلك اليوم مع عيد الإله الوثني سيرابيس – أن هجم الوثنيون على الكنيسة التي كان المؤمنون قد أنشأوها عند البحر، في المكان المعروف باسم بوكاليا أي دار البقر.
ألقوا القبض على مار مرقس وبدأوا يسحلونه في طرقات المدينة وهم يصيحون: “جرُّوا التنين في دار البقر”.
ومازالوا على هذا النحو حتى تناثر لحمه وزالت دماؤه، وفي المساء وضعوه في سجن مظلم، وفي منتصف تلك الليل ظهر له السيد المسيح وقواه ووعده بإكليل الجهاد.
وفي اليوم التالي أعاد الوثنيون الكرَّة حتى فاضت روحه وأسلمها بيد الرب، في(30 برمودة 68 م)- وتحتفل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في بتذكار استشهاده سنويًا بطَيَّبَ رفاته- وإمعانًا في التنكيل بجسد القديس أضرم الوثنيون نارًا عظيمة ووضعوه عليها بقصد حرقه، لكن أمطارًا غزيرة هطلت فأطفأت النار، ثم أخذ المؤمنون الجسد بإكرام جزيل وكفَّنوه.
وقد سرق بعض التجار البنادقة هذا الجسد سنة 827 م. وبنوا عليه كنيسة في مدينتهم، أما الرأس فما تزال بمدينة لإسكندرية وبُنِيت عليها الكنيسة المرقسية حاليًا.
وفى عام 1968 تمت اتصالات بين البابا كيرلس السادس– البطريرك 116(1959-1971) والبابا بولس السادس لإرجاع جزء من رفات مارمرقس
وفي 24 يونية 1968م عاد جزء من جسده الطاهر للقاهرة ، 26 يونية 1968م تمت إقامة أول قداس فى الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس وبعدها تم إيداع الجسد أسفل المذبح ومازال محفوظا هناك حتى الآن.
قصة القديس مرقس مع الأسد في كل أيقوناته
وحدث أن أرسطوبولس ومعه أبنه مرقس كانا يسيران بالقرب من الأردن وخرج عليهما أسد ولبؤة (أنثي الأسد) وهما يزمجران فخاف أبوه وأيقن بالهلاك ودفعته الشفقة علي ولده أن يأمره بالهروب للنجاة بنفسه، ولكن مرقس طمأنه قائلا:” لا تخف يا أبي.. فالمسيح الذي أنا مؤمن به ينجينا منهما”.
ولما اقتربا منهما صاح بهما القديس قائلًا “السيد المسيح ابن الله الحي يأمركما أن تنشقا وينقطع جنسكما من هذا الجبل”.
فانشقا ووقعا علي الأرض مائتين فتعجب والده وطلب من ابنه أن يعرفه عن المسيح فأرشده إلى ذلك وآمن والده وعمده بالسيد المسيح له المجد.
إنجيل القديس مرقس
أجمع معظم علماء الكتاب المقدس أن إنجيل القديس مرقس هو أقدم الأناجيل، ولقد ذكر ابن كبر انه كتب فى عام
( 45م)، والقديس ايريناوس أسقف ليون يذكر أنه كتب بعد استشهاد بطرس وبولس الرسولين أى بعد سنة 67م، كما ذكر القديس يوحنا ذهبى الفم أن الانجيل كتب فى مصر أي في بداية أوائل النصف الثاني من القرن الاول الميلادي، ولقد كتب القديس مرقس انجيله لكل الأمم.
تأسيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية
عندما وصل مارمرقس الرسول إلى الإسكندرية كانت تعتبر العاصمة الثقافية للعالم كله، ففيها مدرسة الإسكندرية بمكتبتها العالمية الشهيرة، وفيها الديانة الفرعونية بكل آلهتها إيزيس وأوزيريس وحورس وآمون وإبيس وحتحور تحت زعامة رع كبير الآلهة.
فمن هذه المدرسة الشهيرة تخرج العديد من الفلاسفة والعلماء،كما خرجت منها الترجمة السبعينية للكتاب المقدس Septuagint، فكان لزاما على القديس مرقس الرسول مواجهة هذه المدرسة فأسس مدرسة لا هوتية كان التعليم فيها يقوم على طريقة السؤال والجواب Catechism وكان يدرس فيها إلى جانب اللاهوت الفلسفة والمنطق والطب والهندسة والموسيقى، وأول مدير لهذه المدرسة هو العلامة يسطس “وهو البطريرك السادس “ثم أومانيوس “البطريرك السابع “ثم مركيانوس” البطريرك الثامن “وياروكلاس “البطريرك الثالث عشر “وديونيسيوس “البطريرك الرابع عشر”.