في ضيافة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وبدعوة كريمة من المركز الإعلامي القبطي الأرثوذكسي، شرفت خلال الاسبوع الماضي، بحضور لقاء البابا مع صحفيي الملف القبطي، والذي نظمه المركز تحت عنوان “لنعمل سوياً” بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسيةوبالرغم من كونه لقاءً رسمياً، إلا أن الروح الرعوية لم تفارقه، بل ظللته وساهمت في ازاحة ستاراً من اللبس عن بعض الامور،اهمها مسألة الصلاة المشتركة مع الكاثوليك في الفاتيكان، وما يتم تداوله عن صلاة قداس موحد.
يبدو ان لدى البعض حساسية مفرطة من اثارة كلمة الوحدة او مشتقاتها، بعدما فقدت دلالتها على مدار عقود،إذ تم استخدام اللفظ للتغطية على ممارسات الاقصاء احيانا وتذويب فصيل في فصيل اخر
لذلك نجد البعض متربصاً جاهزاً لتقديم مدلولات غالبا ما تكون مغلوطة، فلا يوجد قداس موحد مع الكاثوليك، ولا صلاة طقسية تجمع بين الكنيستين، ولم تكن مفاجأة حينما اعلن قداسة البابا ذلك قائلاً”تحروا الحقيقة قبل النشر فمعظم شائعات مواقع التواصل الاجتماعي كاذبة، انه عالم وضع في الضلال والشرير والكنيسة تفضل الصمت عن الكلام”وهنا يجدر بمروج الشائعة ان يطرح على نفسه سؤالاً لماذا تخرج الشائعة من الداخل ولا نصطدم بها في الخارج؟
لماذا يخشى البعض من الصلاة الموحدة مع اخوتنا في الطوائف المسيحية، بينما يملأون العالم ضجيجاً بالثناء والمديح اذا ما حدث ذلك بين اتباع ديانتين مختلفتين، بل ويعتبرونه دليلاً على السلام والعيش المشترك، لماذا التربص وعدم التدقيق، فزيارة الڤاتيكان المزمع تنظيمها من 10 الى 12 مايو الجاري لا تتضمن قداسا مشتركاً، وانما صلاة مشتركة بين الطائفتين، انها صلاة مسكونية وليست طقسية.أما صلاة القداس ستكون في إيبارشية روما وتورينو لأبناء الكنيسة من الأقباط في كاتدرائية قدمتها الكنيسة الكاثوليكية استعارة للكنيسة القبطية لتستوعب الأعداد الكبيرة خلال القداس القبطي.
فالزيارة للفاتيكان ليست جديدة، انها احتفالية بمناسبة مرور ٥٠ سنة على عودة العلاقات بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية، والتي بدأت ملامحها قبل زيارة المتنيح البابا شنودة للفاتيكان عام 1973، بعد قطيعة بين الكنيستين دامت 15 قرنا منذ عام 451 ميلادية، ثم زارها البابا تواضروس في 10 مايو 2013، وها هو يكررها بعد مرور عقد كامل.
لكن يبدو ان البعض يرى في القطيعة أماناً، وفي الوقت الذي يمد فيه جسور الود مع ابناء الديانات الاخرى ويحترم القوانين التي تنظم العلاقة بينهم، يقتلع بذار التوافق بين الطوائف الأخرى لعقيدته، غير واعٍ ان وحدة الصلاة ليس ذوباناً، والقلوب المنسحقة المرفوعة الى الله في أن واحد هي امعان في التضرع، وليست تغييباً للتفرد، انها الوجه الآخر للحب، الذي يعقد صفقة القبول بلا شروط.
هل حينما نذكر الوحدة الوطنية وعنصري الأمة يختلط الايمان المسيحي بالايمان الاسلامي ويصيرا جوهرا واحدا؟ بالطبع لا، لأن المقصود بالوحدة هنا هو التكامل والتعدد والثراء والعيش في محبة وسلام ؟
لكن يبدو ان أي اشارة لعمل مشترك بين الطوائف المسيحية، تؤجج الذكريات السلبية التي ترتبط في اذهان البعض بتعبير الوحدة كونه تعبيراً يمثل تهديداً للتفرد، واقصاء للطرف الأضعف، وينسى الناس انه اذا اجتمع المختلفون على اسم الله يكون في وسطهم.
كما ان الصلاة المشتركة بين رؤساء الطوائف، ليست الاولى، ففي يونيو من عام 2014 فتح الفاتيكان أبوابه ليتردد في أرجائه صدى الأذان وتلاوة القرآن، ترافقها قراءة من الإنجيل، واخرى من التوراة، وفي ابريل 2017 ترأس البابا تواضروس الثاني، والبابا فرنسيس، مراسم الصلاة المسكونية، بمشاركة رؤساء الطوائف المسيحية، في الكنيسة البطرسية، بالعباسية
وفي مارس 2021 زار البابا فرنسيس العراق بعد ان بعث برسالة نصها«آتيكم حاجاً تائباً حتى ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب»، واحتضنت مدينة أور بالناصرية في بغداد، صلاة تجمع الأديان الثلاثة «الإسلامية والمسيحية واليهودية»، فيما يعرف بالصلاة الإبراهيمية، وشارك في الصلاة ممثلين عن ديانات أخرى من أقليات العراق، مثل الأيزيديين، والصابئة، وهي الصلاة التي تحمل شعار «من أجل أبناء وبنات إبراهيم»، بهدف التعايش والتسامح والأخوة الإنسانية،
* لم نسمع ان احداً في سائر الاطراف شعر بالتهديد على معتقده من المشاركة في الصلاة،
* لم نسمع ان احداً اعتبر الصلاة المشتركة مساساً بجوهر ايمانه، لأن الوحدة الحقيقية هي التي تقوم على التكامل والتنوع والذين يدركون هذا الامر جيداً يطمئنون ويشجعون التكامل، اما الذين يظنون في النفوس هشاشة الايمان فهم لا يعلمون..
حنان فكري